هللت بعض الصحف المصرية؛ لأن شابًا من أصل فلسطيني ألقي القبض عليه ضمن آخرين ممن تم احتجازهم والتحقيق معهم في واقعة الاعتداء على رئيس نادي القضاة. وهي القصة المفتعلة التي تحيط بها شكوك كثيرة حيث لم يثبت أن هناك اعتداءً من الأساس، ومع ذلك جرى النفخ فيها والتهويل منها، حتى وصفها بعض المحرضين بأنها إيذان ببدء عهد (الاغتيالات) في مصر.. هكذا مرة واحدة! لا أعرف كيف سينتهي الأمر، لكن معلوماتي أن الشبان الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم ذكروا في التحقيق، أنهم كانوا خارجين بالصدفة من أحد المحال العامة، وحين شاهدوا الرجل هتفوا ضده فتمت ملاحقتهم وتعرضوا للضرب المبرح من جانب بعض أنصار صاحبنا، ولم ينقذهم من أيديهم سوى الشرطة التي هرعت إلى المكان. أثار انتباهي في المسألة أمران، أولهما إبراز بعض الصحف لهوية الشاب المولود في مصر ولم يرَ فلسطين في حياته، لكنه أصبح مشتبهًا؛ لأن أباه فلسطيني وأمه مصرية (شقيقتاه متزوجتان من مصريين).. ثانيهما أن بعض محامي رجال النظام السابق تلقفوا الخبر واعتبروه قرينة حاولوا الاستدلال بها على أن الفلسطينيين وليس الشرطة ولا رجال مبارك ضالعون في الجرائم التي ارتكبت أثناء الثورة. إذ نشرت الصحف أن محامي مبارك وهو يدافع عنه في قضية قتل المتظاهرين وجه الاتهام إلى جماعة الإخوان وحركة حماس في المسؤولية عن قتل المتظاهرين. واستند في ذلك إلى شهادة للواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق ذكر فيها أنه تم رصد (90) مسلحًا فلسطينيًا من كتائب القسام التابعة لحركة حماس و(80) عنصرًا من حزب الله، دخلوا إلى مصر عبر أنفاق رفح، وقال إن هؤلاء هم الذين قاموا بقتل المتظاهرين، وهم الذين اقتحموا سجن وادي النطرون وأخرجوا المسجونين من عناصر حزب الله، كما أخرجوا قيادات الإخوان التي احتجزت فيه. القصة ذاتها رددها محامي اللواء العادلي وزير الداخلية الأسبق الذي قال في مرافعته إن أجهزة المخابرات المصرية رصدت اتصالات بين قيادات حماس في غزة وقيادات الإخوان في مصر للاتفاق على استقدام عناصر مسلحة من كتائب القسام للمشاركة في عمليات التخريب والفوضى التي حدثت يوم 28 يناير، حيث اندس هؤلاء وسط المتظاهرين وأطلقوا عليهم النيران التي أسفرت عن قتل العشرات منهم للتعجيل بإسقاط نظام مبارك. كأن المحاميين في محاولتهما تبرئة مبارك والعادل، أرادا غسل أيدي الأخيرين من الجريمة وتوجيه الاتهام إلى طرفين خاصمهما النظام السابق وهما الإخوان وحركة حماس. ولأن إقحام الإخوان ضمن لائحة الاتهام قصة جديدة فسوف ننحيه جانبًا، وسنظل مع اتهام فلسطينيي حماس بقتل المصريين وإشاعة الفوضى في البلد، وهي الصورة التي حرصت الأجهزة الأمنية على ترويجها في عهد مبارك، التي ظلت ترددها الأبواق الإعلامية آنذاك حتى نجحت في إثارة الضغينة لدى البعض ضد الفلسطينيين. حتى صاروا في نظر البعض (إرهابيين ومخربين)، وهي ذات الأوصاف التي تطلق عليهم في إسرائيل. لا أعرف كيف يمكن لعاقل أن يقتنع بأن الفلسطينيين يمكن أن يقتلوا المصريين بغير سبب أو مبرِّر، أو أن يسعوا إلى إشاعة الفوضى في مصر التي هم بحاجة إليها. ويحتاج المرء لأن يلغي عقله لكي يصدق أن جماعة حماس اشتركت في قتل المتظاهرين، الذين كان الإخوان بينهم، لكن شيطنة حماس التي كانت سياسة ممنهجة في عهد مبارك نجحت في تشويه إدراك كثيرين انطلت عليهم أكذوبة (الخطر) الذي ادعوا أن غزة تمثله بالنسبة لمصر. ومن خلال تلك الشيطنة اقتنع البعض بأن غزة باتت تهرب السلاح (الذي هي في أشد الحاجة إليه) لإثارة القلاقل في مصر. كما اقتنعوا بأن الفلسطينيين يتطلعون إلى التمدّد في سيناء واختطافها. وأشاع أحدهم أن انقطاع تيار الكهرباء في مصر سببه أن (حكومة الإخوان) تمد غزة بالطاقة على حساب المصريين. وقيل في هذا الصدد إن رئيس الوزراء المصري تحمس للفكرة؛ لأن زوجته شقيقة لزوجة السيد إسماعيل هنية، الأمر الذي كذبه الدكتور هشام قنديل وقال لي إن مصر تزود غزة بما يعادل واحد على 1200 من استهلاكها، وهي لا تهديه إلى حكومة القطاع ولكنها تبيعه لها. عملية شيطنة الفلسطينيين قد تكون مفهومة في ظل نظام مبارك باعتباره كنزًا إستراتيجيًا لإسرائيل، لكننا لا بد أن نستغرب استمرار تلك السياسة بعد الثورة؛ لأن المستفيد الوحيد منها طرف واحد هو إسرائيل، ولا تفسير لذلك سوى أن الرجل الكنز ذهب حقًا لكن أبواقه الإعلامية لا تزال باقية.. واللبيب بالإشارة يفهم.