لم تنم ولاية البحر الأحمر وهي تسمع أن واليها الذي انتخبته قد تمرد على السلطة وأنه خرج ولن يعود، الحديث عن تمرد الرجل لم يأتِ من فراغ حسب كثير من الروايات فقد كانت هناك أرضية خصبة لينساب الحديث وتنطلق الإشاعات بعد أن شهدت الولاية خلافات كادت تعصف بأوضاعها، خلافات برزت إلى السطح لم تكن بين الوطني وقوى المعارضة بل كانت داخل أسوار الحزب هناك، حتى عاد إيلا بداية فبراير الماضي ووضع حدًا لذلك بعد أن قال قولته المشهورة «من يقولون إن إيلا تمرد فهم لايعرفونني جيدًا فأنا لست بالرجل الذي يذهب خفية بليل ولست جبانًا وأستطيع مواجهة أي إنسان وأي جماعة ناسين أنني والٍ منتخب، ومن يروِّجون هذه الإشاعات هم فاقدو السلطة وطالبو المناصب، وأنا رجل جلس على السلطة مافيه الكفاية». ورغم أنه بتلك الكلمات قد أغلق الباب أمام الحديث عن تمرده لكنه أفصح عن الأسباب التي يتخذها مناوئوه ذريعة لتمرد ربما يقودونه هم عندما قال «هم فاقدو السلطة وطالبو المناصب وأنا رجل جلس على الكرسي مافيه الكفاية» أسباب فقد السلطة وطلب المناصب وجلوس آخرين بما فيه الكفاية حملت بعض الشباب في وطني البحر الأحمر للتمرد على القيادة وإن ظهروا بمظهر الإصلاح وهي ذات الأسباب التي ساقتها مجموعة خرجت من الحزب في شمال كردفان بقيادة رجل كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس التشريعي بالولاية والانضمام إلى حركة العدل والمساواة «قطاع كردفان»، وقد أكدت تصريحات أحد قياداتها وهو أحمد وادي والتي قال فيها ل«الانتباهة» «إن المرارات والتهميش داخل الحزب هو ما قاد لتلك الخطوة». لم يكن خروج وادي ومجموعته هكذا بل كان تمردًا خفيًا في بدايته وهو ما أكده وادي بنفسه عندما قال «إن التفكير في الانسلاح بدأ منذ فترة»، ولم يكن هو الأول داخل أسوار الحزب الذي يظن قادته أنه منيع، فقد سبق أبناء الحزب في شمال كردفان بشهر واحد إخوتهم في الجزيرة منتصف نوفمبر 2009م بتفجير خلافات أرّقت مضاجع الولاية ولم تتعافَ منها حتى الآن وإن بدت في ظاهرها خلافات قد تتطور في ما بعد وتصبح خروجًا. كما حدث لبعض الوطنيين بالنيل الأزرق الذين أسهمت أحداث الولاية في كشفهم وهم يعملون ضد الحزب وصلت إلى مرحلة التخطيط للتصفية. حدث كل هذا في وقت كان فيه أغلب الظن لدى الكثيرين أن الخروج من الحزب الحاكم والتمرد عليه ضرب من المستحيل ومن اللامنطق خاصة في ظل أفواج الجماعات والأفراد الخارجة من أحزابها متجهة صوب الوطني. ولكن المحلل السياسى والأستاذ بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز رد الأمر في حديثه ل «الإنتباهة» لعدة أسباب منها أن الوطني في بدايته كان امتدادًا للحركة الإسلامية وورث قيمها في الشفافية والمحاسبة وغيرها من القيم بدرجة كبيرة ولكن بعد المفاصلة، التهافت على السلطة بينهما جعلت الوطني يبعد عن القيم الإسلامية وأصبح مثله مثل أي حزب سياسي، وعلى إثر هذا الانفتاح دخلت إلى الحزب قيادات عملت على اقتلاع قيم الحركة الإسلامية من الحزب نهائيًا، ويعتبر عبد العزيز أن هذا الشيء من الأسباب الجوهرية لما يحدث الآن، ويذهب ويؤكد أن السلوك السياسي للوطني ساعد في أن تصبح المناصب في الدولة سلعة وقال «زمان مافي حاجة اسمها قسمة الثروة والسلطة حيث صارت الوظيفة في الدولة بعد الاتفاقيات التي وقّعها الحزب في نيفاشا وأبوجا وأسمرا هدفًا في حد ذاتها وليست خدمة للوطن والمواطنين عامة» ووصف «سلعنة» الوظائف بالخطرة جدًا وأضاف عبد العزيز أن عدم المؤسسية أدى إلى شخصنة العمل العام، وعدم المؤسسية جعل من له أفكار يسعى للكرسي من أجل تنفيذها وهو ما جعل الجميع يسعون للمناصب وهو أيضًا ما يفسِّر وجود الكتل والجماعات وظهور التنافس بين الوزراء وهو المتوقع أن يحدث عند إعلان التشكيل الوزاري القادم.