لم يعد خافياً على أحد أن تأخير التشكيل الوزاري القادم يدل دلالة واضحة على أن الإنقاذ ترغب في مشاركة الآخرين في مسؤوليات الحكم والإصلاح. والبعض يقولون ويسمون مسؤوليات الحكم اللعبة السياسية وهو تعبير مبتذل وأشد ابتذالاً منه ما يقوله الآخرون حول المشاركة في الحكم أنها مشاركة في الكعكة وكلها تعابير مضللة ومبتذلة وتدل دلالة واضحة على أن القائل ينطلق من مفهوم عبثي للحكم لا يتعدى مصلحة المشارك أو المستوزر الشخصية دون النظر إلى أعباء الحكم التي تنتظر القادم الجديد بفارغ الصبر لتضعه على المحل وتعجم عوده وتتعرف على شخصيته. إن المشاركة في الحكم لا تقبل من المشارك إلا أفضل ما عنده، إن زلة اللسان وحدها كافية لأن تطيح بالمستقبل السياسي لأفضل الرجال.. إن العبثية التي ظلت الأحزاب تتعامل بها مع قضية الحكم مازالت راسخة في أذهان الكثيرين، بل إن الإنقاذ ذاتها لم تنج من هذا الاتهام، وما زالت قضايا مثل قضية الحج والعمرة وقضايا البذور وقضية ويكليكس هي بقع سوداء تحتاج إلى أقوى مبيض ومطهر. إن الإصرار على مشاركة الأحزاب التقليدية في الحكم لا يخلو من أن فيه مسحة من العبثية، ذلك أن أعرق الأحزاب التقليدية مازالت غارقة في انشقاقاتها وانشاطاراتها، وأنت ترى في كل يوم قادماً جديداً من رحم هذه الأحزاب، فهى كما يبدو ليست عقيماً. إن ملفات القضايا الساخنة والملحة التي تنتظر التشكيل الجديد كثيرة وخطيرة.. وأول هذه الملفات هو ملف التوجه والهوية، ونظام الحكم. وبالرغم من أن معارك الوحدة والانفصال والإسلام والعلمانية قد حسمت بالاستفتاء الذي فصل الجنوب الذي تحكمه العلمانية حتى في سنوات نيفاشا الخمس وترك الشمال الذي تحكمه الشريعة حسب نصوص الاتفاقية يمثل وحدة سياسية متماسكة من حيث مصادر التشريع ومصادر الحكم.. بالرغم من ذلك فإن نظرية القائد الملهم التي قعدت بالعالم العربي والإسلامي لأكثر من نصف قرن من الزمان ما زالت قائمة وفاعلة في السودان في كل مكوناته السياسية حتى العلمانية منها.. بالرغم من أن قضية الهوية ونظام الحكم ومصادر التشريع قد حسمت إلا أن إصرار الإنقاذ على إحياء الموات وإدخال مومياءات الأحزاب التقليدية في «لعبة الحكم» ومقاسمتها في «كعكة الحكم» يعلي من الصوت النشاز الذي سيرتفع من داخل الأحزاب الطائفية ذاتها التي تأسست على الإسلام وعلى الجهاد. ونحن نحمد الله أن الحزب الشيوعي ليس من الأحزاب الطائفية ولا التقليدية أو على أقل تقدير أنه ليس معدوداً منها. وإلا لكان صاحب حق أصيل في المشاركة في «لعبة الحكم» و«اقتسام الكعكة». بالمناسبة أنا لديّ قناعة راسخة بأن الحزب الشيوعي حزب تقليدي وطائفي ومن أكثر الأحزاب تطبيقاً والتزاماً بنظرية القائد الملهم وهو ميراث منذ عهود الرفيق لينين والرفيق ستالين (NO.1) الرجل الأول.. والحمد لله أن الإنقاذ ليست ملزمة بالأخذ برأيي في هذه المسألة.. تأتي بعد قضية الحكم قضية الاقتصاد والذي يمثل إلى حد ما أحد أكبر مهددات الأمن الاجتماعي إن لم يكن هو