لقد اجتاح العالم العربي والإسلامي موجة من الحركة الإصلاحية الإسلامية في القرنين الماضيين وكانت بدرجات متفاوتة من الفشل والنجاح. حيث قامت العديد من الحركات الإصلاحية الإسلامية وعدد غير يسير من المصلحين والمفكرين الإسلاميين بحركات إصلاحية دينية ولعل أولى تلك الحركات وهي حركة محمد عبد الوهاب وهي الحركة الوهابية التي عاودت نشاطها بالقرب من مصدر الوحي «السعودية» والتي تنادي بالتوحيد وهي لم تكن حركة فلسفية كالحركات الفلسفية التي قامت في أوربا ولم تكن كحركة مارتن لوثر في شمال ألمانيا وهي حركة تريد الرجوع إلى الإسلام وسيرته الأولى وببساطته ومن ثم فهي حركة كافحت الشرك والضلالات والبدع والتوسل وزيارة القبور وعبادة الأوثان والأصنام واستأنفت الجهاد من جديد فهي تلك الحركة الوهابية فكراً وعملاً. أما الحركة الثانية فهي الحركة السنوسية ببرقة في ليبيا الزاوية وهي حركة تشكيل اجتماعي قائم على أساس تربوي ديني لبناء الشخصية الإسلامية الجديدة. وثالث هذه الحركات وهي المهدية في السودان التي كانت تنادي بتطبيق شرع الله (الكتاب والسنة) وأعلنت الجهاد ضد الكفرة ودعت لاعتناق الإسلام والدخول في المهدية. هذا إلى جانب عدد من الحركات الإسلامية الإصلاحية المتجددة في البلاد الإسلامية. وفي تلك الفترة ظهر عددٌ من المصلحين والمفكِّرين الإسلاميين على رأسهم المفكر الإسلامي جمال الدين الأفغاني الذي دعا إلى قيام الجامعة الإسلامية التي تؤم كل الأقطار الإسلامية ونادى بأن كل البلاد الإسلامية وطناً للمسلم بينما كان يؤمن بالقومية الواسعة التي تضم كل بلاد المسلمين، كان تلميذه عبد الرحمن الكواكبي في حلب بسوريا يؤمن بالقومية الضيقة ونادى بالقومية العربية وكان قوي الشعور بعروبته شديد الغيرة عليها متمسكاً بالتعاليم الإسلامية المتجددة. وكان يرى أن يكون خليفة المسلمين من العرب ومن قبيلة قريش. وإن اختلفت طريقة الرجلين، الأستاذ والتلميذ فإن الداء واحد والدواء مختلف ولعل جمال الدين الأفغاني الذي غرس تعاليمه في نفوس تلاميذه كان أبلغ أثرًا حيث التف حوله في مصر حوالى ثلاثمائة طالب مسلم، وكان من أشهرهم الشيخ محمد عبده وعبد الله نديم ومحمود سامي البارودي «رب السيف والقلم». الشاهد في الموضوع أن جمال الدين الأفغاني هو من رواد الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي التي نعيشها اليوم فهي امتداد لمجهوداته ونشاطه حيث استطاع تلاميذه من بعده أن يؤسسوا قواعد الحركة الإسلامية في البلاد الإسلامية وخاصة مصر الشقيقة التي كانت هي نافذة الحركة الإسلامية للعالم العربي الإسلامي. حيث استطاع الشيخ حسن البنا وأخاه عبد الرحمن البنا أن يؤسسوا جمعية للإخوان المسلمين في السويس ثم انتقلت هذه الحركة إلى القاهرة. واستطاعت «السويس» أن تفتح مكتباً في أزقة القاهرة. وهي حركة دينية إصلاحية تجددية تدعو للجهاد، ولقد ذهب أعضاؤها إلى فلسطين «1948م» باسم الجهاد وكانت حركة جهاد «100%» وكانت العضوية فيها تقوم على أسس واضحة حيث الترتيب التنظيمي للحركة يقوم على عضو منتظم وعضو مجاهد وعضو منتسب. الشاهد في الموضوع أن الحركة الإسلامية التي قامت في مصر تسرّبت إلى السودان عن طريق طلاب العلم والمعرفة آنذاك من أمثال علي طالب الله