لقي اختيار السيد كرم الله عباس الشيخ مرشحا لمنصب والي القضارف عن الحزب الحاكم، لقي تغطية إعلامية واسعة تفوق حجم الحدث وأهميته، وهذه التغطية تعطي الانطباع لأول مرة بأن الانتخابات تمت بالفعل وأن السيد كرم الله قد فاز فعلا في الانتخابات وانتخبه أهل الولاية من بين جميع المرشحين واليا لهم، والحال ليس كذلك . السيد كرم الله شخصية رئيس المجلس التشريعي في ولاية القضارف شخصية مثيرة للجدل فقد دارت بينه وبين والي القضارف السيد عبدالرحمن الخضر معركة داحس والغبراء وانتهى النزال المثير بإزاحة الإثنين من منصبيهما بعد تدخل المركز وكان ذلك "قدم سعد" على السيد عبدالرحمن الخضر، الذي عوضه الله تعالى بمنصب والي الخرطوم بدلا من ولاية القضارف وذلك طبعا بعد "استراحة المحارب" التقليدية ، والتي تطول أو تقصر حسب الظروف. أخونا كرم الله انطلق بعد إزاحته من منصبه يفتح ملفات الفساد في الولاية على الهواء مباشرة حتى ليخيل للإنسان أن الولاية كلها غارقة في الفساد وانتهت حملة السيد كرم الله ، ولم تقم جهة بالتحقيق في الإتهامات التي أطلقها السيد كرم الله ، كما لم تقم جهة بمقاضاته. لم يكن السيد كرم الله مقنعا في اتهاماته ولم يستطع أن يبرر صمته سنين طويلة، بطول مدة رئاسته لمجلس الولاية التشريعي ولم يتذكر وجود كل هذا الكم الهائل من الفساد إلا بعد إقالته من منصبه. لماذا سكت الرجل طوال هذه السنين عن الحق رغم أنه،فيما أعلم، لا تنقصه الشجاعة؟ ليس لي بفضل الله من حاجة أرجوها من وال سابق أو وال حال أو وال قادم ولا أسأل الله تعالى سوى الستر وحسن الختام، وأعتقد أن السيد كرم الله الذي شغل منصبه بلا تفويض شعبي، شأنه في ذلك شأن الآخرين لأن ثقافة التفويض الشعبي لم تدخل في الخدمة إلا بعد اتفاقية نيفاشا، ولم ينتخبه ناخبو الولاية لمنصب الوالي لأن الانتخابات لم تقم بعد، له حظوظ الآخرين من الفوز أو الحلم بالفوز بالتفويض الشعبي وبلوغ منصب الوالي عبر صناديق الانتخابات، لكن القضارف في حاجة حقيقية لوال يتوفر له بجانب البعد الشعبي الرؤية الشاملة والنهج العلمي والإرث المعرفي والثقافي والطرح الجديد غير التقليدي لمعالجة شئون الولاية، وهي صفات تتطلب توفر قدرات معينة لا أظن أنها تتوفر للسيد كرم الله الذي احتفل مؤيدوه بسلخ جلد النمر قبل صيد النمر نفسه. السيد كرم الله استمرار لنفس النهج القديم الذي عانى منه أهل الولاية، والذي كان هو جزءا لا يتجزأ منه بوجوده في منصب رئاسة المجلس التشريعي الولائي لأربعة عشر عاما, و في تقديري أن محاولة عودة السيد كرم الله، رغم احترامي الشخصي له، لا تعني سوى إعادة لتعبئة نفس المنتج القديم في عبوة جديدة. غير أن الأمر في النهاية متروك لذاكرة الولاية وصناديق الاقتراع في ظل عملية انتخابية قادمة ما زالت تلفها الضبابية وما زالت ضمانات نزاهتها في رحم الغيب. (عبدالله علقم) [email protected]