جاء على أديم الصحف السيارة وبعض أجهزة الإعلام السودانية خبراً مفاده للقارئ أن عشرات من قبيلة الرزيقات قُتلوا وأُبيدوا ظلماً وطغياناً وتجبراً وأن الوصول للفلوات والمراعي وبحر العرب في الصيف القادم سيحرم من الوصول إليها كل الرعاة من الرزيقات وبنو عمومتهم المسيرية وبنو هلبة والهبانية والتعايشة وغيرهم، فمن هم الرزيقات؟ للقارئ الكريم فإن الرزيقات هم من المجموعة الجهينية، فهم والمسيرية والحوازمة أولاد عطية قال عنهم الأستاذ موسى المبارك الحسن في كتابه القيم المرجع تاريخ دارفور وقال عنهم الأستاذ الفحل الفكي الطاهر في كتابه تاريخ وأصول العرب في السودان إن الرزيقات قبيلة ذات منعة وقوة، ولكثرة عدد رجالها يسميهم أعراب البقارة عيال رزيق هين التراب والهين هو ملء راحتي الكف من ذرات التراب، وذلك كناية عن كثرتهم، ثم قال الفحل إن قوة الرزيقات ظهرت في أنهم لما قاموا وهبّوا هبّة رجل واحد وناصروا المهدية دخلوا في حروب طاحنة ضد سلاطين باشا باسم المهدية فهزموه واضطروه إلى الخضوع والتسليم لها، وللرزيقات عادات العرب القدماء الأصيلة وخيولهم لا تكاد تُحصى في أيام حربهم لسلاطين باشا تلك، هذا ولما دعا الرئيس الراحل إبراهيم عبود أخاه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر واختار له من دون مناطق السودان ذات المليون ميل مربع منطقة الرزيقات وقد جهزوا الاحتفال بمصيفهم الجميل المسمى بسبدو على ضفاف أحد فروع بحر العرب وعند عرض الخيول وحسبوها يومها أكثر من خمسة وأربعين ألفاً من كرام الخيول المسومة وفاقت الجمال، وعليها من الفرسان أربعون ألفاً، وقيل يومها إن الرئيس جمال عبد الناصر قد تأثر تأثراً كبيراً حتى أدمعت عيناه، وقال قولة سمعتُها من الناظر إبراهيم موسى ناظر عموم الرزيقات عندما جمعتنا به الأيام ونحن أعضاء بمجلس الشعب القومي الرابع، قال لنا موجهاً كلامه للناظر الراحل المقيم بابو نمر ناظر عموم المسيرية يا بابو جمال عبد الناصر لما جاء مع الفريق إبراهيم عبود وجاء لمصيف سبدو والفيوض كلها منيلة وشاف الآلاف على ظهور الخيل والجمال والصقور والحرابة مستعدون للحرب ونحاس مادبو يضرب عند ذلك قال الرئيس المصري جمال عبد الناصر للفريق عبود وأنا قريب منهما ودموع عبد الناصر تجري يا أخي إبراهيم هنا في السودان عندكم بقيت عزة العرب والسودان عنده هذا المخزون سيكون مفخرتنا نحن في ديار العرب كلها، ومنطقة الرزيقات وديارهم هي أكثف بقاع السودان بالخيل وتربَّى لأغراض الفروسية، وإن الرزيقات لمنعتهم وقوتهم لم يطمع في ديارهم أحد ولم يطوعهم غازٍ وهم موصوفون بالكرم والنجدة والإقدام، وفي كتاب جغرافية وتاريخ السودان لنعوم شقير قوله إن أول من أوقد الثورة باسم المهدية بدارفور هو الشيخ مادبو زعيم الرزيقات حيث هاجر إلى المهدي وبايعه في قدير وحضر بالإمارة على قبائله ومعه رجال كثيرون ثم عُيِّن أميراً لدارفور باسم المهدية فجمع فرسانًا ورجالاً كثيرين من قبائل شتى وهاجم بهم حامية الأتراك المحصنة في شكا فدمرها تدميراً شاملاً وغنم العتاد والأسلحة ثم جمع الأتراك رجالهم تحت إمرة سلاطين باشا وجمع مادبو حوله مقاتلين ومجاهدين معظمهم على ظهور الخيول المسرجة فدارت معركة حامية سُمِّيت معركة أم وريقات وسماها الرزيقات وبقية الأعراب مادبو كرَّ والتركاي فرَّ، أي الترك فروا هروباً، حيث انتصر مادبو نصراً ساحقاً برجاله وغنم كثيراً من عتاد سلاطين الحربي وانسحب سلاطين، ولذلك فإن الهجوم والاعتداء على الرزيقات وإبادة بعض رجالهم كل ذلك يقودنا إلى مقولة تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الضاري، ومقولة النابغة الذبياني إن الضربات التي توجه إليك من الخلف ممكن أن تدفعك إلى الأمام بدلاً من أن تجعلك تجثو على ركبتيك ويسوقنا إلى القول إن الله أقوى من كل كيد ومن كل تدبير وجزى الله الشدائد كل خير فقد عرفت بها عدوي من صديقي فهؤلاء هم الرزيقات وهذا هو تاريخهم وعطاؤهم فليسعَ الجميع لإنقاذهم والمسيرية وغيرهم سيرحل الجميع لبحر العرب بمواشيهم، وقد أوشك ذلك المسار، والرزيقات ومن معهم مع قناعة أن الله يعطي للمظلوم قوة جبارة تسحق الجبابرة وتهزم المستبدين وتقضي على الطغاة والظالمين ومن يحفر قبراً لمظلوم لن يستطيع دفنه فيه وهؤلاء الجناة ينطبق عليهم القول استنسرت البغاث واستأسدت الذئاب فلتحيا الرزيقات.