في يوم الثلاثاء 15 جمادى الأولى 1432ه الموافق 19أبريل 2011م نشرت بهذه الصحيفة مقالاً بعنوان: «هذا ما يتمناه أهل العفاض في عهد ثورة التعليم وانتشار تقنيات نقل المعلومات» ومما كتبتُه فيه ما يلي: ««.. على الضفة الشرقية من النيل العظيم وبالولاية الشمالية تلك الولاية الصابرة الصامدة الصامتة على مر الدهور وتعاقب الحكومات.. حيث لم تشكو أو تئن !!.. تقع منطقة «العفاض» حيث أكثر من عشرة آلاف مواطن.. ينتشرون في قرى كثيرة ومأهولة «أبو سعيد والقلعة والحصايا والعلمار وباذرنجر والكربة وأب حصي وترقسي والنوراب وأبكُر».. إلا أن معاناتهم الكبرى والتي بسببها خطَّ قلمي هذا المقال تتمثل في عدم وجود مدرسة ثانوية للبنين أو البنات بهذه المنطقة الشاسعة المساحة الممتدة على ضفة النيل.. حيث يدرس الطلاب مرحلة الأساس في مدارس هي فقيرة من كل شيء!! اللهم إلا من الرغبة الأكيدة للتلاميذ وآبائهم وأمهاتهم في مصارعة الصعاب والتغلب عليها، ومواصلة التعليم رغم الأحوال التي هي فوق طاقتهم. ثم بعد مرحلة الأساس يقف الآباء والأمهات وأبناؤهم في مفترق طرق إذ إن أقرب المدارس الثانوية التي يمكن أن يدرس بها أبناؤهم هي: مدرسة قرية «رومي البكري» بمحلية القولد!! حيث يوجد بها سكن داخلي للتلاميذ والتلميذات!! ولا يوجد سكن داخلي للتلاميذ بمدرسة الدبة والذي يوجد بالدبة هو للتلميذات فقط لذلك يرسل بعض الآباء أبناءهم إلى تلك المنطقة البعيدة وأبناؤهم وبناتهم في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة!! ولا نحتاج إلى وقفة للإشارة إلى هذه المرحلة من العمر وما يعتريها، وقد أخبرني بعض أولياء أمور هؤلاء التلاميذ والتلميذات أنهم يبقون مدة أسبوعين ليجهزوا لأبنائهم وبناتهم «الزوادة» من التمر و«القرقوش» وغيرهما من الزاد ليحملوه معهم ليقضوا به فترة الأسبوعين في تلك الداخليات. وقسم آخر من أولياء الأمور لا يستطيعون تحمل مصروف سفر أبنائهم وبناتهم وعودتهم والنتيجة أنهم يُبقُون أبناءهم وبناتهم معهم ليتجهوا معهم إلى رعي البهائم وعلفها أو «حش القش» أو غير ذلك من المهن المتيسرة، وقد كان من بين هؤلاء التلاميذ والتلميذات من حققوا نتائج متفوقة ودرجات متقدمة على مستوى محلية الدبة في مرحلة الأساس.. لكن مكانهم كان بدلاً من مواصلة التعليم هو العمل في: «مزارع» و«زرائب» أهلهم. إن أمنية أهل تلك الديار التي انطلق منها ومن حولها سابقاً تعليم القرآن إلى بقية أرجاء السودان إن أمنيتهم الكبرى أن يتحقق حلمهم ببناء مدرسة ثانوية «مزدوجة» والفرق بين المزدوجة والمختلطة معلوم ولو بأبسط المواصفات ليتحقق لهم ولأبنائهم بها ما ينشدونه من تعليم في هذا العهد ؛ عهد محو الأمية.. وانتشار المعلومات... وتفجر ثورة التعليم!! وإننا نطمع أن يتحقق لهؤلاء الصابرين الصامتين هذا الحلم.. وإن من لقيهم وزارهم ورأى معاناتهم وشاهد فرحتهم عندما استلموا «التصديق ببناء المدرسة» لبذل كل ما لديه من وقت أو رأي أو مال أو شفاعة لإقامة هذا المشروع المهم الضروري. وأهمس في أذن كل من له صلة بتلك المنطقة خاصة أبناء العفاض داخل السودان وخارجه للإسهام في ذلك وتبني هذا المشروع و«الجمرة تحرق الواطيها» وينبغي أن يكون لهم أسوة حسنة في كثير من أبناء هذه الولاية وغيرها ممن شمروا عن سواعدهم ولم يركنوا أو يلتفتوا يميناً أو يساراً وقاموا بجهود كبيرة في تحقيق مشروعات احتاج لها أهلهم.. وإنه لشرف وتوفيق لا يلقاه إلا الموفقون.. ولا يحرم منه إلا المحرومون.. وهو من أعظم أنواع الصدقات الجارية. كما أضع هذه المعاناة الكبيرة و«المقلقة» بين يدي من يهمهم الأمر من ولاة الأمر في هذه البلاد.. سواء في الحكومة الاتحادية أو حكومة الولاية