إنهم يكذبون على انفسهم فقط    بعد انتشار أنباء عن استشهاد قائدها "كيكل" بكردفان.. قوات درع السودان تصدر بيان توضح فيه الحقائق كاملة    تفاصيل بشأن عملية نموذجية للجيش السوداني    شاهد بالفيديو.. بعد أن أقاموا له سرادق عزاء.. شاب سوداني يفاجئ أسرته بأنه على قيد الحياة بعد ظهوره في مكالمة فيديو وأحد أقاربه يطالبه بالعودة سريعا: (تعال الصباح بدري عشان تلحق فطور فراشك)    حقق حلمه وكان دائماً ما يردد: "لسه يا قلبى العنيد لا شقيت لابقيت سعيد".. شاهد ماذا قالت مفوضية اللاجئين عن ظهور الشاب السوداني "مهدي" وهو يغني مع الفنان الشهير تامر حسني داخل أحد المصانع بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. "خواجة" يوثق لتجربته الأولى مع شرب القهوة السودانية.. عبر عن قوتها ويصف الجنزبيل بالشطة "سبايسي"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    جعبوب يحرز برونزية الوثب العالي بدورة التضامن الإسلامي    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية المثيرة للجدل رانيا الخضر تكشف عن علاقتها بمدير مكتب البرهان "سبدرات"    تدخلات طبية وصحية من الهلال الأحمر القطري لنازحي الفاشر بالدبة    المدير العام لقوات الشرطة يتفقد إدارة شرطة تأمين قطاع سكر كنانة    هل ثمة نظام دولي بديل يتشكل فعلا؟ّ!    ساردية يحقق فوزاً ودياً ويؤكد جاهزيته لدوري شندي المحلي    الشعلة والنصر في نهائي كأس السودان برفاعة    (انسوا الدوري الرواندي)    خبير عسكري يطلق التحذير من خطر محدق جديد في السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فوز قاتل ضد الإمارات يقود العراق إلى الملحق العالمي بتصفيات المونديال    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بنزيما متردد بشأن مستقبله مع الاتحاد    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    "خسرنا بالسحر".. مدرب نيجيريا يتهم الكونغو بممارسة "الفودو"    إسرائيل تكشف رسميا عن خطتها على حدود مصر    خالد عمر: تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لا تتعارض مع "الرباعية"    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    روسيا.. سجن إماراتي 6 سنوات بتهمة محاولة تهريب صقور مهددة بالانقراض    زيدان يقترب من تحقيق حلمه    الأولى منذ 7 سنوات.. محمد بن سليمان إلى واشنطن    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    الالعاب الإلكترونية… مستقبل الشباب في العصر الرقمي    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان و القرن الأفريقي بعد رحيل زيناوي


زين العابدين صالح عبد الرحمن
رحيل رئيس الوزراء الإثيوبي " مليس زيناوي" المفاجئ ليس رحيلا عاديا, مثل رحيل أية زعيم أو رئيس دولة في أفريقيا, أنما رحيل ترك وراءه تركة ثقيلة علي المستويين الداخلي و الخارجي, و نحن في السودان, أيضا سوف نتأثر بهذا الرحيل علي مستوي مستقبل العلاقات بين البلدين من جانب, و علي مستوي موقف السودان في العلاقات الأفريقية من جانب أخر, و الرئيس زيناوي كان رئيسا فوق العادة, قد لعب دورا مهما في السياسة الدولية علي مستوي القارة الأفريقية, و حاول أن يضع منهجا جديدا في السياسة الدولية لدولته, و كان يعتقد أن الاستقرار الداخلي لأثيوبيا, يعد العتبة الأولي التي تؤهلها لكي تلعب دورا مقدرا في العلاقات الدولية, الأمر الذي يوسع من علاقاتها الخارجية, و من ثم يفتح لها أبواب الدعم الخارجي, لذلك قال في أحدي خطبه الجماهيرية, بعد وقف القتال مع دولة اريتريا " نحن في أثيوبيا ليس لنا أعداء يهددون وحدتنا و مستقبل بلادنا سوي الفقر, و إذا استطعنا أن نتغلب علي الفقر, سوف نخلق من أثيوبيا دولة متطورة و حديثة, تحتل موقعها بين الدول المتقدمة" كانت هذه الكلمات و التي اتبعها بعمل هي الإستراتيجية التي تبنها في مسيرته السياسية التاريخية حتى رحيله.
