بعد التعليم الأكاديمي غير الديني بدأت التساؤلات عن مآلات هؤلاء الفتيات المتعلمات.. وبدأ التعليم العلماني يؤثر على سلوكهنَّ الاجتماعي فظهرت فكرة نادي الخريجات عام 1914 إلا أنه لم يتم. وكان التأثُّر بالحركة النسوية العالمية ظاهراً وبدأ التفكير النقابي للمرأة السودانية في الظهور.. وكان الغطاء المستخدَم هو الدعوة إلى التحرُّر الوطني.. ونشأت أول رابطة نسوية عام 1946 باسم الرابطة النسوية برعاية مباشرة من الحركة السودانية للتحرر الوطني «حستو» فهو الحزب الشيوعي فيما بعد.. والأحزاب الشيوعية في معظم بلدان العالم العربي نشأت بمجهودات اليهودي هنري كوريل ومن أهمها الحزب الشيوعي المصري والحزب الشيوعي السوداني، وتكوَّن الاتحاد النسائي عام «1952م» بقيادات كوادر نسوية ناشطة في مجال العمل النسوي من أمثال د. خالدة زاهر وحاجة كاشف بدري وهي حفيدة بابكر بدري وأيضاً فاطمة أحمد إبراهيم وهي أول كادر نسوي شيوعي سوداني ظهر في الساحة.. واستمر لمدة طويلة. وبدأت المطالب السياسية للمرأة منذ ذلك التاريخ تحت رعاية ماركسية علمانية وأهمها المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية. ولا يفوتني أن أقف هنا عند تأصيل الكاتبين لفكرة خروج المرأة للعمل في الشريعة الإسلامية قالا: بينما يقوم المنهج الإسلامي على أساس أن البيت وتربية الأولاد وتخريج الأجيال هو دور المرأة الرئيس في الحياة وأن خروجها للعمل مقيد بالضرورة سواء كانت هذه الضرورة شخصية أو أسرية أو ضرورة اجتماعية كحاجة المجتمع في بعض المجالات كالطب والتدريس. ويستمر الكتاب في تقديم سرد تاريخي وتحليل موفق لمسيرة الحركة النسوية في السودان مرورًا بالصحافة النسوية وكان من أولها «بنت الوادي» التي أسستها الآنسة نكوي سركسيان وهي سودانية من أصل أرمني قالت عنها حاجة كاشف بدري: إنها كانت مجلة نسائية تحررها أقلام رجالية ماعدا بعض المقالات والأخبار. ثم جاءت «صوت المرأة» عام 1955 برئاسة فاطمة أحمد إبراهيم ومن الكاتبات فيها محاسن عبد العال وعلوية الفاتح البدوي ونفيسة أحمد الأمين وأخريات. وصدرت «القافلة» التي أصدرتها حاجة كاشف بدري عام «1956» وأصدرت الأستاذة سعاد الفاتح البدوي مجلة المنار وكانت صوت ومنبر صاحبات التوجه الإسلامي آنذاك.. وظهرت إصدارات نسوية أخرى لكنها توقفت بعد مدة. إن التأمل العميق فيما كتبه الأستاذان وليد الطيب و،أحمد محمد إسماعيل يدل دلالة واضحة على أن الحركة النسوية السودانية المرتبطة بمفهوم الأنثوية المطلبية المتحررة من كل قيد ومن كل قيمة إنما خرجت من رحم العلمانية والشيوعية والكفر والإلحاد والفسوق والفجور. وبالرغم من أن كل الأحزاب التقليدية كان لها اهتمام ما بشأن المرأة وكان لها مكانة في تفكيرها وفي بعض الأحيان في صفوفها.. إلا أن الإغراء الذي كان يمثله الانفتاح والتحرر والتمرد على القِيم وعلى الضوابط وفق ما تدعو إليه التنظيمات اليسارية والكفرية كان أقوى وأخطر من أن يقاومه المجتمع