٭ حينما يقول الرئيس البشير إن الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان جزءاً من التآمر على السودان ويقول والي شمال دارفور إن معمر القذافي جاء سقوطه لصالح أمن السودان واستقراره، نعود بالذاكرة إلى الوراء إلى ما قبل سقوط نظامي مبارك والقذافي لنجد أن الحكومة السودانية كانت تفرض على الصحافة المستقلة بالداخل عدم تناول معطيات التحليلات السياسية في مساحات الرأي المعطيات التي ترتبط بالتأثير الإقليمي على استقرار وتقدم السودان إذا ما كانت تشير إلى سلوكيات نظامي مبارك والقذافي. وكان هذان النظامات اللذان استقر بهما المقام في مزبلة التاريخ ينعمان بكبت جزء من الحريات الصحفية في السودان إذ أنهما دكتاتوريان تؤذيهما الحريات وإبراز الرأي الآخر.. كانت حكومة البشير في الفترة الأخيرة تفتح المجال لانتقادها ليس في الصحف فحسب بل في مؤسسات الإعلام الحكومية دعك من الصحافة المستقلة.. لكن انتقاد سياسات نظامي مبارك والقذافي التآمرية ضد السودان، فكان خطاً أحمر.. لكن هل اندهش نظام مبارك من هذا الكرم الحكومي السوداني إذا قلنا إن القذافي لا يسمح له غباؤه وغروره و«عجرفته» بالاندهاش من هذا الكرم الرسمي؟! إن عددًا من المقالات التحليلية وبعض الندوات السياسية بشأن تآمر نظامَي القذافي ومبارك ضاقت بها الحكومة ذرعاً، ونجم عن هذا الضيق إيقاف «الإنتباهة» ثلاثة أشهر، وهذا ما سرّ نظام القذافي الذي كان وقتها مثل ديك المسلمية «يعوعي وبصلتو في النار» كان القذافي يتغطرس على «الإنتباهة» من خلال الحكومة، وكان الثوار في ذات الوقت قد أوشكوا على استكمال فصول إسقاطه، بعد أن اطمأنوا إلى أن أغلب الشعب الليبي ومعه المجتمع الدولي يبغض هذا المجنون المغرور.. زار حسني مبارك الجنوب السوداني قبل الانفصال سراً دون إعلان الزيارة وكأنه هو الزعيم «النيلي» الملهم، وإمام شعوب وادي النيل والوصي عليها.. وقد كتبت مقالاً بهذه الزيارة وشبهتها بزيارات بوش للعراق في الأيام الأولى للاحتلال. وقلنا لماذا تكون زيارة رئيس في قامة «رمسيس الثاني» بهذه الطريقة، وكأنه مدير مخابرات في دولة من الدول المستضعَفة؟!.. لكن الحكومة السودانية رفضت نشر المقال، وكأنها تريد أن تقول «عيب الزول ضيف» لكنه ضيف التآمر، فقد كانت زيارته ممتدة إلى جوبا وكانت العاصمة واحدة هى الخرطوم، فلماذا تكون معها جوبا في ذاك الوقت؟ إنها إجراءات التآمر الذي تحدث عنه الرئيس البشير بعد أن غرق الفرعون في نيل الثورة الشعبية ونجا ببدنه ليحاكم على مطرحه داخل المحكمة. هل يجوز التحنيط في الإسلام ليحنط مبارك ويكون امتداداً للحضارة الفرعونية؟!.. لا يجوز.. وتكفي سطور التاريخ. المنبر الشعبي ٭ بعد أن انفصل جنوب السودان وانطوى في أروقة «منبر السلام العادل» ملفات جنوب السودان ومشاريع التآمر بين الحركة الشعبية والمجتمع الغربي والكيان الصهيوني، برزت على أنقاض تلك الملفات ملفات أخرى جديدة، خاصة بمخلفات الحركة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان.. وتأثيرها على عملية السلام في دارفور وعلى حقوق المسيرية في أبيي، وعلى الأمن القومي العربي بالتعاون مع اسرائيل التي شاهدنا علمها مرفوعاً في جوبا يوم إعلان الانفصال.. فلماذا يُرفع علم الاحتلال الإسرائيلي ولا يُرفع العلم الأمريكي لدور واشنطن في تصميم اتفاقية نيفاشا؟! هل هذه الاتفاقية صيغة يهودية اتخذها الأمريكان دخلاً على الشمال السوداني؟! .. ولماذا لا يُرفع علم الأمم التي رعت من خلال كوفي عنان فصول الاتفاقية أو كان لها على الأقل نصيب من الرعاية والوصاية والسماية؟ لكن نحمد الله أن مالك عقار لم يرفع العلم الإثيوبي في ذاك اليوم بعد أن قال إن ولاية النيل الأزرق أرض إثيوبية. أي مثل إقليم تقراي الذي ينتمي إليه ملس زناوي، وحتى هذا الإقليم كان بمجموعات صغيرة يخوض حرب تقرير مصير ضد أديس أبابا أيام ابن قبيلة «القالة» الرئيس منقستو هايلو مريام ولكنه كان يدين بالولاء لقبيلة الأمهرا التي تتشكل منها قبل إطاحة منقستو طبقة النبلاء، وحتى الغربيون كانوا يحبون الزواج من بناتها، وأحد اليونانيين تزوج بنات الأمهرا وأنجب منها ملكة الجمال الحسناء الشهيرة «مادلينا» وكتب عنها الشاعر المعجب وغنى كلماته الفنان النور الجيلاني: مادلينا أغنية دقت لحناً.. ورنينا.. الشرق أتى والغرب أتى.. وتلاقت قمم يا مرحى فعطاء اللقيا مادلينا.. الأم سليلة أمهرا.. والوالد من قلب أثينا وأبوها ورغم رزاياه يكفي أن أهدى الدنيا مادلينا لكن علم إثيوبيا لم يرفعه عقار في جوبا يوم إعلان الانفصال وزناوي عدل عن انفصال «تقراي» ليحكم بمساعدة المخابرات الأمريكية كل إثيوبيا وتذهب إريتريا مستقلة حتى ينعم زناوي بحكم أرض والدة مادلينا.. أما منبر السلام العادل فهو يسيِّر القافلة إلى النيل الأزرق.. فهو «المنبر الشعبي» بعد تحقيق السلام العادل.. وكأنه يريد أن يجعل من السودان نواة لاستئناف دولة المسلمين الموحدة كما جعل من تركيا محمد الفاتح العثماني.. أي أن يصبح «منبر الأمة».