داخل مدينة الفتح «1» (الجخيص سابقاً) مربع «18» بمحلية كرري بأم درمان تدور فصول هذه المأساة.. أكثر من «500» تلميذ وتلميذة يدرسون تحت هجير الشمس في مدرسة ذات فصول أوهن من بيت العنكبوت..رغم ذلك اصبحت شمعة في نفق المناطق الطرفية المظلم الذين يعيشون داخل المدينة وعلى الهامش بعد ان تبدد حلم المواطنين بتشييد مدرسة تأوي أبناءهم وتنتشلهم من خطر الفاقد التربوي الذي بدأ يزحف على تلك المناطق.. مشكلة المدارس هاجس يؤرق مضاجع المواطنين بعد تعذر المسؤولين بحجة «لم يأت الدور في التنمية» للمدرسة التي تواصل رسالتها وتخدم أكثر من «5» مربعات في مدينة الفتح لخلوها من المدارس .. (الرأي العام) سجلت زيارة لتلك المناطق وعكست الواقع عن قرب فكان هذا التحقيق! ------------ دهشة باتساع العاصمة بينما كانت العربة تقلنا الى مدينة الفتح «1» كانت الدهشة باتساع العاصمة وترهلها ناحية الشمال، فبعد المسافة اوحى لنا بأن الرحلة الى ولاية نهر النيل وليست داخل حدود ولاية الخرطوم.. منازل عديدة بعضها انتظم في شكل واحد مثل السكن الشعبي وآخر بدا متناثراً هنا وهناك.. مساحات واسعة بدون سكن تذكرك بالرحلة من ولاية الى ولاية. بدأ الجبل يقترب منا شيئاً فشيئاً الى ان وصلنا مدينة الفتح «1» إلى قطاع ابي ذر الغفاري الذي يضم حوالي «6» مربعات والمربع الواحد به «516» قطعة سكنية. وقفت بنا العربة داخل مدرسة ابي ذر الغفاري، حيث لا سور يمنع أو أي حواجز بعدها دلفنا الى مكتب المعلمين وهو بدون باب توجد بداخله طاولتان وعدد من الكراسي وبعض التلاميذ الذين يؤدون الامتحان الشفهي فاصبح المكتب ضيقاً رغم اتساع السقف للهواء بفضل التعرية. (الرأي العام) جلست الى الاستاذ آدم عبدالله خليفة المدير المكلف من قبل اللجنة الشعبية لهذه المدرسة فبدأ حديثه قائلاً: المدرسة بنيت بالجهد الشعبي وفي المساحة التي خصصت لها في خارطة المربع والشيء الذي دفعنا لبناء هذه المدرسة هي المعاناة فقطاع ابوذر الغفاري وحده يشمل «6» مربعات وهي «71 و81 و91 و02 و22 و32» وقال إن كل هذه المربعات خالية من مدرسة اساس مما تسبب في وجود فاقد تربوي كبير، حيث اضحى التعليم في المنطقة مقصوراً على الذين لديهم امكانية ترحيل ابنائهم إلى مدارس بعيدة. بينما يؤدي ضيق اليد للاغلبية العظمى من اولياء الأمور الى حرمان فلذات اكبادهم من نيل حظهم في التعليم الذي رفعت الدولة شعار مجانيته، واضاف في قوله: ان اقرب مدرسة لاطفالهم تبعد حوالى ثلاثة كيلومترات. ويستمر عبدالله في سرد المعاناة حيث قال: من اخطر الأسباب التي دفعتنا لتشييد هذه المدرسة هي الجرائم التي اخذت طريقها الى تلك المناطق الطرفية فبدأ ناقوس الخطر يدق على باب كل اسرة، حيث اصبح الخطف بسبب بعد المدارس وقال إن هنالك نماذج تثبت هذه الوقائع لذا اصبح أولياء الأمور يتخوفون من ذهاب ابنائهم للمدارس البعيدة وفضلوا ابقاء الابناء بالمنازل الى حين النظر في قيام مدرسة. فصول المعاناة فصول المعاناة في تلك المناطق الطرفية بدأت تتكشف من خلال زيارتنا لتلك المدرسة حيث كشف لنا المدير ان خطف الابناء لم يكن هو السبب الوحيد لخوف الاهالي بل ان هنالك جرائم اخرى ظهرت على مسرح المناطق الطرفية اخطرها الاعتداء الجنسي على التلاميذ بسبب المسافات البعيدة هذا إلى جانب اعتداء الكبار على التلاميذ الصغار واخذ مصروفاتهم أي ان عصبة من التلاميذ الكبار يشكلون عصابة ويمارسون كل شىء تحت فقدان الرقابة والسيطرة من قبل الاسر بسبب بعد المسافة ايضاً. ظاهرة اخرى كشفت (الرأي العام) فصولها في تلك المناطق وهي ظاهرة زوغان التلاميذ من المدرسة بسبب الازدحام في المدارس في مدينة الفتح عامة حتى بلغ متوسط الفصل ما بين «021» إلى «521» تلميذاً هذا إلى جانب الدوامين صباح ومساء خاصة في مربع «7»، حيث تجد المدرسة في وسط السوق فقد افرد الازدحام ووجود المدرسة