تروي بعض المصادر الموثوقة أن الأمن المايوي عندما اعتقل مبارك المهدي قطب حزب الأمة المعروف تم وضعه في زنزانة منفردة وضيقة أرضيتها عبارة عن مثلثات حادة الرأس من الأسمنت بحيث يصعب عليه الجلوس والرقاد وقيل إنه لم يحتملها فجاءه فرد من الأمن وفق سيناريو متفق عليه من الإدراة فقام بإخراجه منها ليلاً باعتبار أن ذلك تصرف فردي منه عربوناً للصداقة، وعندما توطَّدت الصلة بينهما أكثر وعده وعداً آخر وقام بتنفيذه لكن لهذا الوعد تداعيات وحكايات من المستحيل ذكرها هنا وبالطبع لم تكن كلها في صالحه بيد أنه لا أحد سوى مسؤولي الجهاز البارزين يدركون مدى تأثيرها وانعكاستها السلبية على حزب الأمة فيما بعد سيما وهو من الكوادر الشابة المؤثرة منذ ذلك الوقت والتي تطَّلع على العديد من الأسرار، لكن المهم أن الحدث يكشف الحس الأمني الضعيف لزعيم حزب الأمة المشاكس رغم حنكته السياسية المتمثلة في المناورات البرجماتية والقدرة على الحوار الجدلي. طموح مبكر منذ أن أتم مبارك الفاضل المهدي دراسته الجامعية في بيروت ثم جامعة شيلر الأمريكية لم يمضِ وقت قصير عندما ولج إلى باب السياسة من بوابة حزب الأمة حيث لم يبارح في ذلك الوقت العقد الثاني من عمره مما يكشف الطموح السياسي المبكر وانضم مع حزبه لمعارضة نظام نميري تحت عباءة الجبهة الوطنية المعارضة والتي فشلت مساعيها للقيام بعمل مسلح في العام «1976» وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاماً وعقب انتفاضة أبريل «1985» التي أطاحت النظام المايوي برئاسة جعفر نميري تفتحت شهية الشاب مبارك للعمل السياسي وانداح وتمدَّد سقف طموحاته السياسية بينما عاونه ابن عمه الصادق المهدي زعيم الحزب بإعطائه سلم الصعود حيث ترشح باسم الحزب في البرلمان ونجح في الدخول إليه وعندما حاز الحزب الأغلبية البرلمانية وشكل حكومة ائتلافيه تقلد مبارك المهدي منصب وزارة الصناعة ثم الاقتصاد والتجارة الخارجية ثم الطاقة والتعدين وأخيراً وزارة الداخلية. المعارضة الثانية وعندما استولى الإسلاميون الحكم في العام «1989» شركاء حزب الأمة في الأئتلاف قبل خروجهم منه خرج مبارك الفاضل إلى أسمرة وساهم في إنشاء ما يُعرف بالتجمع الوطني الديمقراطي في العام «1990» ثم مالبث أن صعد إلى منصب أمينه العام بعد خمس سنوات فقط باعتبار أن حزب الأمة يتمتع بثقل سياسي مقدر بالإضافة إلى المقدرات الشخصية لمبارك التي تتمثل في النشاط الحركي والانفتاح على اللآليات الإعلامية الإقليمية و الدولية بأسلوب يتسم بالحدة السياسية ولا يخلو من البرجماتية وقد ظهرت ملامح هذا الخطاب عندما قذفت الولاياتالمتحدة مصنع الشفاء في العام «1998» بحجة أنه يحوي صناعة كيماوية وقف في إحدى القنوات الفضائية وقال إنه ليس المصنع الوحيد ثم أشار إلى مصنع في المسعودية وهو حديث سبَّب إحراجاً لحزب الأمة في ذلك الوقت أمام الرأي العام السوداني الذي استنكر عملية الاعتداء حيث بدا حديث مبارك في العقل الجمعي في خانة