حقاً.. إذا تفرقت الغنم قادتها الماعز الجرباء.. ولعل هذا بعض ما يفسر كيف تدلت وتدلدلت مواقف أحزاب الأمة والاتحادي كمقاود النعم يمسك بها فاروق أبوعيسى ويقودها كما شاء وشاء له الهوى.. ولعله يفسر كيف تفرقت الغنم وضاعت من تحت أقدامها الخطى وأضاعت معالم الطريق.. ويفسر كيف تفرقت أحزاب الأمة والاتحادي، وافترقت وتمددت في مساحاتٍ شاسعة من القصر الجمهوري في قلب الحكومة، حتى انتهت عند وثيقة الفجر الجديد في قلب كمبالا، مروراً بمحطة الإجماع الوطني والتحالف مع الجبهة الثورية، وشطب نصر الدين المهدي والتوم هجو من الكشف «المحلي» إلى الكشف «الإفريقي»، والصمت المبجل عن مريم الأخرى، والتصفيق المؤجل لمن دخل القصر كما دخلت الخيل الأزهر.. حالة متأخرة من الاضطراب الفكري وتذبذب المواقف وتضعضع الوجدان والتنازع بين هوى مطاع وشحٍّ متبع تجتاح الأحزاب ذات المواقف البين بين.. وكان من ذم النفاق وتضعضع المواقف ما أُثِر من دعاءٍ جاء فيه «رحم الله قريشاً إيمانٌ بواح أو كفرٌ صراح» ما يفيد أن في الثبات على المواقف ما يدعو للدعاء بالرحمة للثابتين من الذين ما بدلوا تبديلاً.. ولعل من فقدان الهوية والهوى المتّبع والشح المطاع عند أحزابٍ كانت كبيرة أن تتذبذب مواقفها من كبيرة إلى كبيرة حتى تدخل القصر الجمهوري ثم تعود وتدخل في وثيقة كمبالا.. ولا تقل درجة الخطأ في السلوك المعارض عن درجة الخطأ في التعاطي الحكومي مع المعارضة. فعندما بادر «عقلاء» حكوميون وفاقيون بإشراك بعض «القوى الوطنية» في السلطة وأدخلوها القصر الجمهوري ذروة سنام الأمر.. ردت بعض «القوى الوطنية» على المبادرة بأحسن منها وبأعلانٍ موثق عن سعيها الجاد الحثيث لتسوية النزاع المسلح في شمال كردفان والنيل الأبيض! حتى ألجمت الدهشة الناس في شمال كردفان الوادعة والنيل الأبيض البريئة من النزاع المسلح.. وحتى ظن التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق بالقصر الجمهوري الظنون! وحتى ألجمت الدهشة «العقلاء الحكوميين» فلاذوا بالصبر الجميل والصمت النبيل والضحك سراً في بيت البكاء وفي بعض ردهات القصر الجمهوري.. ولم يكن المكتب إياه في القصر الجمهوري في حاجة لإصدار بيان توضيحي لما التبس على القصر من الأمر ولا ما التبس على الناس من القصر، إذ لم تكن هناك من حاجة لتكبد مشاق التمييز بين ما إن كان الوالي الخارج على الدولة قد خرج من النيل الأزرق أم الأبيض، فكلها من الألوان المميزة لفريق الهلال لكرة القدم.. ثم ومن داخل القصر أقبلت ذات «القوى» الوطنية على كمبالا بإعلان الفجر الجديد والتطلع إلى دخول القصر الجمهوري دخول الفاتحين بعد أن دخلته على صهوة السيارات الفارهة. وبعض من هوى النفس الأمارة.. وبعض أحلامٍ قديمة.. وبعض ما تبقى من سهر الشوق في العيون الجميلة.. وبعوضاتٌ أخرى كانت تطن في أذن المعارضة وتدفعها لترغب عن دخول القصر الجمهوري على السيارات الفارهة وترغب في دخوله على أسنة الرماح ! حتى إذا طارت السكرة وجاءت الفكرة والتقت الحكومة من عادوا من كمبالا بغير الوجه الذي التقت به من اعتادوا دخول القصر الجمهوري تبرأ الذين «وَقَعوا» من الذين «وقَّعوا» ولاذ الواقعون من الموقعين ب «إني أرى ما لا ترون» إني أخاف بأس الخروج وبؤس المصير وسوء المنقلب في المال والأهل والولد. ما وقّعت عليه معارضة الشتات في كمبالا هو وثيقة تنص على إسقاط الحكومة بقوة السلاح... ومنطق المعاملة بالمثل يحتم على الحكومة إسقاط المعارضة بذات قوة السلاح التي هي أحسن.. أما إذا اقتضت الحكمة والموعظة الحسنة عند بعض «العقلاء» الحكوميين غير المعاملة بالمثل التي هي أحسن فعلينا أن نستعد لنيفاشا جديدة.. علينا أن نستعد لحكومة من أعضائها داخل مجلس الوزراء مَن تداعب أنامله حقيبة الوزارة إذاطلع النهار، وإذا جُن عليه الليل داعبت أنامله زناد البندقية.. علينا أن نستعد لمرحلة يستوي عندها إسقاط الحكومة بالحوار والنقاش أو بالرشاش والكلاش.. عندها تتولى الماعز الجرباء زمام القيادة..