في بداية مسيرته السياسية و التي قطع دراسته الجامعية في كلية الطب بسببها, كانت الماركسية تعد المرجعية الفكرية للرجل, لذلك كانت تغلف كل شعارات "جبهة تحرير شعب التغري" و ظل متعلقا بالفكر الماركسي حتى انتصار جبهته و دخولها إلي أديس أبابا, و سقوط نظام "منقستو هيلامريم" بمساعدة دولة السودان من جانب, و من جانب أخر كانت أغلبية قيادات الجيش الأثيوبي رافضة للنظام الماركسي, و إذا نظرنا بموضوعية إلي الجبهة و منهجها و رؤيتها للصراع الداخلي, نجدها تؤكد أن سبب حمل السلاح, كان يتمحور حول قضية أثنية, و لا يحمل منهجا قوميا, و هذا أيضا أثر علي مستقبل و منهج "مليس زيناوي" الذي اتبعه في بناء الدولة الجديدة في سياساته الداخلية. حيث أن "شعب التغري" يمثلون الأثنية الثالثة في أثيوبيا من ناحية العددية فالأرومو يمثلون 65% من شعوب أثيوبيا و 75% من الأرومو مسلمين, و لديهم جبهة تحرير الأرومو و أغلبية قياداتها من المسيحيين, و رغم أن الأرومو يمثلون الأغلبية إلا أنهم علي هامش الحياة السياسية و الاقتصادية في أثيوبيا بسبب إهمال الحكومات المتعاقبة علي أثيوبيا, و أيضا الأمية تمثل 95% و الأهم إن الإهمال كان مقصودا, ثم بعد ذلك تأتي أثنية "الأمهرة" أثنية ثانية من الناحية العددية, و هؤلاء الذين حكموا أثيوبيا طويلا و كان منهم الأمبراطور "هيلاسلاسي" و الآن لديهم حزب " الحزب الديمقراطي لعموم شعب أثيوبيا" و أخيرا هناك عددا من الإثنيات في جنوب أثيوبيا.
بعد استلام جبهة تحرير شعب التغري الحكم بقيادة مليس زناوي, كان أمامها مسئولية كيف بناء السلام و الاستقرار في أثيوبيا, و بما إن الجبهة كانت تمثل أثنية, كان بناء الدولة أيضا ذو ملامح أثنية, حيث حل مليس الجيش الأثيوبي, و كل أجهزة الدولة النظامية, و أعاد بناءها علي أساس أثني, يقوم علي المقاتلين في جبهة التغري, و ساعد مليس في ذلك أن نظام منقستو أيضا كان قد صفي الجيش من القيادات العسكرية ذات الكفاءة العالية, فكانت كل الإثنيات في حالة من الترقب و الانتظار, و في ذات الوقت طلب مليس من كل الإثنيات المشاركة معه في السلطة التنفيذية, ثم وعد أنه سوف يبني دولة ديمقراطية, تتداول فيها السلطة عبر طريق صناديق الاقتراع, الأمر الذي جعل الإثنيات لا تعادي النظام في بداياته, و تنتظر عملية التحول الديمقراطي, و تأتي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. في هذه الفترة كان يجري مليس بناء الجيش و المؤسسات الأمنية من قيادات من جبهته و تجيش أغلبية شعب التغري. ولكنه لم يف بوعده, حيث كانت الديمقراطية صورية, و اعتمد علي النظام السياسي علي الحزب القائد, مع هامش للحرية يساعد علي التنفيس من الاحتقان الشعبي, و يكسب به أيضا ود الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد إعلان دولة اريتريا الحرب علي أثيوبيا, بسبب خلافات علي أراضي مختلف عليها في الحدود بين البلدين, شعر مليس زيناوي إن الرئيس الاريتري " أسياس أفورقي" أعلن الحرب لكي ينتهز فرصة إعادة بناء الجيش الإثيوبي الأمر الذي يسهل عليه كسب الحرب بسهولة, إعلان الحرب جعل مليس زناوي يعيد 60% من قيادات الجيش السابق للخدمة, و دفع لهم مرتباتهم بأثر رجعي منذ حل الجيش, ثم رفع مرتباتهم 50% و قدم العديد من الامتيازات لهم, هذه الإجراءات كان لها انعكاساتها الإيجابية في قضيتين, الأولي أنها أعادة كفاءة الجيش, و التي ظهرت في الحرب مع دولة اريتريا, حيث استطاع الجيش الأثيوبي أن يوقف تقدم القوات الاريترية, و يرجع الأراضي التي دخلتها, و من ثم يضرب العمق الاريتري, القضية الثانية استطاع مليس أن يكسب ثقة قيادات الجيش, و أن يدينوا له بالولاء, الأمر الذي ساعده علي بناء السلام و الاستقرار الداخلي, و من ثم فتح أمامه منفذا خارجيا لكي يلعب دورا مهما في المنطقة الإقليمية.
