انقلاب ارتريا.. البحث عن حقيقة! تقرير: خالد أحمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته وسط رقصات سمراوات التقراي التي كان يبثها التلفزيون الاريتري اول امس انقطع البث بشكل مفاجئ ليظهر بعدها احد المذيعين ليقرأ بيانا موجها للشعب الاريتري يتحدث عن اطلاق السجناء السياسيين وتفعيل دستور البلاد المجمد من 1997م لينقطع بعدها البث من جديد ويعاود بنشرة الأخبار. كان في مقدمتها خبر عن افغانستان ولم يذكر لا من بعيد ولا قريب شيئا عما يجري في أسمرا. قبل أيام ظهر الرئيس اسياس افورقي على التلفزيون الرسمي في ندوة كان يتحدث بسخرية عن ثورات الربيع العربي وقال إنها لن تأتي الى بلده الذي يجاور العرب في الجغرافيا، وهو لا يدري أن جبال أسمرا العتية لن تعصمه من غدر الرفاق، وعلى الرغم من المعلومات الشحيحة القادمة من اريتريا إلا أن الأنباء قالت إن مائتي جندي من الجيش الإريتري حاصروا مبنى وزارة الإعلام مستقلين دبابتين اول امس إثر بث بيان في الفضائية الإريترية يتحدث عن إطلاق سراح المعتقلين الإريتريين انقطع على إثره البث الفضائي والإذاعي، ومع انه لم يذع بيان اول كاملا يتحدث عن انقلاب فإن الذي يمكن أن يقال إنها حركة عسكرية نفذت ضد الرئيس اسياس افورقي، وعلى حسب موقع المركز الاريتري للخدمات الصحفية ان الضابط الذي قاد عملية اقتحام مجمع وزارة الاعلام وطلب إذاعة البيان هو القائد العسكري عثمان صالح وهو قائد الجيش الذي حمى ميناء عصب إبان حرب السنتين بين إريتريا وإثيوبيا، وكان حينها قد تقرر انسحاب الجيش الإريتري من الميناء تفاديا للخسائر إلا أن الرجل وجيشه رفضا ذلك واستطاع منع احتلال المدينة حسب إفادات إريترية، وتفيد المعلومات ان عملية إخلاء المجمع الذي يضم وزارة الإعلام ومبنى الفضائية الإريترية تم دون إطلاق رصاص، ولا يعرف أين ذهب المتمردون ولا تفاصيل عن التفاهمات التي حدثت بينهم وبين الحكومة حيث الغموض يحيط بالأمر. أسمرا الغامضة لا أدري إن كانت قسوة الجغرافية التي جعلت أسمرا تتربع على سفوح الهضاب تجعلها بكل هذا الغموض، ام أن النظام السياسي الذي أتى على ظهر ثورة ضد النظام الاثيوبي قام بالتهام الثورة وحول البلد لأشبه "بكهف" حيث تعيش اريتريا حالة من العزلة عن العالم، حيث لا تتوفر خدمات هاتف إلا شركة واحدة تتبع للحكومة ومراقبة منها وايضا خدمات الانترنت، ولا يوجد بها صحافة سوى صحيفة واحدة تعبر عن النظام. اريتريا في درجة من الغموض حيث لا يتذكرها العالم إلا في تقارير منظمات حقوق الانسان أو حرية الصحافة حيث تتميز باحتلال آخر المراتب في هذه القوائم وهي دون ذلك تواجه التجاهل الاعلامي. ورغم مضي 48 ساعة على ما وصف بالمحاولة الاتقلابية إلا ان الغموض ما زال يلف مصير الرئيس اسياسي افورقي خاصة وان بعض التقارير الاعلامية تشير الى ان الحالة المرضية للرئيس متدهورة، لكن يستبعد اصابتة او مقتله في هذه المحاولة نسبة لمحدوديتها. المحلل السياسي فيصل محمد صالح وصف خلال حديثه ل(السوداني) ارتيريا بالدولة "الغامضة" وان المعلومات التي تخرج منها شحيحة وان النظام قابض على كل شيء، وبذلك اصبح اكثر الدول سرية في العالم، ومما زاد في تعقيد الاوضاع تجاهل المجتمع الدولي لها باعتبارها ليست لها أهمية في العالم لأن المصالح خاصة الغربية فيها محدودة. وحول المحاولة الانقلابية الاخيرة يقول صالح ان هنالك مجموعات اصلاحية في الحزب الحاكم نادت منذ فترة بالتغيير وفي مقدمتهم نائب الرئيس بطرس سلمون ووزير الدفاع ووزير الخارجية هيلي بن تنساي، إلا ان النظام عاملهم ببطش وهم الآن في المعتقلات، بجانب ان النظام اصبح منغلقا على نفسه ومجموعة