(أنا كرم الله عباس أعلن حل حكومة القضارف) بهذه الكلمة الإنقلابية بدأ والي القضارف المثير للجدل كرم الله عباس بيانه لمواطني القضارف في مايو من العام الماضي والذين فإجأهم بغتة حين قطع البرامج وأمسك بالميكرفون ،بيد أن هذه الخطوة الرايدكالية لم تكن الأولي ، لكن كيف كانت البداية ؟ تلك قصص ربما يصعب الأمساك بخيوطها جميعاً فلكرم الله جولات من السجال والمعارك الحامية مع كل الولاة السابقين بالولاية عندما كان علي سدة المجلس التشريعي فقد أختلف مع الشريف بدر والراحل د. إبراهيم عبيد الله والذي وصل النزاع معه أن حاول كرم الله الإطاحة به عبر انقلاب أبيض من داخل المجلس التشريعي عندما كان في زيارة خارج السودان ثم أعاد الكرة مع البروفيسير الأمين دفع الله إلا أن دفع الله سارع بإستلاف نفس النهج الذي اتخذه المركز مع عراب الحركة الإسلامية في العام 1999 عندما حاصر القوات العسكرية البرلمان فلم يتمكن أحد من الدخول إليه ، لكن لعل أكثر النزاعات حدة قبل أستقالته أو فلنقل الإقالة في ثياب الإستقالة كانت مع د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الحالي فقد أتهمه بتجاوز الشفافية في عدة عطاءات تشييد وصيانة بلغ مجموعها حوالي 12 مليار آنذاك ولم يتردد في نقل هذه إلاتهامات علي الهواء الطلق عبر الصحافة الأمر الذي دفع المركز باعفاء الطرفين كرم الله من رئاسة المجلس التشريعي وعبد الرحمن الخضر من منصب الوالي وهو نهج درج المؤتمر الوطني انتهاجه والذي يعتمد علي فقه لملمة الخلافات وإطفائها علي عجل وفي هدؤ دون أن تمتد ألسنة النيران الي اماكن غير مرغوب فيها وهو أعتبره بعض المراقبين بأنه نهج يتقاطع مع أسس النهج الادراي الإسلامي القائم علي المحاسبة والاحتكام الي مبدأ الشفافية فالاتهامات التي أثارها كرم الله تجاه الخضر لم تكن محل تحقيق أو مساءلة أو عما أذا كانت فقط نتاج مكايدات ضيقة من الطرف الآخر مذكرة الإصلاح وأذا كانت قنابل السيد كرم الله كانت مبكرة مع الولاة فهو لم يتوقف ولم يعد الي مزارعه مستسلماً حين أطيح به من المجلس التشريعي فمن منطلق عضويته القيادية بالمؤتمر الوطني بالولاية سارع بكتابة مذكرة ساخنة سلمها الي نائب رئيس المجلس الوطني بالولاية محمد أحمد الهادي وبدا مسنوداً من ما يسمي بجماعة الإصلاح في ذلك الوقت وطالب في مذكرته بحل الأمانة العامة للحزب والمكتب القيادي ومجلس الشوري وتغيير وزراء حكومة الولاية كما دعا الي إعمال مبدأ الشفافية في الجهازين التشريعي والتنفيذي وبسط المؤسسية والديمقراطية وقال في تصريحات صحافية بعد ذلك أنه منذ شهر أستقبل أكثر من 15 وفداً من قيادات الحزب يؤكدون علي ضرورة الإصلاح وطلبوا منه قيادة مبادرة وجدد اتهاماته لحكومة الولاية بعدم الشفافية وقال ان وزراء الحكومة غير شرعيين ولا يمكن مساءلتهم في الجهاز التشريعي أو الاستماع لتقارير أداء وزارتهم ودعا الي تحالف عريض لمحاربة الفساد ، ومن الواضح ان هذه النزعة الاصلاحية الريادكالية بآليتها النافذة وخطابها الملتهب لم تكن مألوفة لدي أدبيات ونهج المؤتمر الوطني ولا تتفق مع مزاجه العام القائم علي أسلوب الهمس من داخل الغرف المغلقة لكن يبدو رغم التمللل الذي أبداه المركز العام من ثورية وجنوح كرم الله غير ان ذلك لم يلجم حصانه الجامح زعامة الولاية ولم يتردد كرم الله من خوض التنافس الانتخابي للصعود لسدة الولاية سيما فقد بات مسنوداً من قطاعات كبيرة من المؤتمر الوطني بعضهم مزارعين وإصلاحيين محافظين