قال الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عن مليس زناوي, أنه أحد القيادات الأفريقية الشابة الجديدة, و التي سوف تلعب دورا مهما في القارة, جاءت كلمات كلينتون في ظل الأفكار التي كانت تتداول بينه و بين رئيس الوزراء البريطاني في ذالك الوقت انتوني بلير, في نقد النظام الرأسمالي السائد, و الفكر الليبرالي, و تعبيد الطريق إلي ما يسمي " الطريق الثالث في الديمقراطية الاجتماعية" ثم كتب داعما لتلك الرؤية المفكر البريطاني في علم الاجتماع السياسي " انتوني جيدنز" و يعيد الطريق الثالث دور الدولة في الاقتصاد و الشؤون الاجتماعية, بعد ما قدم نقدا للفكر الليبرالي السائد في الغرب. "هذه قضية أخرى" من خلال هذا التفكير الجديد في الإدارة الأمريكية و البريطانية, ظهر جيل جديد من القادة في أفريقيا, كان من بينهم مليس زناوي, و الذي كان في أمس الحاجة إلي الدعم الخارجي لكي يوطن السلام و الاستقرار في أثيوبيا, من خلال محاربة الفقر الذي أعتبره العدو الأول لبلاده.
أدرك الرئيس مليس زناوي, لكي تلعب أثيوبيا دورا في العلاقات الدولية, يجب عليها أن تتخلص من كل النزاعات التاريخية في محيطها الإقليمي, و أن تلعب دورا مهما في السلام في منطقة القرن الأفريقي, ثم تنطلق إلي رحاب السياسة الدولية, لذلك نجده طلب من الحركة الشعبية لتحرير السودان, أن توقف القتال من الأراضي الأثيوبية, و أعطاء أثيوبيا فرصة في أن تلعب دورا في حل المشكلة سلميا, ثم أعاد النبض لمنظمة الإيقاد, و في نفس الوقت فتح أبواب الاستثمار في بلاده إلي دول الخليج, و بعد حادثة 11 سبتمبر أعلن أنه سوف يساهم في حرب الإرهاب, خاصة إن الولايات المتحدة كانت و ما تزال لديها اعتقاد إن تنظيم القاعدة له وجود كبير في منطقة القرن الأفريقي و شرق أفريقا, و هي تتحرك من القرن الأفريقي إلي كينيا و أوغندا عبر الصحراء, حيث تشاد و النيجر حتى شمال أفريقيا الجزائر و المغرب و غيرها, و بالتالي وضع مليس بلاده ضمن إستراتيجية محاربة الإرهاب.
ربط مليس زناوي بين محاربة الإرهاب و محاربة الفقر, و اقنع القيادات الغربية و خاصة الولايات المتحدة, إن محاربة الإرهاب دون محاربة الفقر في المنطقة سوف تكون حرب ليس لها أية نتائج إيجابية, لذلك استطاع أن ينتزع معونات مالية تقدر بأكثر من مليار و ثلاثمائة مليون دولار سنويا, تدفع الولايات المتحدة سبعمائة مليون دولار سنويا منها, و استطاع زناوي أن يسخر كل المعونات من أجل البنية الداخلية و النهضة الزراعية في أثيوبيا, رغم قلة الأراضي الزراعية فيها, ثم ترك مجالات الصناعة و الصناعات التحويلية و العقارات و غيرها في أن تنجزها الاستثمارات الخارجية, حيث تقدر الاستثمارات الخارجية في إثيوبيا في العقد الأخير 28 مليار دولار, ثم فتحت علاقات بلاده الخارجية و التي استطاع أن يشيدها بنفسه أبواب المنظمات المالية العالمية " البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – نادي باريس – ثم الدعم الصيني " و هناك شركات تنقب عن البترول و الغاز و المعادن الأخرى في أثيوبيا منها الصين و فرنسا و ايطاليا و استراليا و الهند و غيرها من الشركات, لذلك ليس مستغربا أن يصل معدل النمو في أثيوبيا إلي 11% و هو من أعلي المعدلات في أفريقيا.
