السودان كل أجزائه لنا وطن. مصير تلك الأجزاء واحد في التنمية أو التخلف. على سبيل المثال في القرن العشرين نتج عن موت (سواكن) موت (بربر). كان بين المدينتين رباط تجاري. وحتى مودة وقربى بين سكانهما. المسافة بينهما (247) ميلاً. ثم اضمحلّت سواكن وبربر لتُصبحا مدنًا من الدرجة الثالثة. بينما كانتا معاً مراكز مديريات ومدنًا تجارية من الدرجة الأولى. حدث ذلك عندما همَّشتهما الإدارة البريطانية، كما همَّشت حلفا ودنقلا. حيث نقلت المديرية وأغلقت المدارس ثم أكملت تحويل سواكن إلى قرية عندما ألغت عام (1954م) شريط السكة حديد الذي يربطها ببورتسودان، وتفادت إنشاء خط سكة حديد سواكن بربر. حكمت بريطانيا على سواكن بالموت بالتقسيط، لتموت معها في تزامن توأمها بربر لكن نظراً لأن مصير و لاية البحر الأحمر وولاية نهر النيل متكامل متداخل، عندما تطورت بورتسودان من قرية صغيرة اسمها (شيخ برغوث) إلى مدينة حديثة، ازدهرت معها مدينة (أتبرا) (لا يزال ينطقونها عطبرة على طريقة النطق المصري). التفكير التجزيئي، الذي فكك الوطنية السودانية عشوائياً إلى (26) ولاية قبل انفصال الجنوب باسم الفيدرالية، ثم أصبحت (81) ولاية بعد الإنفصال، جعل ولاية البحر الأحمر تفكر بمعزل عن ارتباطها المصيري بولاية نهر النيل، فصارت ضحية ذلك التفكير الإنفصالي الذي ران عليها، وجعلها تفكر كأن لا نصيب لها في مياه النيل أو المشروعات التي أُقيمت على مياه النيل ونهر عطبرة، مثل سدّ مروي وتعلية خزان الرصيرص وسدَّي أعالي نهر عطبرة وستيت. يشار إلى أنَّ سدّ مروي جانب إنتاج الكهرباء، يوفِّر مياه الرَّي لاثنين مليون فدان مربع. ما دور سدّ مروي في التنمية الزراعية في شرق السودان وفي شمال السودان؟. لا شيء. هل يُعقل أن تخطِّط وتعمل إسرائيل ليكون لها حق وقسمة معلومة في مياه النيل، بينما تتواضع ولاية شمال كردفان وولاية البحر الأحمر اللتان تفصلهما مسافة مئات قليلة من الكيلومترات عن نهر النيل. لقد ربطت عام (1869م) قناة مائية (قناة السويس) بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بينما مؤخرًا جداً في القرن الواحد والعشرين التفت السودان إلى تشييد قناة مائية تربط بين شمال السودان وشرق السودان. وذلك هو الأنبوب الناقل لمياه النيل من عطبرة إلى بورتسودان. هل سيلتفت السودان كذلك إلى تشييد قناة مائية تربط بين شمال السودان وغرب السودان الأوسط (كردفان). في ذلك السياق هل ستربط قناة بين نهر عطبرة ونهر القاش. هل يمكن تحويل مجرى نهر عطبرة ليصب في البحر الأحمر، بدلاً من أن يصب في النيل. سهول نهر عطبرة، كانت مصدراً للأرزاق قبل (141) عاماً عندما كان يزرع القطن على سهول ضفتي نهر عطبرة، وكان إنشاء محلج (قوز رجب) عام 1872م. ثم كان أن طُويت صفحة التنمية في تلك المناطق وإلى اليوم. التنمية المتكاملة بين ولايات النيل وولايات شرق السودان وغرب السودان، الأوسط، (كردفان) ضرورة إستراتيجية لإنجاز فكرة (الدمج) و(المواطنة) و(التوحيد الوطني) بين أجزاء السودان شمالاً وشرقًا وغربًا، وإنشاء نسيج اجتماعي وطني واحد، يتمتع بمصلحة مشتركة واحدة. التنمية المشتركة بين شرق السودان وشمال السودان تربط مفاصل الوحدة الوطنية. يجب أن ترتبط التنمية في شمال السودان بالتنمية في شرق السودان بالتنمية في غرب السودان، حتى تلعب مشروعات التنمية دور الآلية في (الدمج) و(المواطنة) بين السودانيين وحتى يتم توحيدهم في نسيج اجتماعي وطني واحد. غياب فكرة (الدمج) و(المواطنة) عن السياسات التنموية، ستجعل الوضع الحالي يتواصل بصورة أبدية، حيث يظل البشر السودانيون جزراً معزولة عن بعضها تائهة عن بعضها، متفككة في عالم انفصالي، تجوس في نفق مظلم من الفقر والحيازات الزراعية الضئيلة في مشروعات الإعاشة وتتقلب في جحيم حياة الرُّحل البدوية الصحراوية أو الحياة الجبلية القاحلة. تنفيذ فكرة (الدمج) و(المواطنة) عبر آلية مشروعات التنمية المشتركة، يؤسِّس لانطلاق كل السودانيين شرقاً وشمالاً وغرباً إلى الثراء والتصدير والنهضة الوطنية، ذلك ما يصنع نسيجًا اجتماعيًا وطنيًا واحدًا. لكن ذلك لن يتمّ بغير مشروعات تنمية تلعب دور الآلية في تنفيذ فكرة (الدمج) و(المواطنة). تلك هي الفريضة الغائبة في مشروعات التنمية السودانية. في ذلك الإطار يجب إزاحة السياسيين القبليين والجهويين، على كل المستويات، من المشهد السياسي الوطني، وحظر نشاطهم السياسي. نظراً لما يمثله ذلك النشاط من خطر على وحدة السودان وتقدُّمه. في ذلك الإطار يجب عدم مكافأة السياسيين القبليين والجهويين، خاصة المتمردين، بمناصب قيادية وطنية رفيعة هم غير مؤهلين لها، بحكم تكوينهم القبلي وتركيبتهم الجهوية. تلك مناصب لا تليق بهم ولا يليقون بها. مجرَّد جلوسهم على تلك المناصب، يمثل خطراً أكيدًا على وحدة السودان ونهضته. تلك العقلية التي تكافئ المجرمين بالمناصب الدستورية، منحت السودان اليوم حكومة عريضة (المنكبين)، فارغة المحتوى، لا تقدِّم ولا تؤخر!. وغير بعيد أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الحكومة العريضة أكثر عرضًا، وهي تستقبل أعداء الشريعة من طوابير (الفجر الكاذب)، وهي تقول لهم مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى!.