سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسلّف الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية السودانية (1-3) .. بقلم: سليمان صديق علي
نشر في سودانيل يوم 21 - 05 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
تآكل الأطروحة الإخوانية وتصاعد الإتجاهات السلفية
( تسلف الإخوان وتآكل الأطروحة الإخوانية وتصاعد السلفية في الإخوان المسلمين ) عنوان كراسة علمية قيمة أصدرتها مكتبة الإسكندرية في مجموعة مراصد للكاتب في شئون الحركات الإسلامية الأستاذ حسام تمام تناولت بالدراسة هذه الظاهرة التي لا تعاني منها مصر وحدها ولكنها ظاهرة تنتشر في كل دول الربيع العربي و الشمال الأفريقي التي يتصاعد فيها نشاط الجماعات السلفية و التطرف الإسلامي تلك الظاهرة التي تتجاوز وسطية بعص القيادات الإسلامية فى مصر و تونس و المغرب وموريتانيا و غرب أفريقيا عامة وتهدد مستقبل الثورات العربية و الحركات الإسلامية التى تمر بمرحلة تُختبر فيها قدراتها في الحكم و تحقيق آمال الشعوب العربية التي تعلقت بها
جماعة الإخوان المسلمين – كما أشار الكاتب – كانت تتميز بالإعتدال و النأي عن المذهبية العقدية و الفقهية و التنظيمية و لا تتعمد التميز على الآخر حتى في المظهر حيث لم يكن شائعاً في الجماعة تميز الإخوان أو الأخوات بمظهر خاص كإرسال اللحى ولبس الخمار أو النقاب و اشار الكاتب – في هذا السياق- إلي مقولة البنا المشهورة (الإخوان دعوة سلفية و طريقة سنية و حقيقة صوفية و هيئة سياسية و جماعة رياضية و رابطة علمية و ثقافية و شركة إقتصادية و فكرة إجتماعية ) و قد كان التصوف عند البنا- الذي كانت له سابقة في الطريقة الحصافية الشاذلية - مؤهلاً للتفاعل في ساحات العمل العام ولم يتخذ منحىً تطهرياً إعتزالية وظهر في إهتمام الجماعة المبكر بالسلوك الفردي في الترقي في مراقي العمل المختلفة والاوراد اليومية و الوظائف الكبرى و الصغرى و الأخوّة و الاسر التي تمثل الوحدة الاساسية لتنظيم الجماعة و اشار إلى كيف ان هذا المنهج مكن الجماعة من أن تضم في صفها أعضاء من خلفيات ثقافية متنوعة
ظروف سياسية واجتماعية معينة لعبت دوراً فيما أسماها الكاتب ظاهرة ( تسلف الإخوان ) - أي تحولهم إلى السلفية – أهمها هي الضربة التي وجهها جمال عبد الناصر إليهم و التي اضطرتهم إلى الهجرة إلى المملكة العربية السعودية حيث رحب بهم الملك فيصل ووظفهم في حملته في تحديث المملكة إذ كان فيهم عدد كبير من المؤهلين علمياً الذين استوعبوا في مجالات التعليم الجامعي و المصارف و الإستثمار والتشييد و الخدمة المدنية ( فالمؤسسة الدينية الوهابية لم تكن لتقف في وجه مشروع الملك فيصل التحديثي أو تمنع الإستعانة بالإخوان أو غيرهم لكنها كانت قادرة على إن تفرض رؤيتها الدينية . في مجتمع سعودي لما ينفتح بعدعلى تأثيرات الخارج فكانت تفرض على كل الأئمة و الوعاظ و الدعاة و معلمي الشعائر و مدرسي اللغة العربية الإختبار في العقيدة الوهابية للتأكد من أن الشخص ليس أشعرياً في العقيدة أو صوفياً و إلا يتم طرده أحياناً... بل وصل الأمر إلى فرض خلع الزي الأزهري على الدعاة و الأئمة المنتدبين باعتبار الأزهر معقل الأشعرية ) وقد راعى الإخوان هذه العلاقة وظروف المملكة لذلك لم يمارسوا فيها نشاطاً خاصاً ولم يؤسسوا فيها فرعاً لجماعتهم كما فعلوا في بقية الدول العربية