التخندق مع العدو. عتبة الصعود وصراع السياسة عاد مبارك المهدي إلى البلاد في إطار مصالحة قادها الصادق المهدي مع نظام الإنقاذ أسماها «تفلحون» وربما كان مبارك المهدي في قرارة نفسه أكثر تحرقاً لإتمام هذه المصالحة باعتبار ان أشواق وتطلعات إسقاط النظام والعودة على ظهر سيارات عسكرية أو حتى عبر انتفاضة شعبية بدت صعبة المنال الأمر الذي من شأنه أن يفرمل طموحات مبارك المهدي الكبيرة والتي سرعان ما ضاق بها حتى حزبه «الأمة القومي» فانشق عنه في العام 2002 فأنشاء حزبًا رديفًا أسماه «حزب الأمة الإصلاح» ولج من خلاله إلى القصر الحاكم مساعداً لرئيس الجمهورية وفي تلك الفترة دخل مع زعيم الحزب الأصل الصادق المهدي في خلافات حادة ومعتركات كلامية ساخنة حتى أنه كتب له في العام «2004» مذكرة ذكر فيها «شاركنا في الحكومة ولم نتلقَّ مليماً وتسلمت تعويضًا يبلغ مليون دولار ومبالغ أخرى «في إشارة للصادق المهدي»، خابت تقديراتك السياسية وننصحك بدور أبوي والابتعاد عن صراع السلطة والركض وراء رئاسة الوزارة والدول مع المعارضة المسلحة وبداية البحث عن بديل للنظام»، ثم قال ايضاً: «بعد الفراق أصدرت عني كتاباً ذيلته ومهرته باسم ابنتك رباح حشوته أكاذيب ومغالطات كانت أشبه بأحاديث خرافة مسترجعاً ومعيداً ذات التهم وكانت أولى هذه الافتراءات والأباطيل تذييلك للكتاب باسم ابنتك رباح مع أن وقائع الموضوعات وظروف زمانها ومكانها مرتبطة بشخصينا ولا أحد سوانا» ثم اتهمه أيضاً في مذكرته بتذبذب المواقف، وقال: «لقد كنت تفاوض النظام سراً في الخرطوم ولوزان وجنيف والمعارضة في أوجها دون علمنا ولما استجبنا للمصالحة والوفاق وفارقنا التجمع الوطني الديمقراطي فإذا بك تختار طريقاً ثالثاً لا مع المعارضة ولا مع الحكومة» وحين تعرضت الإنقاذ إلى ضغوط دولية من الولاياتالمتحدة والغرب وبدأ الحديث عن الدعم المادي والحديث عن إسقاط النظام ربما حركت هذه التطورات أشواق وطموحات مبارك المهدي اللا محدودة ففكر في لعب دور أكبر في المعادلة القادمة في الحكم فبدأ نشاطًا سياسيًا خارج ستار السلطة حيث كان مصراً على تلبية دعوة أمريكية، وأُشيع أن مبارك يُعد نفسه لدور كرزاي السودان وربما كانت هي أو غيرها عجَّلت بخروجه من القصر الرئاسي في العام «2004»، وفي العام «2007» اتهمته الحكومة بالمشاركة في التآمر مع خلية انقلابية وتم سجنه عدة أشهر.. لكن طموحاته السياسية الطافحة لم تتضعضع ورشح نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية في ظل نظام الإنقاذ وإبان الحملة الدعائية لهذه الانتخابات سأله مقدِّم البرنامج في قناة «النيل الأزرق» الأستاذ بابكر حنين عن حديثه السابق الذي حرض فيه الولاياتالمتحدة على ضرب مصنع آخر بعد ضرب مصنع الشفاء حينها ابتسم وقال: «ده ما أنا ده مبارك مصر»، والحديث يكشف برجماتية مبارك السياسية فضلاً عن طموحات لا ساحل لها لرجل مثير للجدل مدمن على حرق المراحل عاشق للزعامة السياسية حتى الثمالة .