وغيره من الذين جاءوا من بعده بيد أن الحركات الاتحادية والاستقلالية في تلك الفترة لم تترك لها مجالاً للنشر حيث كانت هذه الحركات مشغولة بالاستقلال والحرية والتخلص من المستعمر، كما أن الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعد الاستقلال والتي كان يسيطر عليها العسكريون وأصحاب المذاهب السياسية لم يتركوا لها فرصة بالرغم من الطائفية الدينية والتبعية كانت هي الغالب الأعظم في الحكم. ولكن الحركة الإسلامية قد انتشرت بصورة أوسع فيما بعد ثورة أكتوبر «1964م» حيث ظهرت جبهة الميثاق التي يقودها الدكتور حسن عبد الله الترابي وبرزت أصوات الإسلاميين في السياسة السودانية بصورة واضحة لمواجهة الفكر اليساري والشيوعي الذي ظهر في تلك الفترة. ثم ازداد هذا عقب المصالحة الوطنية «1978م» حيث ظهر الاتجاه الإسلامي ثم الجبهة الإسلامية القومية حيث لعب الإسلاميون دوراً كبيراً في تشكيل مسار الحكم في السودان حيث كان تطبيق الشريعة الإسلامية حيث صدرت قوانين سبتمبر «1983م» والتي كان من إفرازاتها ظهور حركة التمرد الصليبية في الجنوب حيث زادت معاداة الصليبيين والإمبريالية العالمية على السودان. وفي اعتقادي أن التسرع في تطبيق الشريعة الإسلامية كان هو السبب في نسف قوانين سبتمبر إذ كان من المفروض أولاً نشر مجتمع إسلامي معافى ونشر الدعوة الإسلامية وتوطين أفكار الإسلام في نفوس الناشئة حتى تكون هناك اعتقادات بقناعة ثم بعد ذلك يتم التطبيق بعد أن تهيأ النفوس ويتم بناء الشخصية الإسلامية المتجددة القابلة لتنفيذ الحدود الإسلامية. وبالعودة إلى المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية في السودان حيث المطلوب الآن من الإسلاميين أن يدرسوا كل الحركات الإسلامية الإصلاحية المتجددة التي اجتاحت العالم الإسلامي ودراسة الإيجابيات والسلبيات لهذه الحركات الإصلاحية ثم الاستفادة منها. ونلاحظ أن المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية لم يضع حلولاً متكاملة للمجتمع السوداني الإسلامي. وذلك لحل كافة قضاياه المتعلقة بالظروف الاقتصادية والسياسية التي يترتب عليها تهيأة المواطن المسلم لدراسة تعاليم الإسلام التي تحمل أفكار الجهاد الأكبر والأصغر فلا بد من بناء النفس المسلمة المعافاة من الأفكار المستوردة والأفكار الغربية التي بدأت تسري في أوساط الشعب اليوم. أين الحلول لمثل هذه القضايا فمطلوب من الأمين العام الزبير محمد الحسن أن يفعل هذه القضايا وإنشاء أمانة متخصصة في هذا المجال لبناء الشخصية الإسلامية الجديدة فلا بد من تشكيك اجتماعي قائم على أساس إسلامي تربوي حتى نضمن استمرارية الحركة الإسلامية الجديدة ونحن مواجهون بتحديات الغرب المسيحي والإمبريالية العالمية ويجب علينا أن ندرك قبل فوات الأوان وعلينا أن نجتهد ونجاهد ونرفع شعار الحركة الإسلامية الجديدة لأن الفضائيات والتكنولوجيا الحديثة كلها مستخدمة ضد الإسلام والمسلمين. وأخيراً نصيحتي للحركة الإسلامية والإسلاميين هي الوحدة وعدم الشتات والفرقة والانقسام وأنا أعلم تماماً أن كل أهل السودان لديهم الغيرة الشديدة على الإسلام بكافة ألوان طيفهم السياسي فينبغي أن تكون الحركة الإسلامية حقاً لكل مسلم في السودان وليست حكراً لأحد..