العامل الثاني هو أن ظروف القهر السياسي في مصر أدت إلى التطرف و سطوع نجم الجماعات الإسلامية لا سيما بعد هزيمة 1967م التي اضمحلت بعدها الأيديولوجيات القومية و الإشتراكية و قد ساعد علي تنامي ظاهرة التطرف الديني في الجامعات المصرية و توسع نشاط الجماعات الإسلامية غياب الفكر الإخواني المعتدل و اضمحلال دور المؤسسات الدينية التقليدية كالأزهر الشريف وظهور مدرسة الشهيد سيد قطب الثورية كما ساهمت في ذلك ظروف الإعتقال الطويل والمطالعات في كتب التراث السني لاسيما الفقه الحنبلي و الفكر الوهابي ومؤلفات إبن تيمية التي دخلت إلى مصر في حقائب المغتربين إلي المملكة السعودية و الخليج ( و هكذا تسربت السلفية الى جسد جماعة الإخوان المسلمين في سياق سياسي و اجتماعي دقيق داخل المملكة فوجود النساء و الأسر الإخوانية في بيئة مغلقة نقل إليها تدريجياً المزاج السلفي و تمظهراته الظاهرة للعيان كالنقاب و التشدد في الملبس عامة و قلت مساحات الإنفتاح على الفنون و الاداب و انماط الحياة التي كانت معروفة و مقبولة لدى الاخوان ) و ساعدت البيئة المغلقة في مصر و المملكة و القهر السياسي علي تنامي الإهتمام بالشعائر الفردية و السلوك الفردي و تركز الإهتمام على فقهها و مناهجها مما أحدث إختلالاً في ميزان الأولويات و عمّق النظرة التجزيئية و دفع إلي التعامل في السياسة و الحياة العامة بإستخدام مناهج التفكير التفسيرية الضيقة
توسعت الظاهرة السلفية في مصر في عهد الرئيس السادات الذي أخرج الإخوان من السجون و سمح بإصدار مجلة الدعوة و حرية العمل الإسلامي و حينها خرج الإخوان بثوب جديد أكثر سلفية بدت مظاهره في التعامل مع الآخر لا سيما الأقباط و التحيز ضد المرأة و الموقف السلبي من الفنون و الآداب و حرية التعبير وقضايا التجديد الإسلامي عامة و في مجال الحكم و السياسة خاصة وقد تدافع شباب الإخوان في مطلع الثمانينات إلي ميادين الجهاد الأفغاني الذي مثل حاضنة ما عرف بالسلفية الجهادية التي تولدت من تلاقح السلفية مع الفكر الإخواني
جاء برنامج الحزب الذي طرحه الإخوان عام 2008م معبراً عن هذا الإتجاه الجديد فعلى الرغم من أن الإخوان كانوا قد قبلوا بفكرة الدولة المدنية وأدوات الديمقراطية في إكتساب المشروعية و شاركوا في إنتحابات مجلس الشعب إلا أن رؤيتهم للحاكمية و تحقيق مرجعية الشريعة الإسلامية كانت يومها تجنح إلى قبول الفكرة السلفية التي لا تعترف بحق البر لمان الكامل في التشريع بل و تعتبره شركاً وربما كان بعضهم يستبطن قبول فكرة أن يكون التشريع من حق الرئيس المنتحب و مجلس الشوري الذي يعتبره مجلساً لأهل الحل و العقد وقد ابتدع البرنامج لوظيفة التشريع هيئة من علماء الدين إذ ورد فيه :( ويجب على السلطة التشريعية أن تطلب رأي هيئة من كبار علماء الدين في الأمة على أن تكون منتخبة أيضاً انتخاباً حراً ومباشراً من علماء الدين ومستقلة استقلالا تاماً وحقيقياً عن السلطة التنفيذية في كل شئونها الفنية والمالية والإدارية) ( ويكون للسلطة التشريعية في غير الأحكام الشرعية القطعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائي بالتصويت بالأغلبية المطلقة على رأي الهيئة، ولها أن تراجع الهيئة الدينية بإبداء وجهة نظرها فيما تراه أقرب إلى تحقيق المصلحة العامة، قبل قرارها النهائي ) . كما تبنى ذلك البرنامج فكرة أن تكون الذكورة شرطاً من شروط الولاية العامة ( والنقاش حول بعض الوظائف، وإمكانية عمل المرأة بها مثل القضاء يجب أن يكون حالة من الحوار الاجتماعي والشرعي، للتوصل إلى توافق مجتمعي، تشارك فيه المرأة والرجل بالرأي والقرار. ونحن من جانبنا نرى أن الواجبات المفروضة على رئيس الدولة، وهو له مسئوليات في الولاية وقيادة الجيش، تعد من الواجبات التي لا تفرض على المرأة القيام بها، لأنها تتعارض مع طبيعتها وأدوارها