بقلم: نقيب «م» علي الفضل الخليفة عبد الله تجسدت المواقف العسكرية لقواتنا المسلحة الباسلة إبان الثورة المهدية في كل مجالات حروب الميدان ومواجهات العدو حيث كان من أبرز تعاليمها الشجاعة والضبط والربط العالي والروح المعنوية العالية في نفوس المجاهدين من أبناء الوطن العريق حيث توحدت الصفوف وجمعت الكلمة دفاعاً عن العقيدة والوطن. معركة أبو طليح تجلت فيها أروع الانتصارات وأجل التضحيات فعندما تحرك الإمام المهدي بقواته من كردفان بعد فتح الأبيض ومعركة شيكان نحو الخرطوم لحصارها وفتحها عين الأمير عبد الرحمن النجومي لكي يتحرك بقواته كمقدمة لضرب الحصار على المدينة. نما إلى علم قواتنا أن هنالك حملة عسكرية كبيرة بقيادة الجنرال هيوبرت ستيورات بدأت تحركها من الشمال نحو الخرطوم لإنقاذ الجنرال غردون الذي كان محاصراً فيها فقام الإمام المهدي بتعيين حملة عسكرية من المجاهدين بقيادة الأمير موسى ود حلو شقيق الخليفة علي ود حلو الذي كان يبلغ من العمر وقتذاك «30» عاماً عندما واجه حملة العدو التي تُعتبر أقوى مجموعة عسكرية بريطانية في تاريخها العسكري حيث اخترق الأمير موسى ود حلو مربعها الأول وحقق النصر الحاسم ثم نال الشهادة. تحرك موكب التضحيات وعلى رأسه الإمام المهدي إلى شمال أم درمان حيث ودع الأمير موسى ود حلو وقواته في مسيرة عالية كلها عزيمة وتصميم على أداء الواجب المقدس فالأمير موسى ود حلو كان يدرك تماماً أن المعركة التي سيقودها هي معركة من أجل الحق ومهما كانت ضراوتها سيصبر عليها مع قواته المجاهدة وسوف يتحملون في شجاعة وغبطة مسؤولية المصير مهما كانت تبعاته لأن القضية في ضميره هي قضية رفع راية التوحيد عالية خفاقة. وعد الأمير أن يدخلها داخل مربع القوات الإنجليزية بنفسه دفاعاً عن تراب (عزة) ورفع راية التوحيد لذا نجد أن قواتنا المسلحة الباسلة لبّت النداء حيث خاض جنودها المجاهدون المعارك بالدماء لأنهم أولاً وأخيراً هم جند الله وجند الوطن فعندما دعا داعي الفداء لم يخونوا القضية بل تحدوا الموت لنيل النصر أو الشهادة. مهمة قواتنا (القصد) (تأخير تقدم قوات العدو أطول مدة حتى يتم فتح الخرطوم) وهذا يتم من خلال الخطة العامة لقواتنا والتي تشمل قتل أكبر عدد من جمال وبغال الحملة لشل حركة النقل (خطة الحملة «أ») كذلك منع العدو من احتلال بربر والمتمة. منطقة التجمع: «Assumply- Ared» وتعرف بالمنطقة أو المحل الذي تلتقي فيه القوات المشتركة في الهجوم. حيث كانت مدينة (المتمة) فقام الأمير محمد الخير بجمع «8» آلاف مجاهد بقيادة الأمير عبد الماجد محمد خوجلي يساعده الشيخ علي ود سعد حيث تم إبعاد العوائل عن المدينة في 2 يناير 1885م بعدها تحركت الرايات بكامل قواتها من المتمة إلى أبو طليح وبقي «500» مجاهد بالمدينة للحماية. وصلت الرايات إلى آبار أبو طليح واحتلت مواقعها الدفاعية قبل هجوم العدو في مواجهة الطريق المتوقع منه تقدم العدو. قوات العدو تتكون من لواء هجانة + لواء مشاة + حملة استخبارات بقيادة السير تشارلس ولسون. أ/ تحركاته أثناء تقدمه أرسل قوة استكشافية لمعرفة طبوغرافية الأرض حتى وصلت حملته إلى جبل (حليف) ثم واصل التقدم حتى قطع 3 أميال حيث تقع آبار أبو طليح والمواقع الدفاعية لقواتها التي اتخذت مواقعها في بعض المرتفعات. ب/ أرسل قائد قوة استطلاع العدو الرائد (كرافن) معلوماته عن قوة المجاهدين لمركز رئاسته. ج/ بدأ تقدم العدو في تشكيل طابور على أن تكون منطقة الشؤون الإدارية في الخلف ومعها جمال وبغال الحملة حيث تمت بعض المواجهات من قبل قوات المجاهدين التي احتلت نقاطًا تعطيلية لإعاقة تقدُّم العدو. كانت المعلومات تصل إلى مركز قيادة المجاهدين (المهدي وخلفائه وكبار الأمراء) قادة التشكيلات وذلك عن طريق بربر فأرسل الإمام المهدي قوات تعزيز حيث طلب من الأمير محمد الخير تأخير العدو في بربر لأكبر فترة عندما كانت تتقدم جنوباً. خطة الهجوم للاشتباك يقوم الأمير موسى ود حلو بتحديد كل محور ليواجه مربعًا من مربعات العدو وعددها «4».. بدأ الهجوم مع التهليل والتكبير يملأ السماء الأمر الذي أذهل قائد العدو الكولنيل سيتوارت حيث بدأت المعركة. كان المربع الأول للعدو من أخطر المربعات لما له من قوة نيران كبيرة إلا أن الأمير موسى ود حلو وفي سرعة خاطفة كسر المربع واقتحم داخله محققاً بذلك قوة صدمة هائلة لقوات العدو فصار جنود العدو يطلقون النيران عشوائياً وفرَّ عدٌد منهم خارج المربع فأصيب الأمير موسى ود حلو بطلقات طائشة وهو يحمل الراية داخل المربع فاستُشهد في الحال بعد أن صدق وعده بإدخال الراية داخل مربع العدو وتحقق القصد من العملية بنجاح وهو تأخير قوات العدو من التقدم نحو الخرطوم وانسحبت قوات المجاهدين. وهكذا في سبيل الإيمان الوثيق والعريق ضحى الشهيد المجاهد الأمير/ موسى ود حلو وضحى معه أهله الأقربون وصحبه الأكرمون في معركة أبو طليح التي تُعتبر درساً من دروس البطولة الوطنية وعظمة التضحية وقداسة الحق فالدروس المستفادة من هذه المعركة فحواها أن التضحية قيمة بذاتها وإن الحق قيمة بذاته واستشهد بذلك الكاتب الإنجليزي جوليان سيمونز في كتابه يصف شجاعة الجندي السوداني وبأسه في المعارك حين قال: (هؤلاء ليسوا حملة البنادق الرمنتون الدقيقة التصويب ولكنهم المحاربون الذين اختيروا للقضاء على الدخلاء كما كان الحال مع هكس ورجاله). شهداء معركة أبو طليح استُشهد في هذه المعركة كل الأمراء أبراهيم عجب الفيه، علي ود بلال، بعشوم أحمد مهلة إبراهيم ود السلوق وغيرهم.