ذا نيو نشن نيوز بيبر ترجمة الراكوبة مما لا ريب فيه أن غياب الرئيس الأنبوبي مليس زناوي له انعكاسات على مستقبل العلاقات بين جنوب السودان و السودان حيث ستكون له نتائج مهمة، ذلك أن زناوي هو واحد من القادة الأفارقة القلائل الذين لهم فهم عميق للعلاقات المضطربة والمتغيرة بين جنوب السودان والسودان والتي انتهت بالانفصال المرير. إن الجيل الجديد من القادة الأفارقة الذين قادوا كفاح التحرير لشعوبهم قد قدروا نضال شعب جنوب السودان للعدالة و الكرامة و الحرية، وقد شهد الرئيسان زناوي وأفورقي بوجه خاص، حيث قضيا بعض الأوقات بالسودان أثناء كفاحهم للتحرر، وضع شعب الجنوب في السودان الموحد، حيث وصفا وضع اللاجئين الأثيوبيين و الأرتريين في السودان بأنه أفضل من وضع الجنوبيين في وطنهم. وفي عام 1991 بعد سقوط نظام منقيستو الحليف الأوثق للحركة الشعبية، تبنت قيادة أثيوبيا استراتيجية جديدة لبناء علاقات جديدة مع الحركة الشعبية عوضا عن المواجهة. وبالرغم من ان الآراء قد تتباين حول تقييم ميراث زناوي ، فإن شعب جنوب السودان بالأخص دائما يتذكره كقائد ساهم بوضوح في ميلاد دولتهم الجديدة. . وأيضا سيتذكرونه كقائد وقف بجانبهم خلال الفترات الصعبة من كفاحهم. ومع أن جنوب السودان لم يكن واضحا للعيان عند وصول جثمان مليس زناوي إلا أن الحكومة في جوبا و لأول مرة في تاريخها القصير، أعلنت الحداد الرسمي لمدة ثلاثة ايام ونكست الأعلام اعترافا بدور مليس زناوي في ميلاد دولتهم. وفي الحقيقة يمكن للمرء القول أن زناوي يذكر معظم شعب الجنوب برئيسهم الراحل د. جون قرنق فكلاهما يتصف بسمة القيادة الملهمة في أفريقيا. وفي بعض لقاءات زناوي التي كان لي شرف حضورها مع الرئيس سلفا كير دهشت من ذكائه ومعرفته و قدرته على التحليل و التركيز الدقيق و الرؤية البعيدة. وفي أحد هذه الاجتماعات ، أعجبت بتركيزه على كيفية محاربة الفقر في أثيوبيا بالتركيز على البنية التحتية الريفية كأساس للنمو الاقتصادي و مشروع الإسكان منخفض التكلفة كوسيلة لخلق الوظائف و تمكين الفقراء من الاستفادة من الأصول الاقتصادية الهامة والأساسية لكسر دائرة الفقر. ولقد اتيحت لي فرص قليلة للاجتماع به منفردا ولقد ذهلت من معرفته بتفاصيل اتفاقية السلام الشامل وبالأخص مشكلة أبيي .و لقد كان واضحا له بأن مشكلة ابيي قد لا تحتاج لاستفتاء حيث أن ذلك سيكون هدرا للموارد إذ أن محصلة ذلك واضحة للغاية وهي أن دينكا نقوك منطقيا سيختارون الانضمام للجنوب. وايضا كان لديه مشروع إسكان محدد لمنطقة ابيي لتوفير مساكن منخفضة التكلفة للناس في منطقة ابيي كنوع من التعويض لهم للفقد المتكرر للأصول .كما أتيحت لي فرصة الاجتماع به خلال مؤتمر الفدرالية العالمي الخامس و الذي استضافته أديس أبابا في ديسمبر 2010 تحت عنوان" العدالة و الوحدة في التنوع للتنمية" وحيث أني شاركت بورقة عن تجربة السودان عن اللامركزية و تشرفت بتلاوة قرارات المؤتمر، ذهلت من تركيزه على النظام الديمقراطي الأثيوبي الإثني المتفرد كأساس للوحدة وبناء السلام و الإدارة الجيدة و التنمية العادلة المستدامة. أما في الخرطوم فإن الحداد على رحيل زناوي فقد كان مختلفا، ، وبالرغم من أنه لم يعلن الحداد الرسمي إلا أن جميع الصحف ووسائط الإعلام العامة قدمت تغطية عميقة لإرثه و دوره في تطوير علاقات خاصة بين أثيوبيا و السودان. فقد بدأت العلاقات بين السودان و أثيوبيا تتدهور بعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، وفي الوقت الذي صار فيه الرئيس البشير معزولا إقليميا ودوليا بسبب الجرائم المرتكبة في دارفور حافظ الرئيس مليس زناوي على علاقات خاصة وشخصية مع الرئيس البشير. وفي الحقيقة كان زناوي هو الصديق الوحيد الذي بقي للرئيس البشير في المنطقة و القارة. ولقد كان الرئيس زناوي هو الرئيس الأفريقي الوحيد الذي