الاجتماعية والإنسانية الأخرى) و تحايل البرنامج علي حق غير المسلم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية و الوزراء حيث ورد فيه :( وللدولة وظائف دينية أساسية، فهي مسئولة عن حماية وحراسة الدين، والدولة الإسلامية يكون عليها حماية غير المسلم في عقيدته وعبادته ودور عبادته وغيرها، ويكون عليها حراسة الإسلام وحماية شئونه والتأكد من عدم وجود ما يعترض الممارسة الإسلامية من العبادة والدعوة والحج وغيرها. وتلك الوظائف الدينية تتمثل في رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسي القائم. ولهذا نرى أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسي القائم عليه واجبات تتعارض مع عقيدة غير المسلم. مما يجعل غير المسلم معفى من القيام بهذه المهمة، طبقا للشريعة الإسلامية، والتي لا تلزم غير المسلم بواجب يتعارض مع عقيدت .) ( لاحظ التناقض حيث أن البرنامج يلزم الحاكم المسلم برعاية مصالح غير المسلمين و منهم الأقباط !!) و إن كان برنامج حزب الجماعة حالياً أي حزب الحرية و العدالة قد سكت عن هذه الخيارات فإن الأمر يعتمد على ما يبدو على خيارات مرحلية تكتيكية و ليس على مواقف مبدئية إستراتيجية وقد تتازل الجماعة عنها تحت ضغوط الاحزاب السلفية التي حازت على ثلث الاصوات في الإنتخابات و ضغط عضوية الجماعة (المتسلفة) والتي لم تعجبها وسطية الجماعة و مرونتها فانضم بعضها إلى الأحزاب السلفية لا سيما أن الجماعة قد تنازلت عن كثير من المواقف السياسية المعلنة بعد إنتصار الثورة كإعلان الجماعة عدم رغبتها الإنفراد بحكم مصر و بالتالي عدم الترشح في أكثر من 30% ثم 50% من دوائر البرلمان و رئاسة الجمهورية
تسلّف الإخوان المسلمين و الحركة الإسلامية (2-3)
تصاعد الإتجاهات السلفية في الحركة الإسلامية السودانية
لا شك أن السلفية التي نعني ليست هي مجرد التأسي بالسلف الصالح و الإهتداء بتجربتهم واستخراج المغازي من النموذج الذي أقاموه و لكنها أيديلوجية متكاملة تطورت منذ إنقلاب بعض المفكرين الإسلاميين المصلحين من اهل السنة - أمثال إبن تيمية - على عقلانية الفلاسفة و المتكلمة و باطنية المتصوفة و مغالاتهم في الإعتماد على المعرفة الوجدانية و سعي هؤلاء المفكرين لإعادة الأمة إلى الأصول التي ضيعت واستمر تطورها إلى محمد إبن عبد الوهاب الذي حارب البدع التي تراكمت حول الشعائر و المقدسات إلى الدعوة المعاصرة التي قام بها بعض تلامذة محمد عبده وبعض المفكرين المعاصرين لهم لبعث تراث الأمة و الإعتصام به في وجه الغزو الحضاري الغربي
لم يميز المعاصرين في هذه العودة إلى الإصول بين النص القرآنى و السنة النبوية ولا بين الوحي واجتهاد الرسول (ص) في السنة بياناً وتفصيلاً و تنزيلاً للقرآن و ما عرفه الأصوليون بالسنة التشريعية و غير التشريعية و لا بين ذلك كله واجتهادات السلف الصالح كما انهم توسعوا في مفهوم البدعة حتى أغلقوا أبواب الخير كلها و ضيقوا على التجربة الإنسانية و العلم و النظر العقلى و الإجتهاد ووقفوا في وجه كل محاولات التجديد و لقد إهتمت الدعوة السلفية في عهد إبن تيمية و محمد بن عبد الوهاب بالسياسة و الحكم ولكنها بعد ذلك إقتصرت علي الشعائر و العبادات الفردية تحت ضغوط الأنظمة الملكية الوراثية التي تحالفت معها و لم تتحول إلى أيديلوجية سياسية مرة أخرى إلا بعد لقائها بالإخوان المسلمين و تلامذة الشهيد سيد قطب من أعضاء الجماعات الإسلامية كما بينا في المقال السابق و لكنها دخلت إلي السياسة بسلفية تعتسف تنزيل النموذج الاول ومنهج فكري تفسيري ضيق لا يستجيب لتحديات السياسة و الحياة العامة
