ما هى الفريضة الغائبة في مشروعات التنمية السودانية؟ تقسيم السودان إلى (18) ولاية، تسع منها في الغرب، منح ما تبقى من ولايات إلى الشمال والشرق، أي تسع ولايات. ثم ضرب الولايات الثماني عشرة (ڤيروس) تقسيم جديد، حيث دخلت الولايات في منظومة (متواليات) لا نهائية من المحليّات أو المعتمديات. بحيث أصبحت جمهورية السودان مجموعة مناطق ومجموعات سكانية تشتعل فيها القبليات والجهويات، وتفتقد فكرة (الدمج) و(المواطنة)، خاصة في غياب السياسات التنموية التي تضع فكرة (التوحيد الوطني) فكرةً مركزية. سياسة التنمية في السودان تفتقد إلى الوعي بفكرة(الدمج) و(المواطنة). لذلك صارت مجموعة المناطق والمجموعات السكانية السودانية، بصورة متصاعدة تتزايد عزلتها عن بعضها أكثر من ذي قبل. وأصبح السودانيون يعرفون مدناً عربية وغربية وأجنبية أكثر بكثير من معرفتهم مدن ومناطق وقرى وطنهم السودان. أصبح السوداني يعرف (الأجنبي البعيد) من المدن والسياسة والثقافة، أكثر من معرفته (ود أمّه القريب) منها. ذلك في حين انتشرت على خريطة السودان الجهويات والقبليات بصورة سرطانية. وما تزال انقساماتها تتوالى (وتُنجِز) من حين إلى آخر انقساماً جديداً، يظهر في صورة ولايات جديدة ومحليات جديدة. يجب أن تضع السياسات التنموية فكرة (الدمج) و(المواطنة) باعتبارها نقطة الدائرة في مشروع (التوحيد الوطني). يجب أن تلعب مشروعات التنمية الإستراتيجية دور الآلية الأمّ في (دمج) السودانيين ببعضهم البعض، و(تنمية) انتمائهم الوطني المشترك. على سبيل المثال، لعب مشروع الجزيرة والمناقل بنجاح دور الآلية الأمّ في دمج عشرات القبائل الرعوية وغير الرعوية ليصنع نسيجًا اجتماعيًا وطنيًا واحدًا. على سبيل المثال أيضاً، لا يوجد مشروع تنموي في السودان حتى اليوم يربط بين ولايتي البحر الأحمر و نهر النيل، باستثناء أنبوب ناقل لمياه النيل تحت الإنشاء. إسرائيل فكَّرت في الإفادة من مياه النيل، قبل أن يفكر السودانيون في إفادة شرق السودان من مياه النيل، بينما لا تفصل ذلك الشرق عن النيل إلا مئات قليلة من الكيلو مترات. إذ لم تنتبه المشروعات التنموية إلى التداخل الوثيق بين مصير ولايتي البحر الأحمر ونهر النيل، وأن مشروعات تنمية وثيقة متكاملة بين الولايتين ستحدث انقلاباً إيجابياً لصالح مواطني الولايتين. لذلك لم يحدث حتى اليوم أن تمَّ (دمج) بين سكان ضفاف النيل في ولاية نهر النيل وسكان تلال البحر الأحمر. حتى اليوم لم يتم إنجاز مشروع تنموي يلعب دور الآلية في صنع نسيج اجتماعي وطني واحد بين السودانى (الشرقي) والسوداني (الشمالي). كما لم يتمّ حتى اليوم إنجاز مشروع تنموي يلعب ذلك الدور بين السوداني (الشمالي) والسوداني (الغربي). يجب إقامة مشروعات تنموية تلعب دور الآلية الأمّ في تنفيذ فكرة (الدمج) و(المواطنة) بين شرق السودان وشمال السودان وغرب السودان. تلك هي أسس مشروع (التوحيد الوطني). حيث تصبح المشروعات التنموية آلية دمج (المناطق السودانية) ببعضها غرباً وشمالاً وشرقاً. تلك هي خارطة طريق لصنع وطن سوداني واحد (مندمج) يحمل (بصمة) مواطنة واحدة. تسلسل ذلك المسار في (التوحيد الوطني) سينتج عنه مستقبلاً في نهاية المطاف، أن يصبح (الشمال) و(الشرق) و(الغرب) و(الجنوب) مجرّد اتجاهات جغرافية لا غير!. يجب ألاّ تغيب فكرة (الدّمج) و (المواطَنَة) أكثر مما غابت عن مشروعات التنمية السودانية. سدّ مروي الذي يروي (2) مليون فدان. وتعلية خزان الروصيرص التي تروي (5،3) مليون فدان، وإنشاء (قناة الدندر) التي توفر الرّي المستدام ل (004) ألف فدان، بحاجة إلى مشروعات تنموية تضع فكرة (التوحيد الوطني) فكرةً مركزية.