الشمالية.. لنرى منهم بتوفيق الله تعالى لهم حلاً لهذه المشكلة الكبيرة.. لتكتمل الفرحة التي حصلت لمواطني تلك المنطقة بدخول الكهرباء ديارهم قبل عامين، ورؤيتهم لطريق «مسفلت» يمر قريباً من ديارهم وافتتاح كبري الدبة قبل عدة أشهر. فهل سيتحقق حلمهم وتكتمل فرحتهم ولو ببناء مرحلي جزئي لهذه المدرسة لتفتتح مع بداية العام الدراسي المقبل ؟! ويكفل لهؤلاء الأجيال حقٌ من حقوقهم على مجتمعهم ووطنهم؟! هذ ما نؤمله في الله سبحانه وتعالى الذي بيده الأمر من قبل ومن بعد.. ثم في من وجهت إليهم هذه الرسالة التي ساقني إلى كتابتها منظر أولئك التلاميذ حيث لا تختفي مشاهدهم عن خاطري منذ أن رأيتهم.. ألا هل بلغت ؟! اللهم فاشهد...»» هذا ما كتبته قبل ما يقرب من العامين، واليوم أكتب فرِحاً مسروراً محدثاً بنعمة الله تعالى، مبشراً كل من له صلة بهذه المنطقة، بل كل محب للعلم والتعليم، وكل من يسعد بتيسير الخير عن الناس ورفع معاناتهم.. أبشر بان يوم أمس الأربعاء 18 ربيع الأول الموافق 30 يناير 2013م، قد كان يوم انطلاق العمل الميداني في تشييد صرح عظيم، هو أكبر مما كان يتمناه أهل المنطقة، ببناء «مجمع» وليس مدرسة مزدوجة، وتشييد قلعة علمية تتكون من مدرسة ثانوية للبنين وسكن للطلاب وسكن للمدرسين، ومدرسة ثانوية للبنات وسكن للطالبات وسكن للمدرسات.. على مساحة خمسة عشر ألف متر مربع، وبتكلفة تجاوزت الأربعة ملايين جنيه، أربعة مليارات بالقديم، ويتم إنجاز المرحلة الأولى من المشروع في فترة ستة أشهر. وقد تكفل بتشييد هذا «المجمع» رجل الأعمال ابن العفاض العم السيد طه علي البشير جار الله، من نفقته الخاصة وفاءً لبلده بلد آبائه وأجداده، وإسهاماً في حل مشكلة هي من أكبر مشكلات المنطقة، وخدمة للعلم والتعليم، وقد عمّت الفرحة قرى العفاض يوم أمس والتقى مجلس المنطقة ولجانها الشعبية برعاية كريمة من الأستاذ عصام عبد الرحمن معتمد محلية الدبة التقوا بفريق المهندسين المدنيين والمعمارين الذين اختارهم السيد طه علي البشير من أبناء إخوانه وأخواته ليتولوا تنفيذ هذا المشروع بمواصفات مميزة وتعبيراً عن هدف سامِ وهو حق صلة القربى وحق الرحم وهو من أبرز أسباب إقامة المشروع وهو رابط عظيم وللنفقة فيه الأجر الكبير، وتحت إشراف ومتابعة مباشرة من الأستاذ عصام عبد الرحمن معتمد محلية الدبة. والذي له جهوده الكبيرة والطيبة في المحلية كلها، وقد شهدت الأيام الماضية تدشين كهرباء مشروع العفاض الزراعي تحت رعايته ومتابعته، فجزاه الله خيراً ونفع بجهوده. وتأتي هذه البشرى التي أسوقها في مقالي هذا بعد أيام قليلة من مقالي المنشور بهذه الصحيفة بعنوان «شوفوا لينا محسن خليجي».. وفي المقال بينت أن المحسنين من داخل بلادنا قلة، ووضَّحت الحاجة لنشر ثقافة الإنفاق على أعمال الخير في مجتمعنا.. ويأتي هذا المقال لتأكيد وجود الخير في مجتمعنا في هذا الجانب، وإن الموفق من يوفق لمثل هذه الأعمال التي لا ينقص بها مال صاحبها، بل تزيده، ويخلف الله له بها خيراً، ويبقى له بها أثر طيب بتوفيق الله تعالى.. اللهم يا رحمن يا رحيم يا جواد يا كريم بارك في هذا المشروع الكبير، واخلف لعمنا السيد طه علي البشير خيراً واجعل هذا العمل صدقة جارية له وارزقه ثمارها المباركة في العاجل والآجل وبارك له في أهله وذريته وزوجه وارحم آباءه وأجداده، ووفقه دوماً للخيرات وأعمال البر، ووفق اللهم كل من رزقته مالاً لإنفاقه في الخير ولنفع الناس في مجتمعنا من الفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام والأرامل والمرضى وغيرهم لسد حاجاتهم وإعانتهم حتى يجدوا كفايتهم إنك على كل شيء قدير والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.