تعتبر الحركة الإسلامية السودانية إمتداداً لحركة الإخوان المصرية إلا أنها تتميز على كثير من الحركات الإسلامية بتجربة عملية سياسية فريدة و طويلة وانفتاح فكري و تنظيمي كما أن لها كسب واسع في مجال التجديد غير أنها لم تسلم من (التسلُّف ) الذي وقعت فيه الحركة الأم حيث أصبحت السلفية تمثل تياراً غالباً فيها و بدت مظاهرها واضحة في تباين الأراء في قضايا الحكم و السياسة و الخيارات التي إختارها دستوري 1998م و 2005م كحق البرلمان الذي ينتخبه الشعب في التشريع و الكيفية التي يمكن بها تحقيق مرجعية الشريعة الإسلامية و عالمية رسالتها و اشتراط الذكورة و الإسلام في الترشح لرئاسة الجمهورية و الموقف من الديمقراطية و حرية التعبير و التنظيم و أوضاع الأقليات لا سيما المسيحية منها والموقف من قضايا المرأة و التحرر من الفقه التقليدي المشحون بدوافع التحيز وشهوة الذكورة و الثقافة و التقاليد العربية و الموقف من قضايا التجديد لا سيما تجديد مناهج التفكير و الأخذ باجتهادات السلف و إجماعهم و الموقف من الفكر الإنساني والحضارة الغربية
تجربة الحركة الإسلامية في تطبيق الشريعة الإسلامية أعتبرت الحدود شعيرة من شعائر العمل السياسي ولم تراع فيها تحقيق اليسر والتوازن بين تهيئة البيئة الاجتماعية بتأكيد قيم الدين وتطبيق التشريعات و أوحت بأن الدين هو التشريعات وأن الشريعة هي الحدود كما أغرت التجربة بالتوسع في أستخدام سلطان الحاكم في الإصلاح و عندما خُيّر المشرّع فيها لم يختر الأيسر مراعاةً لظروف الإنتقال في المجتمع السوداني كالأراء التي تم تداولها حول توصيف جريمة الردة و السرقة الحدية و الشروع في الزنا والمظهر العام وعقوبة الزاني المحصن والتوسع في استخدام الجلد و الإجراءات الجنائية و مسقطات الحد وقد سمحت التجربة لاسيما قانون النظام العام و المواد المتعلقة بالردة و عقوبتها في القانون الجنائي - التي توسعت المجموعات السلفية في الإتكاء عليها و على سابقة إعدام رئيس الحزب الجمهوري - لتتعدي على حرمات و حريات الأفراد و الجماعات و تتوسع في التكفير و اشير في ذلك إلى تكفير هذه الجماعات ( و من بينها أعضاء في الحركة الإسلامية ) للدكتور الترابي و الصادق المهدي بناءً على آراء لهما تتعلق بقضايا إجتهادية حول المرأة او بعض علامات الساعة و دعوة السلطات لمصادرة كتب الشيعة في معرض الخرطوم للكتاب و ما نشرته صحيفة الوفاق أو مصادرة نشاط الحزب الشيوعي و الحركة الشعبية وتعتمد هذه الفئات هنا علي موقف سابق للحركة الإسلامية في عام 1965م قامت بموجبه بحل الحزب الشيوعي السوداني و طرد نوابه من البرلمان بعد أن سب أحد أعضائه السيدة عائشة رضي الله عنها و قد بدأت الحملة شعبية عفوية ولكن الحركة حولتها إلى قضية سياسية دستورية في البرلمان
لم تنتقل هذه التجربة للسودان من تأثيرات الحركة المصرية التي لم تكن ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية و أنما أثرت في ذلك ظروف نشأة الحركة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي بين يدي إستقلال السودان و الحديث يدور يومها حول دستور الدولة المستقلة وقد ربط الإستعمار البريطاني البلاد بمستعمرته في شبه القارة الهندية فتأثرت الحركة الوطنية بنموذج الحركة الوطنية الهندية كما تأثرت الحركة الإسلامية بالجماعة الإسلامية الباكستانية بزعامة أبو الأعلى المودودي الذي كانت بلاده تعيش ظروفاً شبيهة بظروف السودان وقد إنفصلت حديثاً عن الهند ويعتبر المودودي أول المفكرين الإسلاميين المحدثين الذي تكلم عن الحاكمية و الدستور الإسلامي و لكن حديثه جاء بمسحة سلفية ظاهرة رغم معرفته الواسعة بالقانون والديمقراطية الغربية وقد تعمق هذا التأثير في السودان بعد أنتقال أفكار الشهيد سيد قطب إليه و إطلاع شباب الحركة في مطلع السبعينات من القرن الماضي عليها و افتتانهم بها كما تاثر الطلاب السودانيون المبعوثون إلى مصر بالأجواء السلفية التي أشرنا إليها في المقال الأول و بفكر الجماعات الأسلامية و قد بلغ التأثير درجة أسس فيها بعض أعضاء الحركة مجموعات للتكفير و الهجرة
