شارك السفير الأمريكي في ندوة اتحاد الصحافيين التي أقيمت يوم أمس بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية السودانية ومآلاتها على ضوء الذي اكتنفها من تقاطعات، ووجهات نظر متباينة وإجراءات تعسفية من قبل الإدارة الأمريكية. وبما أنني شاركت في تلك الندوة بورقة، فلم يكن أمامي سوى بسط الحقائق، وكشف فصول هذه القصة بشفافية، بحكم أن الندوة ليست من قبيل إبداء المشاعر العاطفية«أو كسير الثلج»، كما يقول شباب العصر الحديث. وحسب ترتيب الجدول للمتحدثين بالندوة من قبل منظميها، كان ترتيبي قد أتى كأول متحدث فلم أجنح نحو المقدمات المملة بل دلفت إلى الموضوع مباشرة ولحسن الحظ فإن السفير الأمريكي من الكادر الدبلوماسي الأمريكي الذي يستوعب ما يقال باللغة العربية، كما أنه يتحدث ذات اللغة، وإن كان بها «لكنة» لكنه على قدرة ومهارة بأن يتحدث، ويوضح مضامين ما يريده، دون أن يبارح لب الموضوع، أو يتجاوز ما أثير ضد أمريكا من اتهامات. والحقائق التي حصرت محاور حديثي حولها كانت تتلخص في الجوانب الأساس للإستراتيجية الأمريكية، وما يتصل بالعلاقات الأمريكية السودانية سلوك رؤساء الولاياتالمتحدة المتتابعين بشأنها بما في ذلك المبعوثين الذين خصصوا للسودان لمتابعة هذا الملف لما يخدم مصالح أمريكا، وأهدافها القريبة، والمتوسطة، والبعيدة المدى. وأمام ممثل أمريكا لم أتردد في كشف المسارات التي اتبعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية للحصول على مآربها في السودان منذ بوش الأول، وبوش الثاني، وكلينتون، ثم أخيراً أوباما و لم يكن خافياً على أحد ذلك الذي تستهدفه حيث كان القصد ولا يزال يتمحور حول النقاط التالية: 1/ تفكيك السودان وإضعافه. 2/ الإمساك برقبة السودان، وخنقه اقتصادياً، بتكثيف العقوبات وتجديدها وإضافة المزيد عليها. 3/ دعم المتمردين، وتقوية دولة جنوب السودان على حساب السودان الشمالي، وخلق بؤر للتوتر، والنزاع به بعد أن تحقق لهم هدف الانفصال. 4/ استخدام المحكمة الجنائية كعنصر للضغط بشكل متجدد حسب الأحوال والرغبات الأمريكية. 5/ العمل على إعادة تجربة المعسكرات والنازحين بجنوب كردفان والنيل الأزرق على نسق ما حدث بدارفور، وتكريس العمل بتلك المناطق من قبل المنظمات الأجنبية لخلق وضع غير مستقر وليكون مواتياً لتصعيد النزاع، وممهداً لنقل حركة الضغط في اتجاه إضعاف الشمال، والعصف بوحدته، وتمزبقه إلى كيانات. 6/ التنسيق الأمريكي الإسرائيلي الذي لاحت بعض معالمه في ضرب مصنع اليرموك للسلاح التقليدي على ذات النسق والإفتراء الذي قاد أمريكا نحو ضرب مصنع الشفاء للدواء. و لقد أفاد التقرير الأخير الذي أصدره المبعوث الأمريكي للسودان بألا عودة للعلاقات الأمريكية السودانية إلا بذهاب النظام، وإبداله بنظام ديمقراطي حسب اتفاقه مع ما يسمى الجبهة الثورية، ووعده لهم بتوفير الدعم والمساندة لتحقيق ذلك الهدف. ولقد كانت الفترة الأولى لرئاسة أوباما قد اعتمدت السياسة الواقعية بفضل التقارير التي قدمها المبعوث غرايشن مع أنه قد أجاب عن سؤال كان مضمونه كيف تتصرف أمريكا إن لم ترضخ الخرطوم للسبل الدبلوماسية فقال: إن الخرطوم إن لم تقبل الجزرة فهذه هي العصا. أمام كل هذه الحقائق وعليها المزيد خاصة ما يتعلق بسياسة الحزب الديمقراطي التي تربط تحسن العلاقات السودانية الأمريكية بالوضع في دارفور، والنيل الأزرق وجنوب كردفان وحل القضايا العالقة مع جنوب السودان فإن القائم بالأعمال الأمريكي لم ينف تلك الشروط كأنما أن السودان هو أحد الولاياتالأمريكية كما أنه دون خشية وضع تلك الشروط في إطار الحوار الذي طالب به من أجل تطبيع العلاقات بين السودان وأمريكا. والذين استمعوا لإفادات القائم بالأعمال الأمريكي استغربوا جداً من لغته التي أشار في بعض أجزائها إلى أن أمريكا ترغب في سودان موحد وفاعل كما أنها لا تريد إسقاط النظام وإنما تعمل من أجل إقرار السلام وتسوية جميع قضايا النزاعات به سلمياً وهو الشرط الوحيد لتصبح العلاقات الأمريكية السودانية سمناً على عسل. ولكن لا يزال الذين شهدوا الندوة يشككون فيما قاله، إذا قورن بالسلوك الذي تنتهجه أمريكا، خاصة أن لأمريكا دوراً محورياً في إنفصال الجنوب، وتحريضه على الشمال مما ينفي تماماً حرصهم على وحدة السودان ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن خطة أمريكا ليست الوحدة وإنما هي التقسيم والتفكيك وتشجيعهم على انفصال جنوب السودان يكفي دليلاً على ذلك. أما زعم القائم بالأعمال الأمريكي بأنهم لا يسعون لإسقاط النظام، فإننا نحيله إلى آخر تقرير قدمه ليمان ووعد فيه الجبهة الثورية بالدعم لإبدال النظام. وعموماً تحدث القائم بالأعمال الأمريكي حديثاً دبلوماسياً ولم ينف صلة أمريكا بإسرائيل بل أثبتها واللبيب بالإشارة يفهم، ولكن لم تكن إشارةً، لكنها كانت تصريحاً عياناً بياناً من قبل الممثل الرسمي لأمريكا بالسودان.