تحت ظل الاستعمار الإنجليزي وغياب المنهج الإسلامي في التربية وفي التعليم وفي الحياة.. لذلك استمرت الحركة النسوية في تداع وانحدار وهبوط إلى أن ظهرت تنظيمات المجتمع المدني وهي المنظمات التي تدّعي أنها تعمل في مجالات محاربة العادات الضارة والرعاية الصحية ومكافحة الإيدز. ويذكر الكتاب أسماء بعض هذه التنظيمات مثل جمعية بابكر بدري العلمية للدراسات النسوية ومركز الجندر للبحوث والتدريب وجامعة الأحفاد للبنات.. ويشير إلى الاعتماد الكلي لهذه التنظيمات في تمويلها على المصادر الأجنبية ويوضح أن جامعة الأحفاد شريك أساسي لصندوق الأممالمتحدة للسكان. إن الحركة النسوية الآن تحولت إلى ذراع للمخططات الأممية التي تستهدف الهُوية والقيم والوجود الفعلي للمسلمين وشغلت نفسها بقضايا الختان والواقي الذكري ومحاربة الحجاب والنقاب.. ولم تعد تهتم بتعليم المرأة ولا تقويمها ولا شأن لها من قريب أو بعيد بالتعليم الديني أو التوجيه التربوي في السلواك أو في حماية الأسرة وتربية النشء.. كل ذلك كذلك.. إلى أن ظهرت اتفاقية سيداو والتي قابلها المجتمع السوداني بالرفض القاطع والحاسم لولا أن الإنقاذ بكل ما تحمله من رؤى إسلامية طعنت المجتمع المسلم في خاصرته وأصبحت ثغرة في جدار الأمن الثقافي والفكري والاجتماعي نفذت من خلالها سيداو إلى النسيج المتماسك الذي عُرف به المجتمع السوداني منذ عهود السلطنة الزرقاء والمهدية. لقد تسربت سيداو إلى مفاصل السلطة في السودان في عهد الإنقاذ وأصبح كثير من القيادات في الإنقاذ ركيزة من ركائز تيار الفمنزم Feminism أي التيار الأنثوي الذي يدعو إلى تمكين المرأة ولعلَّ الذي لم يقله الكتاب صراحة هو أن الذي حظي به تيار الأنثوية في عهد الإنقاذ لم يحظ به ولا بقليل منه في عهد الاستعمار.. إن خير ما ننصح به.. هو الغوص في أعماق هذا السفر الممتع العميق. السكر .. ومزالق الحكومات لقد أوشكت زيادة قرش في سعر رطل السكر في أواخر عهد مايو أن تطيح بالنظام كله في لحظات.. لقد كان لمايو عاصم يحميها من غضب الجماهير فإن مأثرة قوانين الشريعة تعد مفخرة لمايو وحجة ليس فقط في الدنيا ولكن حتى في الآخرة. ومع ذلك فإن مايو لم تعش طويلاً بعد تلك الأيام.. ونحن نقف اليوم فنرى أن حسنات مايو هي سيئات الإنقاذ.. فمايو جاءت بالشريعة.. والإنقاذ جمدت الشريعة ومايو تراجعت عن زيادة السكر في ذلك الوقت نسبة لخروج الجماهير إلى الشارع.. والإنقاذ زادت السكر زيادة كبيرة وفظيعة ومفاجئة. فزيادة 40 جنيهًا في سعر الجوال جاءت بدون إعلان.. وهناك زيادة في الزيادة.. وهناك أيضاً زيادة في زيادة الزيادة.. فالأربعون جنيهاً عليها 15% و5% وهناك في مكان آخر رسم آخر مركزي أو ولائي أو تحكمي أو تهكمي وهكذا.. والإنقاذ تأوي إلى شيء ما يعصمها من غضب الشارع وذلك أنها تدعي أنها نظام إسلامي كامل الدسم ولكن ما الذي تأوي إليه الإنقاذ ليعصمها من غضب الله!! ليت الإنقاذ تقرأ قصة ابن نوح في كتاب الله!! لعل الله يهديها!!