لعبت مؤسسات تابعة للحركة الإسلامية وأخرى محسوبة عليها دوراً كبيراً في عملية ( تسلُّف ) الحركة منها مؤسسات تعليمية إسلامية تربط الطلاب بعلوم التراث الإسلامي و الفكر السلفي التقليدي لاسيما في مجال دراسة الشريعة و الفكر الإسلامي و أصول الدين وقد كان معظم خريجي هذه الجامعات يعانون من الغربة لتوغلهم في دراسة التراث فيهاجرون إلى المملكة العربية السعودية ولم يظهر أثرهم في نشاط الحركة إلا بعد تطبيق التشريعات الإسلامية في عهد الرئيس النميري حيث كان فيهم عدد من المتخصصين في الدعوة و الشريعة الإسلامية وزادت مساهماتهم بعد قيام الإنقاذ بعد ان ألحقت بهذه الجامعات كليات للعلوم الاخرى كالطب و الهندسة و غيرها و منها جامعات سودانية محسوبة إدارتها على الحركة و يشار هنا إلى أن الحركة- رغم دعمها لهذه المؤسسات - لم تهتم يإعادة صياغة علوم التراث الإسلامي أو التجديد في مناهجها و فهم أصولها لذلك عندما عكف كثير من أعضاء الحركة في هذه الجامعات وسجون الإعتقال المايوي على الإطلاع أو إلتمس فقهاً للتدين الفردي - الذي لم يوازي إهتمام الحركة به إهتمامها بفقه الشعائر السياسية و الإجتماعية - لم يجدوا غير مؤلفات أهل السنة و إبن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و السلفين الذين دعموا المكتبة السودانية بكتبهم و ازاحوا الكتب المصرية و كتب الفقه المالكي و الفكر و الادب الصوفي التي كانت شائعة في البلاد
عندما أدخلت حكومة الإنقاذ مواد إسلامية في مناهج التعليم الجامعي أوكلت تدريسها لمجموعة من المعلمين السلفيين والذين (تسلفوا) و كانوا من قبل أعضاء في الحركة فتعمقت التيارات السلفية في الجامعات نتيجة إنشغال الشباب الإخواني بالجهاد و دعم برامج الحكومة بالإضافة إلى حملات الضبط الزائد وسياسات نزع التسييس التي استثارت تمرد الشباب و تراكم الأخطاء وتهم الفساد فنافست المجموعات السلفية الحركة الإسلامية في معظم الجامعات لا سيما الكليات العلمية ككليات الطب و الهندسة التي كانت في السابق معقلاً لقيادات الحركة التنظيمية وقد مثل (التسلف) للطلاب الإسلاميين و عضوية الحركة عامة في مرحلة من المراحل مهرباً من تبعات الإلتزام الثقيل في صف الحركة و الدعاية المعادية الكثيفة
ومن هذه المؤسسات مؤسسات أخرى حكومية و شبه حكومية كهيئات التأصيل و الفتوي و الرقابة الشرعية بالمصارف و مؤسسات التمويل و غيرها و التي حُشدت إليها مجموعة من خريجي مؤسسات التعليم الجامعي الإسلامية و السلفيين و من يعرفون بعلماء الشريعة و قد أعملت هذه المجموعات مناهج تفسيرية تجزيئية ضيقة في أداء مهمتها و لم يكن البعض فيها يرى العودة إلى الاصول إلا عودة إلى إجتهادات السلف - التي وضعها السلفيون في مرتبة القرآن و السنة النبوية - فيكتفي في فتواه بأن يحشد النصوص إعتسافاً و يصيغ الفتوى بلغة التراث القديمة دون معرفة دقيقة بموضوع الفتوى أونظرة كلية تحاكم هذه الفتوى بأصول الدين و مقاصده و كلياته ومنها أيضاً هيئة علماء السودان التي اسستها الإنقاذ برؤية أعمق و أوسع جمعت فيها بين علماء الشريعة و الواقع الإجتماعي و العلوم العصرية و لكنها في نهاية المطاف إقتُصرت على المحترفين ممن يعرفون بعلماء الشريعة و ذلك جراء ضغوط المتسلفين من عضوية الحركة و المجموعات السلفية التي اسست هيئة أخرى للعلماء منحتها صفة الشرعية في إشارة ضمنية إلى عدم شرعية الهيئة التي أنشاتها الحكومة
