جاء في (كتاب الطبقات) تأليف (ود ضيف الله) وتحقيق الدكتور يوسف فضل، أن (النور بن الشيخ موسى أبو قُصَّة) بسبب خصام بينه وبين عمه الشيخ محمد ولد مرزوق (قنجر) إلى التاكا، أي (كسلا). حسب شرح د. يوسف فضل تعني كلمة (قنجر) رحل عن غضب، وهو السفر الذي لا يعود منه المرء. تعني (قنجر) هرب وشرد. أيضاً تطلق (قنجر) على الشخص الذي يخرج من بلده طالباً للعمل والرزق. الشخص المقنجر يُسمَّى (القنجاري) وجمعها (القنجارة). في كتاب (الطبقات) أيضاً نجد حكاية الشيخ إسماعيل صاحب الربابة بن الشيخ مكي الدقلاشي، الذي كان حافظاً للقرآن ودارساً للفقه والتوحيد، وكان عازفاً ماهراً على الربابة التي كانت تضرب نغمته قبل أن يلمسها!. كان صاحب الربابة يُدرِّس التوحيد والفقه والقرآن، وله أشعار في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وله كذلك أشعار يتغزل فيها بمدح النساء مثل (تَهجَة) و(هَيْبَة). يقول صاحب (الطبقات) ذات مرة تغزَّل (الشيخ) إسماعيل صاحب الربابة في (هَيْبَة). حيث وصفها وصفًا حسيَّاً، ووصف رقصها الخفيف المتواصل. (تعجبك في الرقيص حين ما تهردوا... إلخ..). الرقص (المهرود) هو الرقص الخفيف المتواصل. ولما كانت (هَيْبَة) متزوجة، فإن زوجها خاف عليها من (الشيخ) و(قنجر) بها إلى بلاد بعيدة، أي سافر بلا عودة. (القنجرة) عريقة في السودان، (قنجرة) العلماء والشيوخ و(قنجرة) الأزواج و(قنجرة) الباحثين عن الرزق الحلال مغتربين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. ثم منذ نهاية الخمسينات دخل السياسيون السودانيون على خط (القنجرة) فقنجر الفريق جوزيف لاقو إلى إسرائيل. ولحقه في القنجرة إلى العاصمة الإسرائيلية جون قرنق وبونا ملوال وعبد الواحد محمد نور، وغيرهم. و(قنجر) في نهاية الستينات الشريف حسين الهندي إلى إثيوبيا وليبيا والعراق وبريطانيا واليونان حيث وافاه رحمه الله الأجل المحتوم في العاصمة اليونانية (أثينا) عام 1982م، وعاد في (تابوت) ليوارى الثرى في مقابر (بُرِّي). و(قنجر) الدكتور علي الحاج إلى ألمانيا (74 عاماً)، و(قنجر) (الأخ المسلم) السابق علي محمود حسنين (83 عاماً) إلى لندن لإعلان (جبهة معارضة عريضة). القنجرة أنواع، منها قنجرة العلماء وقنجرة السياسيين وقنجرة الأدباء والباحثين عن الثراء والرزق الحلال. حيث (قنجر) آدم يعقوب إلى ليبيا ليصير رجل أعمال بارز. وقنجر المهندس محمد إبراهيم (مو) إلى لندن ليصبح رجل أعمال دولي، وأنشأ مركز الخرطوم للعناية بالثدي. وقنجر السيد الصادق المهدي (77 عاماً)، إلى لندن وواشنطن، ثمَّ قنجر عبر (البطانة) إلى أسمرا. أما (القنجار الأكبر) الذي بلغ (79 عاماً) فقد ظل لما يزيد عن عشرين عاماً يقنجر إلى شتى البلدان!. وقنجر الطالب القيادي في (حركة التحرير الإسلامي) بجامعة الخرطوم الطيب صالح إلى لندن، وصنع مجداً رائعاً وكتب (موسم الهجرة إلى الشمال) وأخواتها وترجمت رواياته إلى ثلاثين لغة، ثمَّ عاد في (تابوت) ليوارى في مقابر البكري بأم درمان. وقنجر السيد عبد الواحد محمد نور إلى باريس ولم يعد حتى الآن، بينما سبقه السيد/ أحمد دريج حاكم دارفور الذي تركها خلال المجاعة في الثمانينات. حيث قنجر (دريج) إلى لندن ليعيش في(سويس كوتيدچ) أو (الكوخ السويسري)، وقنجر القيادي الشيوعي البرجوازي الدكتور عز الدين علي عامر إلى لندن ليسكن في منطقة (سنت جونز وود) برفقة زوجته الأمريكية، وهي المنطقة التي يسكنها رئيس الوزراء جون ميجور، وتوفي د. عز الدين في عيادته وعاد في (تابوت) ليوارى الثرى في مقابر فاروق بالخرطوم. أما أكثر القنجرات لغزاً فهي قنجرة الدكتور جون قرنق إلى أوغندا، وقد كانت قنجرته الأخيرة، حيث التقى في اجتماع غامض بسفراء الدول الغربية، ثمَّ أعقب ذلك أن لقي مصرعه في حادث تحطم طائرة في يوليو 2005م. اليوم نجد قنجرة طوابير (الفجر الكاذب)، وهم يعيدون إنتاج (قنجرة) قرنق إلى أوغندا. حيث (قنجروا) إلى كمبالا، واصطفوا في قصر (موسفيني) يرفعون السلاح ضدّ شريعة الرحمن وشعب السودان.