في زقاق مظلم يأتي صوت منخفض يقترب منه رجل ببطء يتعرّف على صوت رضيع أضعفه البكاء، فيبلِّغ السلطات المختصة التي تأتي لتأخذه وتسلِّمه إلى (دار المايقوما) وهي بدورها تقيِّم حالته: هل هو عمر يوم أم أكثر؟، بصحة جيدة أم تعرض لإصابة خطرة قد تضع حدًا لحياته بعد مدة قصيرة؟! الأطفال حديثو الولادة باتت قضيتهم تؤرِّق المضاجع نسبة للازدياد الخرافي بها والذي تتحدث عنه زيارة واحدة لدار المايقوما التي بها أجيال مختلفة من الأطفال مجهولي الأبوين بعضهم سليم وأغلبهم يعاني من أمراض تسبَّبت بها الأمّ التي حاولت التخلص منه كأنها لم تحمله داخلها تسعة أشهر، وإن كانت الأم التي تضعه جوار المقابر أو أمام منزل أو حتى جوار دار المايقوما هي أكثر رحمة من تلك التي تتخلَّص منه بطريقة أقل ما يُقال عنها إنها بشعة.. (الإنتباهة) التي شهدت مثلها مثل كثير من المواطنين حالات وفاة لأطفال عُثر عليهم مدفونين قبل أن تنبش جثثهم الكلاب التي تفضح ما حاولوا ستره تحت ظلمة الليل.. توقفنا في المكان الذي يستقبل هؤلاء الأطفال الذين يتم التخلص منهم بصورة لا تمتّ للآدمية بأي صلة كأنهم جمادات لا روح لها تُضرب في النافوخ وتُهشَّم جمجمتها بكل بساطة!! داخل مشرحة أم درمان كان لنا موعد شديد القساوة مع د. جمال مدير المشرحة الذي شاركنا كجهاز إعلامي له دور لا يُستهان به في عكس الظواهر الاجتماعية التي لا بد من وضع حد لها قبل أن تُنتزع الرحمة تمامًا من داخل المجتمع الذي ينفِّذ جريمة تهتز لها الأبدان باحتراف قاتل مأجور كما أوضحت لنا صور الأطفال المقتولين لحظة وصولهم إلى المشرحة. وجوه بريئة تعرَّضت لعملية تشويه ووضع حد لحياة قد يكون عمرها ساعات أو أيامًا لكنها لم تُفلح في استجلاب رحمة كافية لليد التي نفَّذت جريمتها وأطفأت نور العيون التي لم تتمتع بعالم الملائكة بسبب الشيطان الذي جعل أمَّه تحمله بطريقة غير شرعية ووالد ينسى أنه أب في مكان ويكون مسؤولاً عن آخرين في مكان ما ويتصور أن الله سيزرع له فيهم بركة وهو ترك آخر يموت وتنهشه الكلاب أو يتعفَّن داخل كرتونة في عربة مهجورة أو غرقًا داخل مرحاض عام ورأسه مختفٍ داخله! وحسب إحصاءات مشرحة أم درمان التي استقبلت (340) جثة عام (2009) نسبة الأطفال كانت (15%) منهم (35%) إناث و(65%) ذكور مما يؤكد تخلُّص الأسر من الذكور في حين تحتفظ بالإناث في معادلة معقَّدة، وليس هذه النقطة الوحيدة بل هناك نسبة وفاة الأمهات بالإجهاض والانتحار التي لا تبعد عن ملف حديثي الولادة بنسبة وصلت إلى واحد وخمسة من عشرة وفيات بسبب الإجهاض ووصلت وفيات الانتحار إلى (5%). بالنسبة لأسباب الوفاة في عام (2009) للأطفال (21%) ماتوا بكسور في الجمجمة و(25%) خنق و(40%) إجهاض قبل الولادة واكتمال النمو و(13%) حالات أخرى. في عام (2010) استقبلت المشرحة (843) جثة منها (18%) أطفال (مع ملاحظة زيادة النسبة والعدد الكلي عن العام الماضي) وحافظت فيه نسبة الذكور على زيادتها على الإناث بنسبة (58%) إلى (42%) وحافظت نسبة الانتحار والإجهاض بين الأمهات على نسبتها مع مراعاة ازدياد النسبة الكلية، وحافظت أسباب الوفاة على نسب العام الماضي ذاتها من خنق وإجهاض وكسور بزيادات طفيفة. في عام (2010) دخلت مشرحة أم درمان (912) جثة كانت نسبة الأطفال فيها (20%) أطفال حدث فيها انقلاب في نسبة الذكور إلى الإناث لأسباب تفتح أبواب تكهنات مختلفة بنسبة (46%) ذكور و(54%) إناثٍ وزادت نسبة الوفيات بسبب الإجهاض إلى (4%) والانتحار إلى (6%). في عام (2012) استقبلت المشرحة (984) جثة حتى تاريح زيارتنا لها في 11/12 كانت فيه نسبة الأطفال (21%) وعادت فيه نسبة الذكور إلى الارتفاع من جديد بعد زوال السبب الذي طرأ العام الماضي بحيث أصبحت (60%) إلى (40%) إناث وحافظت معدلات الإجهاض والانتحار على نسبها. ووضّح د. جمال ل(الإنتباهة) أن هذه النسب هي التي تصل إلى المشرحة وليس بالضرورة أن تكون العدد الكلي لعدد الأطفال حديثي الولادة لأن البعض يتم إخفاؤه بحيث لا يصل المشرحة ومقدر أن يكون عدده أكبر من الذي يصل إلى المشرحة. وأكد د. جمال حسب المسوحات التي أُجريت على محليات أم درمان وجدوا أن الأعداد تزداد عامًا بعد عام فمحلية أم درمان استقبلت عام (2009) (21) طفلاً زاد عددهم عام (2010) إلى (47) ووصل عام (2010) إلى (36) ثم قفز العدد (2012) إلى (60) طفلاً. محلية كرري وُجد فيها عام 2009): (10) أطفال وعام ( 2010) وصل إلى (48) و(2011) (35) ووصل (2012) إلى (42). محلية أم بدة في عام (2009) كان عدد الأطفال (18) و(2010) قفز إلى (55) و(2011) نزلت إلى (43) وقفزت (2012) إلى (78). الشهور من (7 12) تعد الشهور التي تحدث فيها معظم الحالات في سؤال واضح لماذا؟ وبعض أقسام الشرطة تجد فيها أيضًا ازدحامًا دون غيرها يطرح نفس السؤال لماذ؟!