تصدت الحركة الإسلامية لتوحيد التيارات الإسلامية في دعواتها المستمرة منذ جبهة الدستور الإسلامي إلى جبهة الميثاق الإسلامي إلى الجبهة الإسلامية القومية وعندما اعلن النميري تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية و تصاعد الإستهداف الخارجي للسودان إتخذت الدعوة شكلاً تنظيمياً هو هيئة الدفاع عن الشريعة و الوطن و التي تواصل نشاطها إلى ما بعد إنتفاضة أبريل 1985م و اتخذت شكلاً آخر بعد الخلاف الذي شق الحركة عام 1999م هو الدعوة إلى توحيد أهل القبلة وقد إستخدم البعض التكوين الجديد أداة لتجاوز نقصان المشروعية الإسلامية وتسييل الولاء السابق للجماعة والتصدى لمجموعة الترابي الزعيم السابق للحركة الإسلامية حيث اتسعت الدعوة لتضم كل المنشقين السابقين عن الحركة من الإخوان المسلمين بقيادة الصادق عبد الله عبد الماجد و الدكتور الحبر يوسف و خصوم الترابي من السلفيين و الإسلاميين التقليديين الذين عارضوا دعوته للتجديد وبدا التيار التقليدي و السلفي في الحركة الإسلامية منتشياً بعد الإنشقاق و هو يعاين إلى دعاة الإنفتاح السياسي و هم يفشلون في أمتحان السلطة و يعجزون من أن يخلّصوا السياسة من كونها لعبة قذرة بينما إنشغل دعاة التجديد بتقوية بنيان الدولة و انسحب معظمهم من منابر الخطاب الإعلامي الجماهيري و الرسمي التي سيطر عليها السلفيون
تسلّف الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية (3-3)
تصاعد الإتجاهات السلفية في الحركة الإسلامية السودانية
تأثرت الحركة الإسلامية السودانية - كما الحركة الام – بالفكر السلفي الوارد من المملكة العربية السعودية و دول الخليج و ذلك عندما هاجرت قياداتها بعد مطاردات نظام النميري لها في مطلع سبعينات القرن الماضي حيث وجدت الطريق ممهداً بإخوانهم المصريين فاستقبلهم الملك فيصل و تعاونوا مع المملكة - كإخوانهم المصريين - في حربها على الناصرية و الشيوعية التي دخلت إلي حديقة المملكة الخلفية في اليمن و شاركوا في التصدي للغزو الشيوعي لافغانستان من باب النصرة و المشاركة الدولية وانتهاز الفرصة لرفع قدرات الحركة القتالية للتصدي لعدوان الانظمة الطاغوتية وإن وقعت مشاركتهم في الإستراتيجية الامريكية - السعودية في المنطقة إذ كانت الحركة تقدر كثيراً خطر الشيوعية على الإسلام وقد تولى الإخوان تجنيد الشباب الإسلامي للجهاد في أفغانستان و ساعدوا المجاهدين في إدارة المعركة سياسياً و إعلامياً و دولياً و إمتدت علاقة الحركة الإسلامية بالمجاهدين الافغان إلي ما بعد إجتياح طالبان لافغانستان بدعم باكستاني أمريكي سعودي و آوت حكومة الإنقاذ من عرفوا بالعرب الافغان بقيادة بن لادن بعد ذلك وقد دفعتها إلى هذا الموقف ضرورات عملية براغماتية و عزلتها وطموحات مشروعها الدولي و الإقليمي كما اغرتها قدرات المجاهدين الافغان القتالية و الشبكات الدولية التي يتعاملون معها