بني مليس زناوي إستراتيجيته علي شقين الأولي محاربة الفقر في بلاد, لكي يقيم الركيزة الأساسية لعملية السلام و الاستقرار, و ظل حتى رحيله يضعها من الأولويات, و يسخر كل دبلوماسية بلاده من أجل التنمية الاقتصادية, رغم أن الغائب الأساسي هو الديمقراطية, رغم أنه أفرد هامش لحرية الصحافة, ثم استطاع أن يقيم عددا من مراكز الدراسات و البحوث في المجالات المختلفة, تطلع بدور مهم في توجيه السلطة الحاكمة و تقدم لها الدراسات المطلوبة, و الشق الثاني إستراتيجية محاربة الإرهاب من جهة و السعي لبناء السلام في الإطار الإقليمي, لذلك كان فاعلا في المشكلة السودانية و مشاكل القرن الأفريقي, و لعب دورا مهما في حل مشاكل و نزاعات السودان, قبل الانفصال و بعد الانفصال, و كان أخرها الاتفاقية التي كانت قد وقعت بين المؤتمر الوطني و قطاع الشمال, ثم إرسال القوات الأثيوبية تحت مظلة الأمم المتحدة إلي منطقة أبيي, برضي دولتي السودان, و في المجال الإقليمي كان دوره في الصومال و مايزال. و كما ظلت أثيوبيا في عهد مليس زناوي تقف إلي جانب السودان في الاتحاد الأفريقي, و ظلت تدعو إلي حل الخلافات عبر الحوار الوطني بين المجموعات المختلفة.
حول مشاكل مياه النيل, كان لإثيوبيا في عهد مليس زناوي دورا كبيرا في اتفاقية مياه النيل, و التي وقعت في عنتيبي, كان مليس يعتقد أن اتفاقيات مياه النيل القديمة و التي وقعت في ظل الاستعمار اتفاقيات يجب أن تتغير, و كان يعتقد أن قضايا التنمية و الاقتصاد تفرض علي الدول تغييرا في اتفاقيات مياه النيل, و هو أيضا الذي فرض علي أثيوبيا بناء سد الألفية, بهدف توليد الطاقة الكهربائية, و الاستفادة من توفير معدل من المياه يساعد أثيوبيا في مجال التنمية الزراعية, هذه الرؤية تعتقد مصر أنها ضد مصالحها في مياه النيل, و هناك نقدا توجهه النخب السياسية الأثيوبية السياسية و الأكاديمية في مجالات التنمية إلي السياسة المصرية في منطقة القرن الأفريقي, حيث تقول أن مصر تركز علي قضيتين في منطقة القرن الأفريقي, القضية الأولي تتعلق بقضية أمن مياه النيل و مصالح مصر المنحصرة في هذا الإطار, و القضية الثانية, قضية أيضا أمنية, متعلقة بمراقبة تحركات إسرائيل في المنطقة, و قالوا إن مصر غابت عن القضايا الأخرى غيابا كاملا, فهي لم تسهم في عمليات التنمية في المنطقة بكل أنواعها تعليمية و ثقافية و اجتماعية و غيرها, حتى المؤتمرات الأكاديمية و البحثية التي تقيمها لا تدعو لها الخبراء و الأكاديميين و المختصين في منطقة القرن الأفريقي و خاصة الأثيوبيين, و إذا كانت مصر استطاعت أن تتواجد علي الأرض الأثيوبية من خلال قضايا التنمية و المعارف, كانت تكون أقرب لصناع القرار في تلك البلاد, الأمر الذي يؤهلها في معالجة القضايا و فهمها بصورة أفضل, و لأنها فقط تنظر إلي العلاقات من خلال الزاوية الأمنية, فهي دائما تميل إلي الاتهام من زاوية المؤامرة, و هي تفاقم المشكلة أكثر و لا تجعلها تساعد علي الحل, هذه الإشكاليات مؤثرة في قضية مياه النيل, القضية الأخرى الأبوية التي تتحدث بها القيادات المصرية هي أيضا تخلق حاجزا نفسيا, و قد ظهر ذلك في الموقف الأثيوبي من قضية اتفاقية عنتيبي حيث رفضت أثيوبيا تقديم أية تنازلات, لكي تؤكد أنها رقم صعب في المنطق له مشروعاته توجيه سياسة المنطقة, و مشروعات تنميتها, و هذا يذكرنا بخطاب الرئيس مليس زناوي في برلمان بلاده عقب الانتخابات حيث قال " إذا أراد المرء أن ينجح في إدارة صراعه مع الجهة المقابلة عليه أن يفهم نفسيتها, و أمكن القوة و الضعف فيها, و أيضا يكون مدركا إلي أماكن قوته وضعفه".