المهدد الأكبر.. إن الجماهير السودانية لو أعطيت الفرصة لإبداء الرأي حول الدستور القادم فهي قطعاً لن تختار سوى مسودة الجبهة الإسلامية للدستور ذلك لأنه حسم هذه القضية وشطب بجرة قلم أعظم مهددات الأمن الاجتماعي عندما قدم مبدأ حماية الملكية الخاصة وأبطل وصاية الدولة على أموال المكلفين وحرم مال المسلم إلا بحقه أو برضاه أو بطيب نفس منه.. إن قضية قدسية الملكية الخاصة إن صح التعبير وحرمة مال المسلم إلا بطيب نفس منه أمور لا يفهمها ولا يستوعبها بنو علمان ولا بنو طائف ولا بنو تقليد. «المال مال الله والناس مستخلفون فيه ولا يجبى المال إلا على وجهه الشرعي ولا ينفق إلا كذلك». لا أظن أن الفهم والإدراك من اختصاص العقل وحده بل أظن أن القلب والوجدان شريكان للعقل في إدارة الفهم والإدراك.. لذلك نجد الشريعة أكثر استيعاباً لاحتياجات الكائن البشري من غيرها من جميع النظم. والقضية الثالثة التي تنتظر التشكيل الوزاري الجديد هى قضية المرأة. والمرأة في السودان مظلومة.. والمرأة في العالم العربي مظلومة.. بل أشد ظلماً .. والمرأة في خارج نطاق العالم العربي وخارج نطاق السودان غارقة في الظلم حتى لم نعد نفرق بين المرأة والرجل.. والذين ظلموا المرأة هم الذين يدعون أنهم انصفوها والذين حولوها الى جارية هم الذين وضعوا على رأسها تاجاً وأعلنوها ملكة خارج مملكتها.. وإن الذين يدعون تكريمها وتعظيمها وصيانتها هم الذين جعلوها سلعة وجعلوها وسيلة إنتاج ومع كل ذلك هم لم يهتموا بمنعها من التبرج والتبرج هو إشارة خفية إلى دورها الحقيقي ومملكتها الحقيقي اشارة الى دورها النمطي.. لقد جعلت سيداو من مصطلح «الدور النمطي» إساءة للمرأة وإهانة لكرامتها.. إن التبرج خارج الدور النمطي يتحول الى وسيلة من وسائل التكسب وهو أمر أملته الشيوعية بالنصوص الواضحة المحكمة غير المتشابهة. وأما بنو طائف وبنو تقليد فإلا من رحم ربك!! والقضية الرابعة هى قضية التعليم أو التربية والتعليم .. إن قضية التربية والتعليم من أكثر قضايا الهوية والتوجه لذلك ينبغي ألا تعطى إلا لمن يحسنها ويتقنها.. والدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع». إنه ليعجبني ويطربني أن يستخرج لنا أحد بني علمان أو بني طائف أو بني تقليد دلالة هذا الحديث على فقه التربية والتعليم.. ولربما يتيسر لنا الحديث عنه في فرصة أخرى.. ختاماً نقول إن قضية الهوية وقضية الحكم وقضية الأمن الاجتماعي وقضية الأسرة وقضية التربية والتعليم والتي تعني مستقبل الأمة لا يمكن أن تحال إلى حكومة يتيسر ميلادها ويتعثر وتجمع أشتاتاً من الناس يختلفون في الصغيرة والكبيرة. فإن كان لابد من توسيع قاعدة الحكم أو اقتسام السلطة أو .. أو.. فلابد أن يكون ذلك على قاعدة حاكمة وضابطة وهو أن كل ما خالف الشريعة فهو باطل.. فإذا أقر هؤلاء الإخوة بهذه القاعدة ووثقوا هذا الإقرار وخلوا من كل شيوعي أو علماني أو قائد للعدالة التي تؤهله لشغل أي منصب قيادي أو دستوري.. فلا بأس إذن ولا مانع.