ما حدث ليلة أمس الأول بمطار الخرطوم يُعتبر الأسوأ في تاريخ فضائح وفوضى المطارات في العالم، حيث يمكن وصف هذه الحالة بالقياسية على كل مستويات مطارات الدول المحترمة، فقد اقتحمت جموع المستقبلين لجثمان الفنان الراحل محمود عبد العزيز الأسوار والبوابات الإلكترونية بل ودمَّرتها، ووصلت حتى مدرجات الهبوط والإقلاع، وحتى لا أسترسل في الوصف دعوني أنقل لكم بعضاً من مشاهد الفوضى التي تم حسمها بعد أن ضاق الحال بالمكان.. غطَّى الشباب الملفَّحون بالسواد مطار الخرطوم، بعضهم يبكي وينوح وأخريات يتمرغن على أسفلت المدرج، وآخرون يبكون في أحضان بعضهم، وفي تمام الساعة «5: 55» هبطت طائرة الإمارات وكادت تدهس بعض «المتمرغات» المتوشحات بالسواد، فحاصرتها تلك الجموع قبل أن توقف محركاتها، ولأن هذا الوضع صار معلولاً ومخالفًا لقوانين ومعايير السلامة الجوية تم حبس الركاب لأكثر من ساعة حتى تأكد للجميع أنها لا تحمل الجثمان، وفي تمام الساعة «6:45» حان موعد هبوط الطائرة المصرية فاستقبلتها الجموع بذات الطريقة مما اضطر قائدها لمغادرة الخرطوم وحبس ركابها حوالى ثلاث ساعات بمطار بورتسودان واشترط عليهم من ينزل فلن يكون له مقعد فيها، وعلى ذلك قس جميع طائرات تلك الفترة الزمنية بما فيها طائرة الدكتور نافع علي نافع وبعض طائرات المسؤولين الكبار. فكلما هبطت طائرة تمت إحاطتها بما يشبه السياج، ومن الغرائب والعجائب والفضائح أن تمت محاصرة طائرة رئاسية تقل رئيس دولة شقيقة بل اقتحم البعض من المنتظرين حتى الصالة الرئاسية، ولعل ذلك لارتباط الطائرة ببرتكول الرئاسة مع إعلان طائرة الجهاز التي تم الترويج عنها عبر وسائط الإعلام المختلفة.. فالأمر تجاوز حدود المطار وتشكلت على الفور لجنة أمنية رفيعة تضم قيادات الأجهزة الأمنية والسيد وزير الداخلية ليستقر الرأي أخيراً على إفراغ المطار وباستخدام القوة المعقولة، وبالفعل في غضون دقائق تمكنت الشرطة من إخراج المنتظرين فسالت دموعهم بالبكاء والغاز معاً، لتبدأ مرحلة أخرى بالمطار وهي نظافة المدرجات والمهابط إذ امتلات بحقائب النساء والنظارات والموبايلات والطرح و«الملافح» السوداء والسفنجات. هذه المشاهد التلقائية تؤكد أن الراحل يتمتع بجمهور كبير من الشباب وأن مسألته تتجاوز الإعجاب بالفنان إلى ما هو أبعد من ذلك، ولنا أن نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولآله وذويه ومحبيه الصبر الجميل. أفق قبل الأخير طائرة جهاز الأمن الوطني التي غادرت للأردن والإعلان عنها كان من أسباب تلك الأزمة التي مرَّ بها مطار الخرطوم. أفق أخير «الحوت» يحتاج الآن للدعاء أكثر من أي وقت مضى.