تغلّبت الحكمة والتعقُّل، على الفتنة التي أطلّت برأسها في أحداث القضارف الأخيرة نهاية الأسبوع الفائت، واستطاعت حكومة الولاية والحكومة الاتحادية، خاصة وزارة الداخلية، وقيادات المؤتمر الوطني، التي تحركت على جناح السرعة من الخرطوم، من احتواء الأحداث المحزنة التي شهدتها مدينة القضارف مساء الأربعاء الماضي وراح ضحيتها اثنان من أبناء قبيلة البني عامر، عندما حاولت السلطات المحلية تنفيذ أمر محلي بإزالة زرائب للماشية في حي كرفس غربي المدينة، الأمر الذي أدى لاحتقان كبير وسط قبيلتي البني عامر والحباب، وتوترت الأجواء وكادت تحدث كارثة في مدينة القضارف لا يعلم أحد مداها إن وقع صدام داخل المدينة وتمددت الفتنة وأرخت سدولها الظلماء على الولاية الآمنة المطمئنة. هذه الأحداث لم تكن بسيطة ولا ضئيلة الأثر، الأوضاع في ولاية الشرق مع ما يحدث في البلاد والتحريض الذي تقوم به بعض القوى السياسية المعارضة والاستهداف الخارجي ومحاولة تفجير الأوضاع على طريقة دارفور، كانت تحتاج لمن يوقد عود الثقاب أو يشعل فتيل الأزمة لتندلع النار لتحرق الأخضر واليابس ليس في القضارف وحدها وإنما في الشرق كله. أسلوب المعالجة عقب هذه الأحداث مباشرة كان له أثر كبير في تهدئة النفوس وإطفاء النار قبل أن ينتشر اللهب والحريق، فوالي الولاية واجه الأحداث بأمانة وشجاعة واحتواها من اللحظات الأولى عندما خفّ لموقع الحدث وقدم التعازي لأهل الضحايا وذهب للمستشفى ومكث في المشرحة وبدأ الإجراءات الرسمية بعقد لجنة أمن الولاية، واتخاذ قرارات فورية وإجراءات وتحوّطات عاجلة لمنع استغلال الأحداث من قبل بعض الأحزاب السياسية المعارضة التي حاولت الاصطياد في الماء العكر والولوغ في وحل الفتنة البكماء، وحرّضت هذه الأحزاب أهل الضحايا بعدم دفن جثامينهم، بغرض تضخيم ما حدث وتأجيج النار وصنع صدام دموي داخل القضارف بين قبائل البني عامر والحباب والسلطات الولائية. ووأدت الزيارة السريعة والعاجلة لناظر عموم البني عامر علي إبراهيم دقلل الذي أتى على الفور عقب الأحداث مباشرة من كسلا، وباشر مع وكيل نظارته في القضارف محمد حسن حاج أغا، ووكيل نظارة الحباب بالقضارف محمد علي محمد سعيد، وأعيان البني عامر «محمد عثمان المصري، رئيس اللجنة الاقتصادية بتشريعي القضارف وإبراهيم إدريس، الأمين العام لاتحاد الرعاة بالولاية»، باشروا جميعاً في خضم الأحداث حواراً عميقاً وصريحاً وصعباً مع شباب هاتين القبيلتين الذين كانوا يرفضون دفن الضحايا حتى تم الدفن ليل الخميس بعد «24» ساعة من الحادث، كما وصل للقضارف وفد من قياداتها الشبابية بالخرطوم «عمر الحاج كابو رئيس اتحاد الناشئين الاتحادي، وإدريس محمد علي المستشار بوزارة الخارجية، وهشام التهامي القيادي المعروف بالمؤتمر الوطني»، كما وصل القضارف وفد آخر بقيادة الحاج محمد علي علوبة وزير الدولة بوزارة الزراعة ورئيس دائرة القضارف بأمانة الشرق ومحمد محمود عيسى عضو المجلس الوطني، وخلال يوم الجمعة أمس كانت الجهود مبذولة لتخفيف حدة التوتر وتهدئة النفوس وجبر الخواطر، خاصة عند رفع المأتم في يومه الثاني حيث تحدث الوالي وإدريس محمد علي مؤكدين أن هذه الأحداث تم احتواؤها بالكامل وأن الفتنة وئدت في مهدها. ووصل الوفد الرسمي أمس السبت بقيادة وزير الداخلية المهندس إبراهيم محمود، وضم الوفد الشريف أحمد عمر بدر أمين أمانة الشرق بالمؤتمر الوطني ووالي القضارف الأسبق، صلاح علي آدم نائب أمين أمانة الشرق ووالي ولاية كسلا السابق، والضو عثمان والي القضارف السابق، وجعفر محمد علي الوزير الولائي السابق ورئيس كتلة نواب كسلا بالمجلس الوطني، والفريق أول شرطة عثمان يعقوب نائب مدير عام الشرطة الأسبق، والفريق شرطة آدم دليل مساعد المدير العام لقوات الشرطة. وعقد الوفد فور وصوله القضارف لقاءً ضخماً في موقع الحادث بحي كرفس الزرائب، تحدث فيه وزير الداخلية الذي أكد نهاية الأحداث واحتواءها وبشّر أهل الشرق كافة، بمستقبل أفضل في التنمية والسلام وخاصة الطرق والسدود وغيرها من البُشريات، كما تحدّث الشريف أحمد عمر بدر ووالي الولاية. وطوت القضارف صفحة دامية مرت سريعاً كسحابة صيف ، وألجم الله الفتنة وأبعد شرها، وخاب وطاش سهم المتربصين وموقظيها.