أثنى الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان على الدور الوطني الكبير الذي قام به نادي الخريجين، والرعيل الأول في استقلال السودان، وإجلاء المستعمِر البريطاني، وأشاد الشيخ صادق من خلال هذا الحوار الذي أجرته معه «الإنتباهة» بمناسبة الذكرى السابعة والخمسين لأعياد الاستقلال المجيد بوصفه شاهد عيان على تلك الفترة، أشاد بتفاعلات الشعب السوداني مع الحدث، وحالة الاتفاق والانسجام بين القوى السياسية والاجتماعية والدفع سوياً للحصول على الغاية الوحيدة آنذاك وهي تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني المصري، وتطرق الشيخ صادق إلى جملة من الأحداث التي سبقت هذا الحدث ومهّدت الطريق لاستقلال البلاد، فإلى التفاصيل: شيخ صادق عبد الله عبد الماجد حدِّثنا عن المرحلة التي سبقت استقلال السودان بوصفك كنت معاصرًا لها؟ الإنجليز حكموا السودان بأسلوب بريطاني واستطاعوا تطويع هذا الوطن سنين عددًا ووضعوا برامج للتعليم والاقتصاد والسياسة، صحيح يمكن أن نحمدهم في شيء ونكفرهم في أشياء أخرى كثيرة، في ذلك الوقت يوجد استقرار وهدوء وحياة منتظمة، ويجتمع مجلس الحاكم العام ومديرو المديريات والمفتشون وهؤلاء جميعهم إنجليز ويضعون خطًا للحكم جعل البلد بهذه الصورة، ولا توجد اضطرابات واستمرت السنوات هكذا.. صحيح أن الحريات مصادرة لكن توجد حريات للعمل والسياسة لكن في الحدود التي يحدِّدونها.. عشنا هذه الفترة على الرغم مما كان يحتاج إليه الشعب السوداني في كل مرافق الحياة في التعليم والسياسة والحريات والقِيم التي تفرض على الحاكم أن يغيِّر من سياسته، هذا هو حال الشعب السوداني صامت على مضض رغم أن الحياة في ذلك الوقت غير متعبة لكن يوجد بعض التملمُل الداخلي عند بعض أفراد الشعب السوداني إلى أن قام مؤتمر الخريجين في سنة «1938م» وبعث روحًا جديدة في الناس، هذه الروح تطوَّرت شيئاً فشيئاً بتقديم مذكرة إلى الحاكم العام. ما فحوى هذه المذكرة؟ المذكرة كانت تشير إلى أن الشعب يريد الحرية، فهو في ذلك الوقت سيد البلد، وأسياد البلد في ذلك الوقت هم المديرون، وبرزت شيئاً فشيئاً فكرة الحرية، والناس يتساءلون لماذا نحن نعيش هذه الفترة بهذه الصورة مهما كان فيها من بعض الخير، وكل أفراد المؤتمر والشعب السوداني ومن خلال مطالبات المؤتمر بدأت تدبّ فيه روحٌ جديدة بين الناس إلى أن تقدَّموا بالمذكرة وطالبوا بحريتهم حتى حدثت الانقلابات في مصر، وكان السودان وقتها محكومًا بالإنجليز والمصريين على السواء «السودان الإنجليزي المصري»، وإذا وُجد أي شأن يُراد له أن يُتخذ في السودان فيما يتعلق بالحريات لا بد أن تتفق الحكومتان البريطانية والمصرية، بعد ذلك التقى جمال عبد الناصر ممثلاً لحكومة مصر ومستر هرد البريطاني واتفقوا أن يعطوا السودان الحكم الذاتي أي أن يحكم نفسه بنفسه، فخرج السودانيون بتظاهرات ومحاضرات بمواقع شتى يهاجمون ويطالبون بحريتهم وبأنهم لم يُخلقوا ليُستعبدوا بل خُلقوا ليعيشوا أحراراً، فهذا الشعب شعب متفرِّد في كل شيء، وبالفعل حصلت اتصالات بين الدولتين وواصلوا في هذا الأمر حتى موافقة الدولتين على إعطاء الشعب السوداني حقَّه في الحرية. كيف جاءت فكرة الاتحاد مع مصر والتحالف مع الإنجليز؟ الاتجاه في ذلك الوقت كان عند السودانيين اتجاهًا عاطفيًا، فهناك اتجاه يقول بالاتحاد مع مصر واتجاه آخر يقول بالتحالف مع بريطانيا، وهذه وضعت السودانيين في موضع في غاية الحرج، ويرى بعض السودانيين أن مصر شقيقتهم، وهذا اتجاه سليم لأن الطرف الثاني كانوا بريطانيين ومصر هي الأقرب، وخرج السودانيون جميعاً في تظاهرات هنا وهناك إلى أن جاء اليوم الموعود والاتحاديون على رأسهم الزعيم الأزهري كانوا مع مصر، لكن عندما عاد الوفد السوداني الذي كان في مصر وعلى رأسه الأزهري طاف على عدد من المدن السودانية طوافاً واسعاً ووجد أن الشعب السوداني كله يريد الحرية والاستقلال من الاستعمار. وما هو دور البرلمان السوداني؟ بدأت المرحلة المعروفة وهي أن لدينا برلمانًا يتحدَّث باسم الشعب وطرح فكرة الاستقلال أو الاتحاد، وفاز عبد الرحمن دبكة وهو من غرب كردفان ودارفور، فهو الذي أعلن أن السودان دولة مستقلة ذات سيادة بحدودها المعروفة من داخل البرلمان، والإعلان كان من داخل البرلمان يوم «19/12» والأوضاع في ذلك الوقت أن تكون بداية العام الأول من يناير «1956م» هي أول يوم في الاستقلال. أين كنت في ذلك الوقت وما هو دورك؟ أنا كنتُ منتميًا إلى جماعة الإخوان المسلمين وشهدتُ ذلك اليوم وقمتُ مع من قام بدور كبير وتجمعت الجموع من الإخوان، وفي ذلك الوقت كان الإخوان في بداية طرحهم لمبادئهم ومناهجهم، وفي ذلك الوقت كان طرحًا جديدًا غير مألوف وهو أن يوضع دستور للسودان ويكون الحكم بكتاب الله والشريعة الإسلامية وأن يُحكم البلد بالإسلام ولم يجد هذا الطرح رضا. فهذا اليوم حقيقة يوم مشهود والإخوان تجمعوا وهتفوا الله أكبر ولله الحمد وانضم الكثيرون والهتافات التي نسمعها الآن هي هتافات الإخوان في مصر، وطُرحت في ذلك اليوم هتافات مثل الله أكبر ولله الحمد، فهذه الهتافات حتى ناس حزب الأمة أخذوها من الإخوان في مصر، وتجمع الناس تجمعًا كبيرًا وكان لا بد أن يسقط علم ويرتفع علم ولا بد أن يعرف الناس أن العلمين اللذين أُنزلا هما العلمان الإنجليزي والمصري. هل تذكر شيئاً عن مفردات الخطاب الذي ألقاه عبد الرحمن دبكة؟ عبد الرحمن دبكة كان يتحدث بخطاب فيه الوطنية والحرص على حرية البلد ورفض الاستعمار في أي صورة، فهذه اللحظات لا يذكر الإنسان فيها شيئاً بعد الله إلا الحرية والعدالة والسيادة والدولة الجديدة، لأننا نعيش في ظل ليس ظلنا وفي حكم ليس حكمنا والحكم في يد الإنجليز، وقيلت في ذلك اليوم كلمات للوطنية ترفع رأس الإنسان ويوجد تفاعل داخل البرلمان وزالت الفوارق بين الأحزاب ولا يوجد فرق بين حزب كذا، أو كذا، مثلاً أمة اتحادي، وصار الصوت صوتاً واحداً والكلمة والقرار والجرأة والإرادة تمثلت في كلمات واحدة وهي الخطاب الذي ألقاه عبد الرحمن دبكة و... نريد أن نعرف شيئاً عن دور الأحزاب الكبيرة في ذلك الوقت؟ الأحزاب جميعها بالإجماع لا يوجد حزب اختلف عن الحزب الآخر طالما المسألة مسألة أمن، وينبغي أن يكون السودان أمة ودولة وأن يكون الشعب شعباً واحداً متآلفاً ومترابطاً ولا يوجد صوت نشاز أبداً، فكل الأحزاب كانت على قلب رجل واحد، فهذا اليوم لا يستطيع أحد أن يصوره للجيل المعاصر وتوجد حالة أشبه بحالة من الجنون لا إرادي وكل هذا كان في جميع الولايات. أين كان التجمع لكل هذه الجموع الثائرة؟ هذا التجمع حدث أمام القصر الجمهوري، وكان الأزهري ومحمد أحمد المحجوب ومعهما شخص آخر أنا لا أذكره ولكن ما أسمعه يوجد شخص آخر معهم، والإذاعة كان لها دور كبير جداً وهي تبث الأناشيد الوطنية والكلمات التي تعبر عن حقيقة هذه الأمة الصاعدة التي تريد أن تنال حقها في الحرية وكان إعلامًا متفاعلاً في هذه الفترة وكان على قمة هذه الظاهرة وهذا المشهد. صف لنا ألوان العلم في ذلك الوقت وهل حدث لها تغيير؟ وُضعت الألوان على الجانب الوطني وهي أربعة ألوان وكل لون له رمز اللون الأبيض للنيل، والأحمر للحرية، الأخضر للزرع، فالإنجليز مازال علمهم موجودًا بصورة واضحة في كبري النيل الأزرق. أما بعد الاستقلال والسنوات التي جاءت بعده وهي ثلاثة أعوام فكانت أفضل أعوام للخير، وخير ما حكم به الشعب السوداني، فهذه السنوات لم تتكرر، فالذين حققوا الاستقلال من الأسماء التي لا تتكرر أبداً وهم يحيى الفضلي ومبارك زروق وغيرهم ويوجد كتاب ضخم ومعجم لقيادات السودان في مؤتمر الخريجين، فهؤلاء نجوم وأقمار في علوِّهم وفي دورهم الذي قاموا به والذين شاركوا معهم في أنحاء السودان قيادات وزعماء فهذا عهد يُقتدى به وأنا أعتز بهذه الفترة ابتداءً من الأزهري ومحمد أحمد صالح وآخرين من الزعماء الذين جاءوا من الأقاليم.