بالاضافة الي رضا الشارع العام وهو أمر أجبر المؤتمر الوطني ان يمتنع عن اتخاذ أي خطوة تكتيكية من وراء الستار لابعاده عن الترشيح ، وحينما تم له ما أراد حاول كرم الله ان ينقل كل أشواقه وأفكاره الإصلاحية لكن ليس عبر طبخة هادئة تراعي الواقع الظرفي وعيون المركز التي تراقب بحذر وذلك عندما أعلن انه سيطبق الشريعة الاسلامية في ولايته وهو أمر مطلوب لكنه لم يفصح عن برنامج مرجعي يتكأ عليه ونادي بوقف التعليم المختلط في مرحلة الأساس دون أن يشرع بشكل عملي ومنهجي لاتخاذ هذه الخطوة التي لا خلاف عليها أبتداء ثم وعد النساء ابان حملته الإنتخابية بإيجاد زوجة لكل منهما وهو أمر بدا طريفا وشبهه البعض بوعد بامكار النائب البرلماني أبان الحكم الحزبي عندما وعد مواطنين من غرب إفريقيا في حملته الانتخابية ببناء كبري علي البحر الأحمر ذلك لأن أوج الشبه هو غرابة الحل وطوبائيته أذ أن قضية الزواج تعالج من خلال حركة اصلاح اجتماعي واقتصادي ولا يمكن ان يتم التعامل معها بفقه سوق المواشي منصات حارقة ولم يكن بالونات أو بالأصح منصات الصوريخ للسيد كرم الله قاصرة علي البعد الاجتماعي والسياسي الداخلي لكنه أمتد الي حقل الألغام وهو السياسة الخارجية للدولة والتي تعتبر من صميم اختصاصات المركز فقد دعا الي التطبيع مع إسرائيل ونادي بتحرير منطقة الفشقة من الإحتلال الأثيوبي لكنه سرعان ما تراجع وقال ان ثمة خيوط من الود والتعاون تربطه بعدة مناطق حدودية مع الجار الأثيوبي وهو ما دفع العديد من الأقلام الصحفية أنتقاده واجترارسيناريو طويل من الصراع قام به الرجل داخل أسوار ولايته لكن كرم الله لم يتورع من توجيه منصاته أيضاً للصحفيين ووصفهم بأنهم أصحاب أجندة وتوعدهم بالسجن وهو ما يعني بأن الرجل لا يضع أي حسابات دفاعية يستند عليها ولا يري مآلات أقدامه علي أرض المعارك المتتالية مع المركز أو الحزب أو الإعلام وبدا كما السماراوي الياباني يمتشق سيفه ويقاتل جيشاً كاملا دون أن يتحسس موقع قدمية ولا خارطة الانسحاب التكتيكي عند الضرورة وأذا كان الولاة والسياسيون يتواءمون ويتناغمون مع خطاب الدولة التعبوئي والتنظيمي لحزبهم الحاكم فإن السيد كرم الله لا يلقي بالاً لهذه المحاذير وتلك الخطوط الحمراء فقد أعلنها دون مساحيق أنه لن يقدم دعماً للشرطة الشعبية أو الخدمة الوطنية مما زاد حنق المركز عليه وجعله يسارع بالتمسك اكثر بنسج سيناريو الإبعاد حتي وان لم يكن علي نار هادئة . المعركة الفاصلة وييدو أن السيد كرم الله أعتبر معركته الأخيرة مع السيد وزير المالية علي محمود بخصوص الدعم لولايته هي الأخيرة فقد أطلق كل السهام التي كانت في كنانته دون أن يرمش له جفن وقيل انه دخل معه في مشادة حامية في داخل مكتبه وحينها عاد حانقا الي ولايته فجراً ولم يسكت عن الغضب حتي حينما كان ممسكاً بميكرفون الأذاعة الولاية مطلقاً اتهامات حادة وغير متوقعة الي حكومة الخرطوم بدت وكأنه أستلفها من إحدي المنشورات السياسية لأحد غلاة المعارضين، ولم تمض أيام حينما مارس المركز ضغوطه ليخلي كرم الله سدة الحكم مستقيلاً عائداً الي حقل الزراعة لينتهي الفصل الأخير من حاكم( تربالي) جاء الي سدة الحكم بروح رجل التريسو الطيب وقلب التربالي الذي يقول لمخالفيه مهما كانت العقبات ( هوي والله انت ما فيك فائدة علي الطلاق اعمل العايزو ) انه رجل بلا شك حمل معه تطلعات الغبش وأصطصحب معه حتي رائحة الطين في الحقول لكنه حاول ان ينقل كل هذه الأشواق دفعة واحدة في غابة السياسة.