ضيقة حول الرئيس هي من تدير الاوضاع، وان الجسم السياسي متمثل في الجبهة الشعبية ليس لديها ادوار في الواقع، وهذا ما افرز الصراع الحالي بين المجموعة العسكرية والسياسية والأمنية. في كل الأحوال إن أي تغيير دون دور كبير للجيش فيه لن يكتب له النجاح. صراع الجنرالات البعض يرى أن المحاولة الانقلابية الأخيرة تأتي كنتاج للأوضاع السياسية المعقدة في أسمرا وهي وصلت لدرجة من الخطورة للوصول للدائرة الضيقة في الحكم والمحيطة بالرئيس اسياس افورقي وبعض جنرالات الجيش والامن، حيث حدثت في الفترة الأخيرة العديد من الاعتقالات في قيادة الدولة والجبهة الشعبية الحاكمة بجانب انشقاقات كبيرة فيها، وخرج بعضهم للمعارضة في الخارج. الآن الصراع الحالي يصفه محللون بأنه صراع مصالح ونفوذ بين القوى الأمنية والعسكرية. الصراع في المؤسسة العسكرية بدأ في بناء جيش جديد يدعى الجيش الشعبي وهو من قدامى المحاربين لحفظ الأمن في المدن نسبة لعدم وجود شرطة، وتم تعيين الجنرال تخلي كفلوم (منجوس) الذي يتمتع بنفوذ كبير في اريتريا، وهذا وسع الصراع مع مجموعة الإصلاح داخل الجيش التي عرفت ب(مجموعة ال15) التي تجد الرضا من وزير الدفاع الذي سحبت منه الصلاحيات، ولذلك ينظر البعض الى هذا الرجل باعتباره محرك المحاولة الانقلابية الأخيرة. والمعلومات تشير إلى ان سلطات الدولة صارت تتمركز في ايدي الرئيس وخمسة جنرالات وهم قادة المناطق العسكرية الخمسة حيث يعملون بتوجيه مباشر من مكتب الرئيس الذي يمثل بدوره مجلس الوزراء الحقيقي، وهذا ماجعل الاوضاع الاقتصادية تتدهور بشكل كبير، بجانب سياسة التجنيد الاجباري للشباب خلقت حالة من السخط خاصة وسط الشباب، وفي هذا يقول احد المعارضين الاريتريين -فضل حجب اسمه- ل(السوداني): انه حتى الآن لا توجد معلومات متوفرة عما جرى بدقة في أسمرا نسبة للتضييق الاعلامي حيث لا يسمح بعمل وكالات الاعلام، إلا أن المعلومات المتوفرة تقول إن حركة الجيش تم احتواؤها وعادت الاوضاع لطبيعتها دون معرفة تفاصيل ماتم، خاصة مع المجموعة التي استولت على مبنى وزارة الاعلام، بجانب عدم ظهور بيان لا من المجموعة الانقلابية ولا حتى من النظام، مشيرا إلى ان هذه التحركات العسكرية نتاج طبيعي لبلد تحكم بالقبضة الامنية، وان التغيير فيها لن يتم إلا عبر الطرق العسكرية ومن داخل النظام، خاصة وان الصراع بين المجموعة الحاكمة اصبح في العلن الآن، بجانب ضعف المعارضة السلمية. ويرى محللون ان ما حدث قد يكون مشهدا من صراع بين الرئيس وجنرالات الجيش خاصة وزير الدفاع صبحت افرينم ورئيس هيئة الاركان فيلبوس جنرال عمر طويل، خاصة وانهم كانوا يحتجون على اوضاع الجيش المتردية وبالاخص المالية منها، حيث بدأت عمليات هروب من عناصره لإثيوبيا والسودان. واعتبر خبراء بالشأن الارتري تحدثوا ل(السوداني) – فضلوا حجب أسمائهم- أن الانقلاب الذي تم والطريقة التي أخرجت به تشير الى انه "مفبرك" من قبل الرئيس اسياس افورقي لتصفية معارضيه في الجيش، لأنه ليس من المعقول ان يتم انقلاب وتتحرك قوته لوزارة الاعلام بدل الذهاب للقصر الرئاسي، وحتى في شكل إنهاء احتلال الوزارة، حيث قدم جنرال يدعى عثمان صالح وبقوة لا تحمل السلاح وتفاوض مع القوات المسيطرة على الوزارة، وبعدها انسحبت بشكل هادئ، ولكن على الرغم من ذلك تشير هذه التحركات إلى وجود إشكال في النظام السياسي. وحول تأثير التغييرات في أسمرا على السودان يقولون إن أي نظام سياسي يأتي في اريتريا سيعمل على بناء علاقات جيدة مع الخرطوم لأنها مصدر شريان حياة اقتصادي للشعب الاريتري، مؤكدين في المقابل أن السودان يتأثر بما يحدث في ارتريا سواء "شرا أو خيرا".