كانت الحركة الإسلامية السودانية اول المبادرين إلي تاييد الثورة الإيرانية و اتهمتها بعض الدوائر الأمريكية بتنسيق الأدوار مع إيران في أفريقيا إلا أن قياداتها تعاملت مع المملكة العربية السعودية في التصدي لما عرف بالمد الشيعي و قد كانت إفريقيا اكبر مسارح هذه المواجهة فتدفقت رؤوس الاموال السعودية و إستثماراتها و أنشئت المصارف الإسلامية و الشركات ومنظمات الدعوة و مؤسسات العمل الإجتماعي و التعليمي و المراكز الإسلامية و انفتحت أمام عضوية الحركة أبواب الهجرة للعمل في المملكة و دول الخليج و على الرغم من أن الحركة السودانية كان لها موقف سياسي من التبشير الكنسي و تغلغل الكنيسة في إفريقيا باعتبارها اداة إستعمارية للسيطرة على القارة و علي الرغم من أن المملكة ليس فيها وجود مسيحي يذكر يمثل تحدياً للسلفيين إلا أن الحركة إستخدمت اللغة السلفية في مخاطبة القيادات الرسمية و الشعبية في المملكة التي إستحضرت ميراث مدرسة إبن تيمية و ابن القيم في هذه المواجهة ونجحت في إستقطاب دعمها لمشروعاتها في إفريقيا غير أنها مكنت للسلفيين الذين ظلوا في تلك المواقع عندما انسحبت منها الحركة جراء الضغوط الدولية و الإقليمية و قد حدث ما يشبه ذلك تماماً في دول المهجر الأوربي
خسرت الحركة الإسلامية من هذا التحالف إذ ان التيار السلفي ينطوي على عصبية عربية مستعلية على الشعوب الأخرى وافق ضيق في التعامل مع الآخر فعلى الرغم من الرؤية الإستراتيجية المرنة والتي تستوعب التننوع التي تبنتها الحركة في مواثيقها و مواقفها السياسية الواعية تجاة مشكلة الاقليات العرقية و الدينية في السودان و إفريقيا عامة إلا أنها عندما تولت السلطة اهتمت بالتعريب سعياً وراء الوحدة والاستقلال و إستجابة لمطالب التيار السلفي فعربت مناهج التعليم العالي وغيرت كثيراً من أسماء المرافق العامة إلى أسماء عربية مقتبسة من التراث الإسلامي وغيرت التاريخ الميلادي إلى التاريخ الهجري و العملة من الجنية - ذي الأصل الإنجليزي إلى الدينار المستعرب - مما عده البعض ميلاناً في معادلة العربية والأفريقية هذا بالإضافة إلى أن إعلامها لم ينجح في أن يبين أن حرب الإنقاذ على التمرد كانت حربا سياسية ضد تمرد على السلطة الدستورية يستظهر بالقوى الأجنبية ويخضع لأجندتها مما اتاح الفرصة للإعلام المعادي في أن يصورها كحرب السودانيين المسلمين ضد إخوانهم المسيحيين او حرب السودانيين من أصول عربية ضد إخوانهم السودانيين من أصول افريقية مما زاد من مخاوف الأقليات المسيحية وغير المسلمة والسودانيين من أصول غير عربية ومخاوف بعض جيران السودان الأفارقة، الذين دعموا المعارضة والتمرد.
شاع بعد إنفصال الجنوب رأي عام بين الإسلاميين لا سيما المتسلفين مفاده أن السودان بانفصال الجنوب قد أصبح أكثر نقاءاً من الناحية العنصريه حيث أصبح معظم سكانه من أصول عربية ومن الناحية الدينية حيث أصبح معظم سكانه من المسلمين مما يتيح الفرصة لتطبيق إسلامي لا تشوهه مراعاة الموازنات السابقة وشريعة إسلامية صريحة ليس فيها (دغمسة) وغالب هؤلاء كانوا من المتحمسين لانفصال الجنوب وهو ادعاء لا يعترف بفشل التجربه الإسلاميه في استيعاب المسيحيين وغير المسلمين في إطار الدولة الاسلامية ويتجاهل أن التنوع ميزة ايجابية تؤهل السودان لأن يكون دولة عظمى ذات أثر في القارة الإفريقية كلها بل وعلى العالم وأن للتنوع فضل في ان جاءت الحركة الإسلامية في السودان اكثر إنفتاحاً وأوسع أفقاً من نظيراتها العربية كما أن له فضلاً في أن يمتاز السودان على غيره من الدول الاسلامية والعربية بان تاريخه لم يعرف دولة مركزية متسلطة ونسي هولاء تاريخ الإسلام الذي استوعب التنوع الثقافي والعرقي والجغرافي الواسع و تعاليم الدين الإسلامي ورسالته العالمية وخطابه لكل الناس ويذهب بعضٌ من هؤلاء إلى إتهام حكومة السودان بالتفريط في ارضٍ مملوكة للدولة الإسلاميه على الرغم من أن الدولة الإسلامية بهذا المفهوم غير موجودة أصلاً الآن ويمكن للبعض أن يقول أن دولة السودان لم تكن