إذا كان موضوع إبراء الذمة للمسؤولين بالدولة يأتي في إطار مشروع حكومي لمحاربة الفساد، فلا بد هنا من وقفة موضوعية على مدى جدوى هذا المشروع. إن فكرة إبراء الذمة أصلاً تقوم على حصر ممتلكات المسؤول وتسجيلها حتى إذا ما زاد حجمها وهو في المنصب الحكومي يواجه قانونياً «السؤال النبوي» الذي يقول: «من أين لك هذا؟» يمكن أن نقول إن الذي ضاع من خزينة الدولة لن يكون أقل مما سيضيع منها بعد «إقرار الذمة» إذا ما كان الأمر قانونياً وليس سياسياً من باب الاستهلاك السياسي في وقت من الأوقات أو مرحلة من المراحل. لكن في المستقبل القريب ابتداءً من العام القادم لا بد من ربط إقرار الذمة بتقرير المراجع العام حتى يكون العمل لمكافحة الفساد متكاملاً ومجدياً، أما إذا كان هناك إقرار ذمة للمسؤولين، وفي نفس الوقت يسجل تقرير المراجع العام أرقاماً ضخمة للفساد، فإن السؤال سيكون ما معنى إقرار الذمة؟!. إن التحايل ليس صعباً إذا لم تضع الدولة كل التحوطات لحماية المال العام، وأهم هذه التحوطات إنشاء شعبة مباحث جنائية متخصصة في المراجعة المالية، لمنع وقوع عمليات الفساد، وهذا أفضل من توجيه الاتهامات وفتح البلاغات وإرهاق النيابات والمحاكم بالجلسات الطويلة، فمنع الجريمة قبل وقوعها هي الوقاية، والمثل يقول الوقاية خير من العلاج.. وهذا صحيح لأن العلاج قد لا ينجح في شفاء المرض ومعلوم أن المحكمة لا تدين إلا بالدليل القاطع، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته، وقد لا تثبت لعدم كفاية الأدلة. إذن هيبة الدولة تبقى في هذه الناحية في منع وقوع الفساد ابتداءً. وبدون إقرار ذمة يمكن أن تُهاب الدولة، وهي تحمي المال العام بإجراءات صارمة يتضمنها القانون واللوائح. وما دام أن رئاسة الجمهورية ترفض الفساد بكل أنواعه فهذا الرفض في حد ذاته من شأنه أن يحمي المال العام من اللصوص «الشرفاء». فحكاية «إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد» التي نبذها الرسول صلى الله عليه وسلم، تنبذها الآن الدولة عن طريق إقرار الذمة. لكن الأفضل أن يكون نبذها عن طريق عملي أكثر. لقد كانت طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم عملية. والسؤال هل المال العام يحميه إبراء الذمة؟! هل نراهن على إقرار الذمة في حماية المال العام؟! إن الإجابة عن هذا السؤال سنجدها إن شاء الله في تقرير المراجع العام القادم. هجرة الأطباء وسفر المرضى هجرة الكوادر الطبية قيل إن وزارة الصحة الاتحادية تعتبرها مشكلة عويصة تستحق دق ناقوس الخطر. لكن إذا كان المرضى يسافرون لتلقي العلاج في الخارج بتكاليف أكبر تاركين وراءهم هذه الكوادر الطبية التي تهاجر فأين الخطر إذن. إن المرضى يسافرون إلى القاهرة والأردن ولندن وبعض المسؤولين الكبار جداً إذا مرضوا يسافرون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا وتركيا، وهذا قبل موجة هجرة الكوادر الطبية فما المشكلة إذن في هجرتهم؟! وحتى إذا هاجر منهم ما يصل إلى نسبة (50%)، فإن من يبقون في البلاد يكفون لعلاج من لا يسافرون إلى الخارج للاستشفاء. فالبلاد محتاجة إلى دواء متوفر وبثمن يناسب ظروف المواطنين المادية وبلادهم تمر بأزمة اقتصادية حادة. إن الطبيب الكادر إذا كتب الروشتة للمريض واصفاً له العلاج، ولا يوجد العلاج سواء في الصيدليات في نظام التأمين الصًّحي أو غيرها، فما الفائدة؟! ثم إن الطبيب يريد تحسين وضعه المادي والمواطن المريض يهمه الدواء ونفقات العلاج بالخارج.