داخل السوق مساحة للتلاميذ للزوغان من المدرسة للدخول الى اندية المشاهدة وايجار العجلات فيتم ذلك دون ان يدري أولياء امورهم شيئاً فهم يقضون سحابة يومهم باكمله في السوق. فمن اجل ممارسة تلك الهوايات لجأ التلاميذ للقيام ببعض الاعمال في السوق المجاور للمدرسة مثل «دق البن» وتقشير «البصل والثوم» وغسل الاواني كل هذا من اجل الحصول على جنيهات ثمن اندية المشاهدة او ايجار العجلة الى جانب آخر الابتكارات التي قام بها التلاميذ مؤخراً وهي جمع الخُرد فقد شاهدنا عدداً من التلاميذ اثناء تجولنا بالمنطقة يتجمعون حول «كوشة» ويحمل كل واحد منهم جوالاً فعلمنا انهم يقومون بجمع الخرد وبيعها لان ربحها اكبر من غسل الاواني يقومون بذلك وهم بزيهم المدرسي واثناء اليوم الدراسي كل ذلك من اجل ثمن (نادي المشاهد). مازلنا داخل مدرسة ابي ذر الغفاري في مدينة الفتح نتجول بين فصولها المأساوية حتى وقفنا عند الفصل الثامن.. التلاميذ وجوه علاها الغبار ملابس طمست ألوانها الحقيقية من شدة التراب العالق فهم يفترشون الارض ويستظلون بسقوف اوهن من بيت العنكبوت.. ارتفعت أصواتهم بنشيد الى العلا فسألهم الاستاذ كيف يكون العلا مع «الرواكيب» فجاء رد احد التلاميذ «هكذا سيكون العلا ان شاء الله لان الحلم مستمر» وقد أكد عدد منهم بأن هذه المدرسة قربت لهم المسافة بعد ان زادت مخاطر الذهاب للمدرسة البعيدة، كما ان المستوى الاكاديمي افضل من تلك التي كانوا يدرسون فيها بسبب التدكس، وقالوا نحن نطالب المسؤولين ببناء هذه المدرسة للاجيال القادمة من الصف الأول. خرجنا من الصف الثامن، حيث وجدنا أحد التلاميذ الذي قال انه ترك المدرسة بسبب البعد والتحق بهذه المدرسة لمواصلة تعليمه. هنا تدخل الاستاذ حيث قال ان هؤلاء التلاميذ نموذج للفاقد التربوي الذي ينتشر بتلك المناطق الطرفية. المعلمون داخل مدرسة ابي ذر الغفاري جميعهم متطوعون حتى المدير.. جلهم يحمل شهادات جامعية وفوق الجامعية فقد علق احد المعلمين بأنهم كانوا يجلسون على الارض وقال عندما سجلت إحدى القنوات التلفزيونية وعكست ذلك الواقع احتج مكتب التعليم بمحلية كرري ذلك بحجة عدم اخطارهم «كأن هذا الوضع سر من اسرار الدولة». المواطنون داخل قطاع ابي ذر الغفاري أكدوا ل (الرأي العام) ان هذه المدرسة انتشلت ابناءهم من الضياع وان المدرسة تقوم بواجبها الاكاديمي على اكمل وجه بل افضل من الاخريات. وفي حديثهم لنا اوضحوا ان مناطقهم تعاني الامرين حيث لا يوجد مركز صحي إلى جانب تأخر وصول الكهرباء ومعاناة المياه وان اخطرها هي خدمات التعليم وفي نهاية حديثهم قالوا نحن نتمنى ان تشيد هذه المدرسة «بنين وبنات» ذلك لاكتمال نعمة التعليم على الابناء فهم مسؤولية الدولة. كعادة الاجراءات التي تصطدم بمكاتب المسؤولين هكذا يقول الاستاذ حبيب الله محمد حبيب الله مسؤول اللجنة الشعبية بالقطاع الذي أكد ان الاجراءات بدأت، ولكنها اصبحت طويلة وقال ان حجة ادارة التعليم بالمنطقة بعدم تشييد المدرسة بأنه ليس هنالك ميزانية حتى تدخل بها التنمية وكان ذلك منذ العام 6002م. ذهبنا بعدها إلى الاستاذة ليلى العوض وقابلنا نائبتها التي أكدت لنا عدم وجود أية مشكلة اذ تم تشييد المدرسة بالجهد الشعبي وضربت لنا عدداً من الامثلة ويقول حبيب الله بعد ان تأكدنا من عدم الضرر قمنا بتشييد المدرسة بالجهد الذاتي ومن ثم قمنا بمتابعة الجهات المختصة ونحن حتى الآن في انتظار ان تدخل المدرسة التنمية التي يقال إن دورها لم يأت بعد والخوف اصبح من مصير طلاب الصف الثامن اذا لم يتم ادخال المدرسة في التنمية قبل بدء امتحانات مرحلة الاساس. ونبه حبيب الله لخطورة الفاقد التربوي في تلك المناطق، حيث أكد انه في تزايد مستمر وان هنالك امية حقيقية آخذة في الانتشار لذا نحن نلتمس من المسؤولين توجيه انظارهم نحو المناطق الطرفية وهي بها اشكالية حقيقية!.