/ لندن [email protected] للكابتن ممدوح فرج مقدم برنامج الضربة القاضية بقناة النيل الرياضية المصرية عبارتان يتخيرهما إن عجز من إيجاد وصف مناسب لمصارع قوي وهما «هذا المصارع مافيش معاه هظار» والأخرى «هذا المصارع ما لهوش حل» أي غير الفوز، ونحسب أن الفريق مالك عقار رجل النيل الأرزق مصارع قوي وذكي في الساحة السياسية، يعرف كيف يوظف ثقله السياسي داخل الحركة وكاريزميته الطاغية وسط أهله، ولا يمكن لشخصيات نكرة أن تنتزع منه نصراً حتى أن تواطأ معه الحكم ومدير الحلبة نفسه. من خلال إندغامه الفاعل في صفوف الحركة الشعبية عام 1985 استطاع تحديد أبعاد قضية إنسان النيل الأزرق بوضوح ووضع أُطر لحلولها، وفي فترة وجيزة من توليه مقاليد الأمور في ولايته نجح في إعادة الإعتبار لها ولفت نظر الساحة السياسية لأهميتها بتعزيز الموروث الثقافي الثر الخاص بإنسان المنطقة وتوطيد صلتها بدول الجوار، وبذلك تمكن من جعل ولاية النيل الأزرق ولاية جاذبة للمستثمر والكادر الوظيفي ، ومن الملاحظ أنه يتصرف تصرف الملك الحريص على كسب قلوب مواطنيه. بيد أن اندثار حلم السودان الجديد وتلاشي النزعة الوحدوية لقيادات الحركة الشعبية بلا شك قد أربك حسابات الرجل ، الأمر الذي قد يضطره إلى إعادة ترتيب خياراته وليس مستبعدا أن يفك الارتباط بين ولايته والحركة الشعبية حاكمة دولة جنوب السودان المرتقبة في القريب العاجل. خطورة الفريق عقار تكمن في ثوريته المتجددة وارتباط قضية إنسان النيل الأرزق بتلابيب شخصه واستناده على أثر تاريخي أصيل تحفل به منطقته (سلطة الفونج ). ولعل هذه الخلفية التاريخية وراء شموخ الرجل ورأسه المرفوع على الدوام. لكل ما سبق يعتبر الهظار مع الفريق عقار في ساحة جدية كحلبة الانتخابات أمراً بالغ الخطورة على الخصم والمشهد السياسي بأسره، وليس عقار من تُسرق أحلامه بخفة يد أو شراء ذمم ، فالذين يحرسون أصوات ناخبيهم داخل مراكز الاقتراع وخارجها بجيش عرمرم لا تصلح معهم لعبة الصناديق الطائرة والمراكز الخفية. لا يشك أحد في أن المؤتمر الوطني قد شرع في إرسال الصناديق الطائرة إلى النيل الأزرق ، وإلا لماذا حشدت السلطات قوات أمنية على حدود الولاية؟ ومن يصدق أنها أرسلت لردع مؤيديها إن ثاروا ضد عقار حال نيله ثقة أهله الذين أعاد لهم الإعتبار بعد طول تهميش ؟ كيف يفسر تسريب بعض التنفيذيين معلومات تفيد فوز مرشح الوطني بمنصب الوالي كجس للنبض؟ وعلى اي أساس تمت إعادة فرز الأصوات دون إعلان نتيجة الفرز الأول على أعقاب زيارة السيد علي عثمان لجوبا، كل هذه القرائن تشير إلى أن الشروع الفعلي في التزوير قد حصل وحصل التراجع عنه بسحب الصناديق الطائرة عندما تيقن قادة المؤتمر الوطني أن الفريق عقار ليس معزولاً عن قيادات قطاع الشمال بالحركة الشعبية كما توهمت وإن اختلف معهم في موقف المشاركة في الانتخابات من عدمه، وأن زيارة الفريق سلفا المفاجئة لأديس أبابا ليس لها تفسير سوى توطئة للحرب إن تلاعبت مفوضية المؤتمر الوطني بنتيجة الانتخابات في النيل الأزرق ، حينئذ استدرك صانعو القرار أن ولاية النيل الأزرق ليست وزارة الطاقة وإن الفريق سلفا قد يفعلها هذه المرة حتى دون مقدمات. في الغالب، البسطاء من بالناس يميلون إلى من بيده السلطة والمال ، ومن الصعوبة إقناع الناس بالتصويت ضد الحاكم الفعلي لحظة الإقتراع ، ومن هنا تكمن ضرورة إجراء الإنتخابات في ظل حكومة قومية إنتقالية إن كانت هنالك نية صادقة في نزاهتها وشفافيتها، وما كان للفريق مالك عقار أن يفوز بمنصب الوالي بسهولة إن لم يكن والياً لحظة الإقتراع ، لأن الناس على دين ملوكهم ، والناخب السوداني يوصف دائماً بقصر الذاكرة، ومن حسن طالعه كانت فرصته الأخيرة في تداول السلطة خلال الفترة الإنتقالية، الأمر الذي أتاح له فرصة تفادي سلبيات سلفه، والعمل على إنعاش ذاكرة الناخب أثناء الإنتخابات، ولكن السؤال كيف فاز عقار بمنصب الوالي بينما سقط مرشحو الحركة في الدوائر النيابية الولائية؟ من الجائز أن يكون التزوير قد طال صناديق البرلمان الولائي والإتحادي ، خاصة ليس هنالك ما يفيد إعادة فرز محتويات هذه الصناديق أيضاً. وإذا افترضنا أن الإنتخابات تمت إعادة نزاهتها على كافة المستويات تحت تهديد السلاح فليس مستبعداً تضرر مرشحي الحركة من تضعضع النزعة الوحدوية لقادتهم ، لأن إنسان النيل الأزرق رغم تهميشه من قبل المركز ليس هنالك أدنى شك في امتعاضه من الانفصال ، حتى الفريق عقار عندما لوح بخيار الانضمام إلى أثيوبيا ظل كلامه مفهوماً في إطار تثبيت مقام الولاية والتنبيه إلى خطورة محاولة الهظار من قائدها الفذ وتعمد الاستمرار في تهميش المنطقة. ومن نافلة القول الإشارة إلى أن ولاية النيل الأزرق تمتعت بحكم شبه ذاتي منذ بدء تنفيذ اتفاق نيفاشا عام 2005 إلا أنها لم تحظ بالثروة التي تمكنها من نسيان لسعة التهميش، وأية محاولة لإعادة سيطرتها من قبل المركز بعد إنفصال الجنوب سيعيد الوضع إلى المربع الأول قبل انضمام عقار للحركة الشعبية عام 1985م ويفجر الوضع من جديد ، ولأن قضية التهميش بالمنطقة ارتبطت بشخصه الثائر فمن المؤكد أن سلامته الشخصية ما بعد الإنفصال سيكون في خطر عظيم ، سيما وأن المؤتمر الوطني لن يدخر جهداً في محاولة استمالة النواب ترغيباً وترهيباً من أجل تزوير إرادة أهل المنطقة لحظة إجراء المشورة الشعبية وليس مستبعداً إعادة إنتاج سيناريو جنجويد دارفور بالضغط على الوتر القبلي، وهذا الأمر آخر ما يحتاجة السودان في المرحلة المقبله، لذا يعتبر تكرار محاولة إبعاد الفريق مالك عقار أو التخطيط لسحب البساط من تحت قدميه يعتبر عملاً مجنوناً ومجازفة بالغة الخطورة يجب على كل عاقل الاحتراس منه والتفكير ألف مرة في عواقبه، فالرجل محبوب وسط أهله ومخلص لهم وملهم لتطلعات أهل الهامش خلفا لقائده الراحل جون قرنق. نزجي هذه الكلمات لعلمنا أن هنالك كميناً آخر منصوب للرجل داخل أروقة المشورة الشعبية وما أدراك ما المشورة الشعبية، فقد تم تعريفها في اتفاقية نيفاشا بإجراءين الأول تكوين لجنة التقرير والتقويم لنيفاشا من المجالس التشريعية في جبال النوبة والنيل الأزرق بحيث تقوم المجالس برفع تقارير عن تطلعات الناس بكل منطقة كما ورد في الفقرة 17 من الإتفاقية: «أ. في حالة اعتماد المجلس التشريعي الولائي اتفاقية السلام الشامل باعتبارها تلبي تطلعات شعب الولاية تعتبر الاتفاقية تسوية نهائية للنزاع السياسي في الولاية المعنية وتحيل حكومة الولاية الأمر إلى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بهذا الشأن.» وهنا مكمن ضعف الإتفاقية ومكان زرع الألغام بالمنطقة ، وحسب رأي المختصين تعتبر المشورة الشعبية إجراء روتينياً يمكن النخب من تقرير مصير المنطقتين. ولكن ما هي خيارات الفريق عقار إن صادق نواب المجلس التشريعي للولاية الذين جلهم من المؤتمر الوطني على صحة وإتمام تطبيق نصوص إتفاق نيفاشا الخاصة بالمنطقة واعتزموا رفع تقرير لرئاسة الجمهورية مطالبين بإنهاء التسوية السياسية وطي ملف القضية، هل ينتصر لذاته ويركب قطار المؤتمر الوطني حفاظاً على وضعه القيادي أم يركب الصعب بإعادة إنتاج المطالبة بالحكم الذاتي الذي يتيح له مساحة واسعة للتواصل مع حكومة جنوب السودان؟ الدروس المستخلصة من الهظار الإنتخابي مع قائد النيل الأزرق أن الذين لا يملكون جيوشاً وليست لديهم صوارم يجلونها عند اللزوم ، لن يفوزوا بمقاعد إنتخابية حتى داخل منازلهم ، والخيار الأمثل في ظل ممانعة النظام من تشكيل حكومة قومية إنتقالية تشرف على العملية الإنتخابية من الألف إلى الياء هو توفير سيوف تحمي المراكز الإنتخابية من الصناديق الطائرة ، كيف ذلك؟ السؤال موجه للسيد مبارك الفاضل والأستاذ فاروق أبوعيسى . هذا الدرس يجب أن تفهمه أحزاب المعارضة وحركات دارفور الثورية ، ذلك أن المثالية لا يفهمها قادة المؤتمر الوطني والضغط العسكري هو الضامن الوحيد لتوفير الشفافية والنزاهة الإنتخابية المفضية للتحول الديمقراطي ، أما قادة المؤتمر الوطني إن قدروا بعد فصل جنوبنا الحبيب أن النيل الأرق وجبال النوبة في عداد الغنم القاصية كليهما حلال على الذئاب الضارية عليهم إعادة النظر في هكذا تقدير، ويكفيهم إجراما في دارفور أرض الحفظة والتوحيد ، ليتهم جميعاً يفهمون.