المعارضة التي يقودها عمنا فاروق أبو عيسى قال إنهم لم يتمكنوا من إخراج الناس في المظاهرات بسبب الإرهاب الذي تمارسه الحكومة مقروناً مع الاعتقالات والتعذيب. وقال إنه لا توجد أي حرية أو السماح بإسماع صوت المعارضة للجمهور.. وعمنا فاروق نسي أنه كان يقول هذا الكلام في تلفزيون الحكومة ويشتمها ويسبها في عقر دارها.. ثم لا يجد تبريراً لفشلهم في إخراج مظاهرة واحدة خلال ثلاثة وعشرين عاماً غير أن يقول إن الحكومة منعتهم.. ولعل الكثيرين يتذكرون المرحوم نقد زعيم الحزب الشيوعي الذي حضر ليشارك ناس أبو عيسى في المظاهرة التي دعوا إليها ولكنه لم يجد أحداً فبحث عن شيء يكتب عليه ووجد كرتونة قديمة وقطع جزءاً منها ولا أذكر إن كان قد كتب عليها بقلم الحبر أو أنه استعمل قطعة فحمة.. والمهم أنه كتب «حضرنا ولم نجدكم» ويبدو أنه كان زعلان و«محروق» لأنه لم يجد فاروق ولا غيره. وأعتقد أننا لن نختلف مع الكثيرين إذا قلنا إن المظاهرات التي يغيب عنها الإسلاميون من المؤكد أنها ستكون فاشلة في مظهرها ومخبرها وأول مظاهرة قادها الدكتور حسن الترابي في عام 1964م واتخذت من جامعة الخرطوم منطلقاً لها وكانت الشرارة التي أسقطت نظام الفريق عبود.. ولم لم يكن الإسلاميون وهم الأكثر تنظيماً وتصميماً في مقدمتها لما كتب لها النجاح.. ومظاهرة احتلال جامعة الخرطوم في مارس 1971م كانت عملاً حصرياً دعمه الإسلاميون في ذلك الوقت والذين صاروا حكام اليوم.. ثم جاء مظاهرات شعبان في 1972م ضد حكم الرئيس نميري والتي قادها اتحاد (ود المكي) والذي كان اتحاداً خالصاً للإسلاميين وفعلت ما فعلت في تهديد نظام الرئيس نميري في ذلك الوقت وشارك الإسلاميون بالسودان في كل مظاهرة المقاومة ضد نظام نميري بما في ذلك ما عُرف (بغزو المرتزقة) والجبهة الوطنية في عام 1976م وانتهى الأمر بمصالحة الصادق المهدي والإخوان مع نظام مايو في عام 1977م مما أدى إلى إطالة عمر النظام الذي أدى إلى دخول الإسلاميين مشاركين فيه وأسسوا لمجموعتهم قاعدة سياسية واقتصادية قوية جعلت منهم رقماً لا يمكن تجاوزه في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الأخرى تتفتت ويرحل أعضاؤها أفراداً وجماعات نحو الحركة الإسلامية. ولا يختلف اثنان في أن الحركة الإسلامية قد بنت قواعدها الشبابية والتنظيمية من أبناء الأحزاب الأخرى وتحديداً من حزبي الأمة والاتحادي ولم يشذ من ذلك حتى بعض أعضاء وزعماء الحزب الشيوعي الذين انضموا إلى الحركة.. وظل نظام الرئيس نميري متماسكاً إلى أن اعتقل قادتهم في مارس من عام 1985م وعندها صار ظهره مكشوفاً وقامت انتفاضة أبريل بسبب أن الإسلاميين ابتعدوا عن نميري وانضموا لمجموعة الانتفاضة في رجب. وذهب النميري ليأتي نظام الفريق سوار الذهب والجزولي دفع الله اللذين كانا يمثلان وجهاً للحركة الإسلامية في الفترة الانتقالية ومنذ مجيء الإنقاذ في عام «1989م» وحتى الآن لم تكن الأحزاب المعارضة قادرة على تسيير مظاهرة واحدة ناجحة بالدرجة التي تقلق الحكومة.. وتظل النظرية قائمة من أن المظاهرة الناجحة في السودان هي التي يكون الإسلاميون طرفاً فيها وما يقال عن السودان هو نفس ما حدث في ثورة تونس التي أوقدها الإسلاميون وعلى رأسهم جماعة الغنوشي والثورة المصرية وجدت دعمها من الإخوان الإسلاميين في مصر وهم الذين علموا الثوار كيف يصلون الجمعة في ميدان التحرير وهم من نظموا الصفوف والهتاف ورفعوا الهمة وقاموا بتزويد المظاهرين بالطعام والشراب حتى ذهب مبارك.. والإسلاميون هم قادوا الثورة في ليبيا وصلوا صلاة الخائف جميعاً وقصراً بالقرب من مدافعهم وثورة اليمن يقف من خلفها جماعة الحركة الإسلامية. وكل هذه الثورات تعبِّر عن مساهمات الحركة الإسلامية الظاهرة والمستترة ضد الزعماء الموالين لأمريكا وإسرائيل وكل تغيير يحدث في العالم العربي من الآن ومستقبلاً يصب في مصلحة الحركة الإسلامية ويؤدي بالضرورة إلى التقارب مع النظام السوداني والذي استطاع أن يحسم الهُوية العربيَّة الإسلاميَّة للسودان بانفصال الجنوب في سلاسة ومرونة لم يتوقّعها أحد وفي ظل ما يحدث من تغييرات جذرية في العالم العربي والإسلامي لن تكون أمريكا وأوروبا الغربية حريصة على تغيير النظام في السودان لسبب بديهي ومنطقي وهو أن السودان سيكون المعبَر والجسر الذي سيوصل أمريكا ويقرب وجهات النظر بينها وبين الأنظمة الجديدة وعلى رأي المثل «جناً تعرفو ولا جنًا ما تعرفو» وليس في مصلحة أمريكا أن يأتيها نظام جديد لا تعرف كيف تتعامل معه وهي التي فقدت معظم الأنظمة المطيعة. { كسرة لا أدري إن كان الجنوبيون سوف يحتفلون معنا بعيد الاستقلال علماً بأن البريطانيين كانوا يستعمرونهم مثلنا تماماً بل جعلوا منهم منطقة مقفولة ممنوعة من التعليم ونشر الدين وعزلوهم حتى يكونوا «مادة خام» سهلة التشكيل في المستقبل.. ولعل الكثيرين يذكرون صورة الخواجة المستر جون أوين وهو يركب على ظهور أربعة جنوبيين يحملونه على طاولة خشبية فوقها كرسي إلى حيث ذهب حتى التواليت لقضاء الحاجة ثم ينتظرونه ليحملوه إلى سرير نومه وأعتقد أن على الجنوبيين أن يحتفلوا باستقلالهم من ذلك الخواجة الإنجليزي بالذات ويسمون ذلك العيد بعيد جون أوين على الرغم من أنهم يبدون فرحين بالاستعمار الجديد خاصة باقان وعرمان وتعبان وهلم جرّاً.