عندما تولى السيد معتمد محلية غرب بارا الأستاذ/ إبراهيم الطاهر موقعه، بعد تكليفه بهذه المهمة، كتبت ما يلي:«التخطيط السليم والإلمام بمشكلات المجتمع وقضاياه من أهم ركائز العمل الإداري الناجح، خاصة في منطقة تعاني من انعدام التنمية مثل شمال كردفان. كما أن الوقوف على إمكانيات المنطقة وحاجات أهلها، وجمع المعلومات الضرورية، واستنفار طاقات الناس، وشحذ هممهم تتيح للمسؤول وضع خطط تتناسب مع حجم الموارد المالية، والكوادر البشرية المتاحة في المنطقة المعنية؛ وكلما كانت الخطة مرتبطة بواقع الناس، ومتطلبات حياتهم والمصادر الطبيعية كانت أكثر قابلية للتنفيذ ومن ثم النجاح». وهذا ما قام به معتمد محلية غرب بارا في واقع الأمر؛ فهو لم يكتف فقط بالدراسة المتأنية، وجمع المعلومات، بل نفذ إلى العمل، مستفيداً من ذلك كله، ومستعيناً بعد الله سبحانه وتعالى، بالإدارة الأهلية ورموزها وأمرائها سنداً وعضداً له، ومستنفراً أجهزة الحكم المعنية بالأمر من قوات نظامية، وكوادر إدارية، بعد التشاور، والتنسيق مع حكومة الولاية وقيادتها، خاصة السيد الوالي معتصم ميرغني زاكي الدين الذي لم يبخل عليه يوماً بالنصح والتوجيه. بمعنى آخر ما خاب ظننا بالرجل، فها هي الأيام تثبت أنه يشق وهاد شمال كردفان، ويمشي فوق رمالها المتحركة، بخطى مدروسة، متلمساً طريقه بكل حنكة وحكمة، ليضع حلولاً جذرية لمشكلات ظلت عالقة لما يزيد عن ثلاثين عاماً. فعقد أكثر من صلح بين بعض مكونات المجتمع، فيما يتعلق ببعض النزاعات التي لا تخلو منها منطقة، مثل هذه المحلية ذات الطابع الرعوي والزراعي، بيد أنها تتمتع بتجانس سكاني يندر وجوده في هذه السنين التي تطل فيها الفتن برأسها في كثير من مناطق البلاد حتى تصل إلى درجة النزاع المسلح، الذي راحت ضحيته أنفس بريئة. لقد توصل المعتمد لصلح بين قبيلتي، «المعاقلة، ودار حامد ومنطقة القفلة»، و«المساعيد، ومجانين، ومنطقة ود جزو»، بمشاركة فعالة من أمير دار حامد، محمد أحمد محمد تمساح، وأمير المجانين سليمان جابر جمعة سهل، وحضور عمدة المعاقلة صديق جمعة، وعمدة المجانين الجيلي ناصر، وبذلك عادت اللحمة والعلاقات بين القبيلتين إلى سالف ماضيها، من ألفة، وود، وتواصل، وتبادل مصالح. وهذا ما يجعلنا نؤكد دور الإدارة الأهلية، التي ينبغي أن تتوفر لها كل معينات العمل، حتى تؤدي دورها بأكمل وجه، خاصة في هذه المناطق الريفية. كما يوضح هذا العمل ضرورة التنسيق بين الجهات الرسمية والأهلية لحفظ الأمن واستدامة الاستقرار في وقت تعج فيه بعض أجزاء البلاد بمشكلات خرجت عن نطاق السيطرة تماماً. ينطلق السيد المعتمد في هذا المسعى الحميد، من القاعدة الربانية (الصلح خير)، وهي وإن كانت قد جاءت في باب الصلح بين الأزواج إلا أن خصوصية السبب، لا تحول دون شمول المعنى. وفي ذلك يقول ابن عطية: مؤكداً اطراد هذه القاعدة قائلاً: «والصلح خير، لفظٌ عام مطلق، يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خيرٌ على الإطلاق»، سيما وأن الدولة تسعى الآن لتعزيز هذا المفهوم عبر اتفاقيات الصلح التي يتم إبرامها في كثير من مواقع النزاع القبلي. ويقول آخر: «ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى: أن الصلح بين الناس في جميع الأشياء خيرٌ من استقصاء كل منهم على كل حقه، لما فيه من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح». ويبدو أن الأستاذ/ إبراهيم الطاهر، من الذين وفقوا للقيام بمثل هذه الأعمال، التي لا يُفتح بابها، إلا لمن وافق عمله نيته، وصدق في قصده وتوجهه. وإذا تقرر هذا المعنى المتين والشامل، لهذه الآية الكريمة «والصلح خير»، فمن المهم أن نسعى لتوسيع مفهومها في حياتنا العملية، وأصدق شاهد على ذلك سيرة نبينا «صلى الله عليه وسلم» الذي طبق هذه القاعدة في حياته، وهل كانت حياته إلا صلاحاً وإصلاحاً؟ وكما قال شوقي: المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت، بل أنت اليدُ البيضاء من جانب آخر، فإن السيد المعتمد تعامل مع بعض المسائل الإدارية بحياد إيجابي؛ ليضع بذلك قاعدة راسخة نتمنى أن تكون ديدناً لكل من يتولى أمراً من أمور المسلمين. ومثال على ذلك، ما قام به سيادته، في تعامله مع ملف المدرسة الثانوية المستحدثة بإدارية دميرة، حيث حسم الأمر عملياً، بزيارة المواقع المقترحة، ومن ثم اختيار الموقع المناسب، بناءً على معطيات، ومتطلبات تربوية، دون أدنى مجاملة لأي طرف. وبشكل عام، تعد هذه الأمور من صميم عمل الجهات الفنية المختصة، ولذلك لا داعي لاستشارة المواطنين فيها، لأن ذلك قد يضر بالمصلحة العامة؛ خاصة إذا علمنا أن الإدارة مسؤولية بما أنها تتعلق بحقوق الأفراد والمجتمع، ومن ضيع حقاً لمسلم، أو انحاز لجهة أو حابى شخصاً على حساب آخر، فقد خان الأمانة وفرط في واجبه تجاه مرؤوسيه، وتلك كبوة يحاسب عليها القانون والعرف. ولذلك نطالب المسؤولين بعدم الركون لبعض الذين يطرقون الأبواب، مستغلين قربهم من مواقع اتخاذ القرار؛ ليضللوا الجهات الرسمية، بمعلومات لا وجود لها على أرض الواقع، ويعطلون بذلك مصالح المنطقة، خدمة لأغراضهم الشخصية وأهوائهم. ويجب أن يقتصر دور المواطن على الدعم المادي والمعنوي، وليس بالتدخل المباشر الذي قد يخل بسير العمل التنفيذي أو الإداري، ويضر به. فقد ظهر غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد، لا يبالون بشيء إلا مصالحهم الشخصية وتزكية أنفسهم، ومن أجل ذلك يستغلون وظائفهم، وقربهم من الجهات الرسمية والحزبية، ويستخدمون ما تقدمه الجهات التنموية لتحقيق مآربهم، وفي سبيل ذلك لا مانع لديهم من فتنة الناس وتفريقهم دون مراعاة لقربى أو رحم!. وانطلاقاً من مبدأ «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، نتقدم بالشكر للسيد المعتمد على موقفه الحاسم بانحيازه للمصلحة العامة، والتعامل بحنكة ومسؤولية. والشكر للأستاذ/ إسماعيل مكي، مدير عام وزارة التربية، لدعمه القوي الذي كان له أثر واضح في إنفاذ إرادة حكومة الولاية مستندًا إلى التقرير الذي قدمه المعتمد، إذ أدى واجبه بمهنية عالية، حسبما تمليه مصلحة المواطن، ومتطلبات العمل التعليمي والتربوي. إن الإنسان هو أهم عنصر في عملية التنمية، جعل الله له أرضاً ذلولاً ليمشي في مناكبها، ويأكل من رزقه، شاكراً لأنعم ربه وحامدًا له، وهذا لا يتم إلا مع الاستقرار، والأمن والطمأنينة، وكل ذلك لا يتحقق إلا بما قام به المعتمد من صلح. والشكر للوالي لتوخيه حسن الاختيار عملاً بقول الله تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين». مناشدة: قيل إن هنالك نقصاً مفتعلاً في وقود الديزل في بارا، مع العلم أن هذا هو الموسم الزراعي الأهم، ولذلك نناشد المسؤولين التدخل السريع لمعالجة هذه المشكلة.