تقول بعض النخب السياسية الأثيوبية و الثقافية, إن العامل الكبير الذي اعتمد عليه زناوي في تمدده في الساحة الإقليمية, هو غياب الدور السوداني الكامل, خاصة في العقود الأخيرة, باعتبار إن السودان ظل مشغولا بصراعاته و نزاعاته الداخلية, والتي استهلكت كل طاقته, الأمر الذي جعله كدولة غابت عن تقديم المبادرات علي المستويين الإقليمي و الدولي, إن كان علي مستوي القرن الأفريقي, أو علي مستوي القارة الأفريقية بكاملها, رغم أن السودان يمتلك من المقومات و العوامل التي تؤهله أن يلعب دورا مهما في الإطار الإقليمي, و الذي يؤهله أن يلعب دورا مهما علي الساحة الدولية, القضية الأخرى إن السودان ركز في بداية عهد الإنقاذ علي الشعارات كأيديولوجية إعلامي, دون أن تكون للشعارات قواعد علي الأرض, الأمر الذي جعله حبيس تلك الشعارات التي حدت من حركته فيما بعد, و كان ذلك كسبا لزناوي في أن يستفيد من غياب الدور السوداني. " هذه القضية يمكن النظر إليها في " السودان و دوره في الصراع الأثيوبي الاريتري بعد غياب زناوي"
هناك العديد من الصفات التي يتميز بها الرئيس الراحل مليس زناوي, و هي صفات تتعلق بالشخصية المدركة لدورها و مدركة أيضا لتناقضات المنطقة, و مدركة للإستراتيجية الأثيوبية, إن كانت علي مستوي الداخل الإثيوبي, أو علي المستوي الإقليمي, هذا الإدراك هو الذي فتح لإثيوبيا أن تلعب دورا في العلاقات الدولية, و توسع من علاقاتها لتحقيق أهدافها, علي المستوي الشخصي كان مليس يستمع أكثر من أن يتحدث, كان ينزل إلي الشارع الإثيوبي دون برتوكولات لكي يسمع من الناس, الأمر الذي كان يرهق الأمن الأثيوبي, ما كان يميل إلي الحديث عبر المنابر و يكثر من التصريحات, و في أحدي تصريحاته الصحفية قال " لدي الناس الكثير ما يريدون أن يقولوه, لأنهم هم الذين يقع عليهم عبء بناء أثيوبيا, و هم الذين يعانون, و بالتالي علينا أن نسمعهم, و يجب علينا أن نقابل ذلك بالعمل, و ليس الإكثار في الحديث لأنهم يتوقعون منا العمل" هذه الكلمات لخصت أبعاد الشخصية, و أيضا كان قارئ كثير الاطلاع, و أيضا كان قريبا من النخبة الأثيوبية علي مختلف تياراتهم السياسية يسمع منهم, و لا تستطيع أن تقرأ في تعبير وجهه شيئا عندما تتحدث إليه أو يتحدث أليك, و رحيله فعلا قد ترك فراغا كبيرا علي مستوي الداخل الأثيوبي, و علي المنطقة الإقليمية. فهل خليفة زناوي قادر علي ملء هذا الفراغ؟
المشكلة في خليفة زناوي هي المشكلة التي دائما ما يخلفها الزعيم الكارزما في نظام شمولي, حيث أنه يكون قابضا علي كل الخيوط, و محتكرا لكل المعلومات و إدارتها, مما يجعل القيادات التي معه تمتلك نصف المعلومة, و غالبا ما تكون مشاركة في صناعة القرار بالقدر الذي يسمح به الزعيم, لذلك يشكك المهتمون بالشؤون السياسة, في قدرة خليفة الزعيم في ملء الفراغ الذي سيخلفه, أما في الدول الديمقراطية, و باعتبارها دولة مؤسسات لا يطرح هذا السؤال بذات الكيفية, باعتبار إن صناعة السياسة تقوم علي المؤسسية, فغياب الزعيم ربما يأتي بجديد يختلف في الأسلوب لكن سوف يسير علي ذات السياسة, لآن السياسة تصنعها المؤسسية, فمستقبل الأيام سوف يكشف ما كان مخبأ في أضابير و دهاليس السياسة في أديس و نسأل الله أن تتجاوز شعوب أثيوبيا الامتحان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.