حاول رؤية بعض العناصر الايجابية في الصورة الملوثة للسودان . وقطعا فإن النظام في الخرطوم حزين على فقد القائد الوحيد الذي كان ينصت لهم ويلطف مواقفهم المتشددة للقارة و العالم. وفي السنوات الأخيرة بدأ الرئيس زناوي يدرك أن استثماره في العلاقات الجيدة مع البشير لم يعطي ثماره، خاصة بعد اجتياحه لأبيي و دفعه سكان جنوب كردفان و النيل الأزرق للعودة للحرب، كما أن الأصوات الإسلامية المطالبة مؤخرا بتأسيس دولة إسلامية في أثيوبيا قد أغضبت الشعب في أثيوبيا حيث يُزعم أن للسودان وبعض الدول الإسلامية يد خفية في تنظيم و دعم مثل هذه الأجندة للإسلام السياسي في أثيوبيا و حتى عبر القارة. وبالتأكيد فإن الرئيس مليس زناوي في الأيام الأخيرة قد احس باللاسف لخذلان البشير له وهو قد سعى لإقامة سلام مستدام في السودان و بناء علاقات جدية بين السودان وجنوب السودان. ومن دون شك فإن الرئيس زناوي كان الزعيم الوحيد في القارة الذي كانت له علاقات جيدة مع الجنوب و السودان وحتى خلال أصعب الأوقات عندما كان البلدان على شفا حرب واسعة النطاق. وبالتأكيد فيظل جنوب السودان و السودان جاران استراتيجيان لدولة أثيوبيا . إن الطريقة التي ستواصل بها القيادة الجديدة في أثيوبيا لعب الدور الخاص الذي لعبه مليس زناوي في المحافظة على علاقات جيدة بين جنوب السودان و السودان ستعتمد على المصالح الاستراتجية الجديدة لأثيوبيا بعد زناوي. وحقيقة كون أن نائب رئيس مجلس الوزراء لم يتم إقراره فورا كرئيس جديد لمجلس الوزراء تُظهر أن هنالك بعض المناقشات السياسية الهامة داخل الحزب الحاكم. إن إقرار نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي سيكون اختبارا لالتزام الحزب الحاكم ( الجبهة الشعبية الثورية الدمقراطية الأثيوبية ) ، لسياسة الالتزام بالوحدة مع التنوع في ظل النظام الفيدرالي الإثني . وبالرغم من السياسات الإثنية للمجموعات الإثنية الكبيرة ( الأرومو و الأمهرا و التيغري) فإن المرء يتوقع إن الجبهة الشعبية الثورية الدمقراطية الأثيوبية ستقنع هذه المجموعات الإثنية الكبيرة لإقرار نائب رئيس الوزراء الحالي والذي ينحدر من إثنية ولايتا الصغيرة كرئيس جديد لمجلس الوزراء و أن يساعده نواب أكفاء من تلك المجموعات الإثنية الكبيرة. وإذا أقرت الجبهة الشعبية الثورية الدمقراطية الأثيوبية نائب رئيس مجلس الوزراء كزعيم جديد فإن أثيوبيا ستقدم مثالا جيدا جديدا للخلافة السلسلة في أفريقيا وليس ذلك فحسب ولكن ايضا تقدم سابقة نادرة لمدني يصبح القائد الأعلى لجيش التحرير. وبإقرار هايليماريام ديسالجان رئيسا لمجلس الوزراء، فإن الجبهة الشعبية الثورية الدمقراطية الأثيوبية تُقدم نموذجا عمليا لالتزامها لمبدا الوحدة في التنوع في إطار النظام الفيدرالي الإثني مما يجعل أثيوبيا اكثر قوة و أكثر اتحادا. وبوجود السيد هايليماريام كزعيم جديد فهنالك فرص للجبهة الشعبية الثورية الدمقراطية الأثيوبية لتعزيز إنجازاتها ومن ثم العمل نحو خلق فضاء سياسي أرحب و حرية تعبير أوسع بهدف جعل أثيوبيا اكثر ديمقراطية و ازدهارا. وايضا فهنالك فرص للزعامة الجديدة في أثيوبيا بتبني علاقات جديدة تقوم على اسس جديدة مع جيرانها خاصة السودان و جنوب السودان و أرتريا. ومع القيادة الجديدة في أثيوبيا سيكون لجنوب السودان علاقات أكثر متانة مع أثيوبيا حيث أن هذه العلاقات تجاوزت العلاقات بين القيادات لتصبح علاقات بين الشعبين. وقطعا سيكون الرئيس سلفا كير أقرب الزعماء الأفارقة قربا من القيادة الجديدة في أثيوبيا كما أن الجنوب سيكون في قمة الأصدقاء الاستراتيجيين لأثيوبيا بينما قد يجد النظام في الخرطوم صعوبة في التعامل بسهولة مع القيادة الجديدة في أثيوبيا علما بأن العلاقات الخاصة التي سادت بين البشير و زناوي قد لا تستمر على نفس المستوى والوتيرة. [email protected]