اصلاً جزءاً من الدولة الاسلامية او أن السودان إنفصل عنها منذ عهد المهدية إلا أن يقول هؤلاء السلفيون ان غردون باشا وكتشنر قد أعادا السودان الى حظيرة الدولة الإسلامية من جديد !! عموماً فإن السلفية خلقت توتراً عاماً بين المسلمين و مواطنيهم في كثير من الدول الإفريقية وباتت تهدد روح التعايش فيها و الكسب الكبير الذي حققه الدعاة و رجال الطرق الصوفية الذين أورثونا ربع مليار مسلم في إفريقيا جنوب الصحراء و نظرة إلى ما يحدث في الصومال ونيجريا و كثير من دول غرب إفريقيا تكفي شاهداً على ذلك
هذا بالإضافة إلى العوامل التي أدت إلى تنامي السلفية عامة ومنها تصاعد المواجهة السياسية بين الحركات الاسلامية والانظمة الحاكمة والغرب وقد كانت الدول الغربية - في مقابلتها للحركات الاسلامية المعاصرة وما يعرف بالاسلام السياسي- تدعم ما تسميه بالانظمة والجماعات الاسلامية المعتدلة في الجزيرة العربية والخليج والتي كانت تحتضن هذه الدعوات السلفية . و قدمت بعض الدوائر العربية الدعم للحركات السلفية وهي تواجه المد السوفيتي بالتعاون مع بعض الدوائر الغربية ، كما قدمت لها الدعم مرة أخرى وهي تواجه تنامي مؤثرات إنتصار الثورة الايرانية والتيارات الشيعية كما أسلفنا ويبدو أن ذلك كان أيضاً بدعم من بعض الدوائر الغربية التي ابدت إنزعاجاً لتنامي الفكر السياسي الجهادي الاسلامي وما كانت تسميه بظاهرة ( حزب الله ) ،
أما على الصعيد الداخلي في السودان فقد كانت التيارات السلفية موجودة منذ وقت طويل وتعتبر دعوة محمد احمد المهدي دعوة سلفية من حيث أنها دعت الى تجاوز المذاهب واختلف زعيمها مع مشايخ الطرق الصوفية وحارب البدع الشعائرية المعروفة وتوخى خطى الرسول (ص) في سيرته وأحيا سنته ، على الرغم من نشأته الصوفية وإعتماده على الكشف الصوفي والحدس . وقد أشار بعض المؤرخين الى تأثره بالحركة الوهابية على الرغم من أنه لم يسافر خارج السودان وقد توالى دخول الدعوات السلفية الى السودان في القرن الماضي. ولكنها كانت محدودة الأثر في مجال العمل السياسي ، وقدمت لها المجموعات التي انشقت عن الحركة الاسلامية في عقد الستينات والتسعينات دعماً قوياً .وقد أسس أحد هؤلاء المنشقين جماعة الإعتصام بالكتاب و السنة السلفية
إستفادت الجماعات السلفية من إنشغال عناصر الحركة الاسلامية الفعالة في النشاط السياسي والجهادي والتنفيذي في عهد الانقاذ ومن تراكم الاخطاء في تجربة الانقاذ والدعاية المعادية لعناصرها والحديث المتكرر عن الفساد والانشقاق الذي خيب آمال كثير من الاسلاميين محلياً وعالمياً والذين تعلقت آمالهم بالحركة الاسلامية السودانية والذي صور قياداتها كقيادات سياسية تتصارع حول السلطة وتتسابق الى مغانمها . كما استفادت أيضاً من الروح المثالية والتطهرية ( البوريتانية ) وإتجاهات المعارضة السائدة وسط الشباب والطلاب . وإستحوذت على الخطاب الديني عامة لأنها تهتم بالقضايا الجزئية والفردية حيث كثافة النصوص وسهولة وصلها بمصادر الشريعة و نيات التدين، أما الحركة الاسلامية فتهتم بالقضايا العامة التي يتسع فيها الإجتهاد وتحتاج الى جهد أكبر في وصلها بأصول الشريعة الاسلامية و نيات التدين مع ضعف مجهودات التأصيل التي تقوم بها وضحالة بعضها وكثافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاجتهادية مما ولّد فراغاً روحياً وفصاماً معرفياً لدى الشباب والعامة دفع كثير منهم إلى نشدان الطمأنينة الوجدانية و العقلية في الجماعات الصوفية والسلفية
سليمان صديق علي
suliman sidig ali mohammed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.