إذا رشح في الأخبار أن دولة إريتريا تشهد في عاصمتها محاولة تغيير فاشلة أو مستمرة، فلن يقرر كل الإريتريين المعارضين في وقت واحد وفي نفس الوقت مباركة الخطوة، فليس كل المعارضين هناك على قلب رجل واحد، فهناك الأغلبية المسلمة التي تعاني من حزمة أشياء متعلقة بحقوق الإنسان وتريد أن تكون إريتريا دولة ديمقراطية بصورة حقيقية وليست زائفة كما تراها الآن ومنذ عام 1993م بعد أن نالت إريتريا استقلالها عن اثيوبيا كثمرة لحرب استمرت أكثر من ثلاثين عاماً من أجل تقرير المصير، وترى الأغلبية المسلمة أن طغيان ودكتاتورية أديس أبابا أثناء حرب التحرير قد انتقلت إلى أسمرا بواسطة أسياس أفورقي بعد الاستقلال. وفي نفس الوقت لا تريد هذه الأغلبية في أغلبها حكومة بديلة لأفورقي تكون من شاكلته وطائفته وعقيدته. في مثل الخطوة الانقلابية التي شهدتها أسمرا أمس الأوّل يمكن أن تأتي ببديل لا فرق بينه وبين نظام أفورقي، فقيل إن قائد الانقلاب هو وزير الدفاع الفريق أول سبحت أفريم، وقيل إنه قُتل على ذمة مصدر معارض أفاد قناة الجزيرة. التنظيم الإسلامي المعارض في إريتريا لا يهمه مثل هذا الانقلاب في شيء، ويعتبره امتداداً لنظام أفورقي الذي سرق ثمار الثورة الإرترية، لكن يمكن أن ينظروا إليه بأنه يمكن أن يكون أفضل من نظام أفورقي على الأقل في ناحية الحريات التي يعيش الآن الشعب الإريتري في حرمان منها. والملاحظ أن أفورقي ليس مكروهاً فقط من الإسلاميين فهناك مسيحيون إريتريون كانوا في مواقع رفيعة ومهمة انشقوا عنه ولجأوا إلى دولة مختلفة، والآن قائد المحاولة الانقلابية الأخيرة وزير الدفاع سبحت أفريم يبدو من اسمه من الأقلية المسيحية في إريتريا التي ينتمي إليها إسياس أفورقي.. لكنه حاول هو ومن معه من بعض الضباط الاستفادة من القهر الحكومي الذي يفرضه أفورقي هناك في كل نواحي الحياة. فهناك ملفات ساخنة جداً مثل ملف حقوق الإنسان وملف اللغة العربية في بلد جار للوطن العربي وأغلب شعبه مسلم ويتطلع المسلمون فيه للانضمام لجامعة الدول العربية، وهناك تحالف سياسي إريتري يضم عشرة تنظيمات يسعى للتغيير الديمقراطي، كل هذا من شأنه أن يفتح الشهية للانقلاب حتى ولو جاء كرد فعل لموقف معين اتخذه أقرب الناس للرئيس الإريتري أفورقي الذي اهتز عرش حكمه أمس الأوّل من أقرب الناس إليه. أسياس أفورقي حالة شبيهة بحالة معمّر القذافي. فالأخير إذا كان يتحالف مع مختلف الجهات على اختلافاتهم فهذا ما يفعله أفورقي. هو يتحالف مع الكيان الصهيوني، وفي نفس الوقت يفتح بلاده للشيخ عويس إمام الإسلاميين الصوماليين الذين كانوا في الصومال حكومة شيخ شريف الإسلامية وقبلها الحكومة شبه العلمانية بقيادة حسن صلات. لكن المهم الآن بالنسبة للمواطن الإريتري هو الملفات الساخنة بالداخل. فإريتريا التي يحبها كل شعبها بمختلف اتجاهاتهم، لدرجة أنه لم يبخل عليها بدمه في حرب تقرير المصير إلا أن نظام أفورقي قد حرم منها ومن جمالها وربيعها الدائم كثيراً من المواطنين، فهم في الغربة والمنافي يحترقون بنيران الشوق إلى بلد الربيع الدائم، إلى بلد الحسن. فإلى متى يصر نظام أفورقي على إهانة المواطن الإريتري الغيور على وطنه؟!.. وإلى متى سيبقى في الحكم مستفزاً الأغلبية المسلمة وهو مسنود بالمخابرات الصهيونية التي لا تريد أن يحكم إريتريا أحد المسلمين حتى لا تنضم إلى الوطن العربي وبالتالي تقف حكومتها بوضوح ضد الاحتلال الإسرائيلي ومآسيه. تخيلوا في إريتريا صحيفة واحدة فقط.. وشعب إريتريا لا يريد أفورقي آخر مثل الفريق أفريم وزير الدفاع الذي قاد المحاولة الانقلابية لمجرد أنه غضب من الرئيس كما فعل قوش هنا.