ظللنا نقول ونردد ونكرر أن ما يجري من مفاوضات مع دولة جنوب السودان، لا طائل تحته، فحكومة دولة الجنوب لا تقدِّر مصالحها ومصالح شعبها ولا ترغب في السلام والاستقرار، فهي تلعب لعبة دولية خبيثة لا علاقة لشعب الجنوب بها، وتنفذ ما تريد قوى غربية في المنطقة، ولذلك تتعنت وتعاند نفسها وهي تعلم أن أي اتفاق بينها وبين السودان لن يتم لو لم يوافق عليه أسيادها الغربيون، وحين يرغبون ويسمحون ذلك. فالموقف الرافض أو المتذبذب والمتأرجح، ليس هو موقفاً تتخذه جوبا لتعويق مسار التفاوض والحل لخلافاتها مع الخرطوم، إنما هو موقف محسوب وتوجيهات تنفذها حكومة دولة الجنوب إلى حين صدور تعليمات جديدة لها. الذي يجب أن تفهمه حكومتنا هنا في الخرطوم، حقيقة ما يجري معها وحولها في أروقة التفاوض، فوفدنا الحكومي لا يفاوض في الأساس الوفد الجنوبي، إنما يتباحث مع وكلاء لجهات أجنبية ومستشارين غربيين يقيمون في مقر المفاوضات هم الذين يحددون لوفد دولة جنوب السودان ما يقول وكيف يتنفس وماذا يأكل وكيف يصافح ولماذا ينطق بنعم أو لا؟؟!! فالقضايا محل الخلاف بعد أن حسمت القمة الرئاسية الأخيرة أهم نقاطها، وبعد أن وضعت مصفوفة كاملة للترتيبات الأمنية، لا ينبغي فتحها من جديد ولا النقاش حولها مرة أخرى حتى تغيِّر جوبا موقفها وتتلون وتتذرع بذرائع باهتة وتتراجع عنها.. فالمنتظر من هذه الجولة التي انتهت بلا شيء أول من أمس، البت في كيفية إنفاذ المصفوفة وإنزال ما اتفق عليه الرئيسان البشير وسلفا كير على الأرض. لكن ذلك لم يتم ولم تتقدم المفاوضات في إطار اللجنة السياسية الأمنية المشتركة قيد أنملة وعاد الجميع بخفي حنين ليتأكد للناس أن جوبا غير حريصة على السلام وغير راغبة فيه، فالقضايا محل الخلاف لا يمكن المساومة حولها مرة أخرى مثل قضية «14 ميل»، وفك الارتباط مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية والفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي اللتين تقاتلان في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. والامتناع عن دعم وإيواء الحركات المتمردة في ولايات دارفور، وقوات ما يسمى بالجبهة الثورية. فهذه القضايا الخلافية لا يمكن أن تتخذ فيها كل يوم مواقف جديدة ومتناقضة من قبل دولة الجنوب، فقد تم فيها التعهد والالتزام، ولا يُقبل أن تصمت الوساطة الإفريقية عن تلكؤ وتعنُّت وفد الجنوب وتلاعبه بالتزاماته بهذا الشكل المخزي، فإما أن تكون الوساطة حاسمة وحازمة في مثل هذه المواقف وتذكِّر كل طرف بما تعهد به، وتصرُّ على عدم الرجوع لنقطة الصفر أو تنفضُّ المباحثات لغير رجعة. وظللنا نقول إن هناك ضعفاً في لجنة السيد أمبيكي يدمغها في حالات كثيرة بالتواطؤ وعدم الحياد والنزاهة، لكن حكومتنا تصرُّ على طيبتها وحسن نواياها وتحسن الظن وتتوسم الخير في هذه الآلية غير الأمينة في وساطتها، فلو كان التلكؤ ونسف المفاوضات تم من قبل الوفد السوداني لقامت الدنيا ولم تقعد ولتم تهديدنا بعقوبات من المجتمع الدولي ورفع الخلاف والملف كله إلى مجلس الأمن الدولي و.. و.. و.!! وقبل البحث عن طريقة وصيغة أخرى لطي هذه الملفات الخلافية مع دولة الجنوب، عن طريق التفاوض المباشر بلا وسطاء ولا جهات دولية وإقليمية تستثمر في قضايانا، ويتدخل من يسوي ومن لا يسوي في شؤوننا، أو إيجاد آلية أكثر فاعلية ونزاهة في قيادة التفاوض للوصول به لحلول نهائية بين طرفي التفاوض.. علينا أن نحدد موقفاً لا لبس فيه، أوضح من الشمس، يقضي بتحرير حدودنا المحتلة في «14 ميل» وطرد الحركة الشعبية قطاع الشمال من جنوب كردفان والنيل الأزرق وكسر شوكة حركات التمرد في دارفور وإغلاق كامل الحدود مع الجنوب ونشر القوات المسلحة في المناطق المتنازع عليها.. ثم وضع اليد على الصدغ في انتظار عودة جوبا لاهثة للتفاوض.