الآن دعونا نحدد غاية وجود الحركة الإسلامية وأهدافها في الحياة الدنيا كما كانت في بداية نشأتها. نشأت الحركة الإسلامية السودانية الرائدة في منتصف الأربعينيات على منهاج الإخوان المسلمين في مصر وصار لها وجود في الساحة في الخمسينيات في الجامعات والمجتمع بهذا الاسم لتحقيق أهداف الجماعة. فما هي هذه الجماعة؟ وما هي أهدافها؟ يقول الإمام الشهيد حسن البنا: «تستطيع أن تقول ولا حرج عليك إن الإخوان المسلمين: 1- دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام الى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله. 2- وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء وبخاصة في العبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا. 3- وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل والإعراض عن الخلق والحب في الله والارتباط على الخير. 4- وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد. 5- وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «إن لبدنك عليك حقاً» وإن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدَّى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي. فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ولأنهم تبعًا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرًا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها. 6- ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح. 7- وشركة اقتصادية:لأن الإسلام يُعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم «نعم المال الصالح للرجل الصالح» ويقول «من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له»، «إن الله يحب المؤمن المحترف». 8- وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول لطرق علاجها وشفاء الأمة منها. «وهكذا نرى شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح لأن الإسلام يطالبهم بها جميعًا» ويقول الإمام البنا أيضًا في تعريف دعوته كدعوة شاملة لكل مناحي الحياة» الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف وعقيدة وعبادة ووطن وجنسية وروحانية وعمل ونظام ومنهاج يتناول جوانب الحياة كلها». هكذا نرى أن ما تتميز به دعوة الإخوان وضوح الهدف وبعد وضوح الهدف ما هي الوسائل لتحقيق هذه الأهداف؟ 1- يقرر الإمام البنا أن منهجه لتحقيق أهدافه منهج سلمي يدعو الى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ويحاور الآخرين بالتي هي أحسن. 2- الحركة الإسلامية تمضي تحت مظلة القانون والحكم الدستوري النيابي الذي هو في نظر الأستاذ البنا أقرب الأنظمة السياسية الى الإسلام وروحه ولذلك يتمسك الإخوان به ويحرصون عليه ولا يرضون عنه بديلا. 3- الدعوة تبدأ بتكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة وذلك لحرصهم على البناء العقدي بالتربية المتأنية. 4- التدرج في الخطوات فلا بد أن تمر الدعوة في مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة ثم مرحلة التكوين ثم مرحلة التنفيذ والعمل. ويحذِّر الإمام البنا من تعجل النتائج والقفز على المراحل لأن هذا السلوك مصادم لنواميس الكون. 5- الاعتماد على الجهود الذاتية والبُعد عن الاعتماد على أي جهة أجنبية أوحكومية، فالاعتماد على الذات احدى ثوابت الجماعة ذلك لأن الإمام المؤسس للحركة كان حريصًا كل الحرص على بناء حركته بالمال الحلال المبارك والابتعاد عن أي قوة أو جماعة تفرض أي دعم أومساعدة لكي تتحرر إرادة الجماعة وقرارها من أي ضغوط. 6- المرونة في الفكر والحركة في التعامل مع الأحداث والأوضاع والمراجعة المستمرة لمواقفها وأفكارها والاستفادة من أخطائها ثم التعامل مع العصر بواقعية مع عدم المساس بالثوابت. تلك هي الأهداف وهذه هي الوسائل فمَن مِن الكوادر حمل هذه الدعوة لبلوغ المرام بالوسائل المعتمدة؟ انتهجت الحركة الإسلامية الأم التربية الدقيقة الممهنجة بعناية فائقة لصياغة الرجال الأفذاذ الذين سيحملون الأمانة الثقيلة وينهضون بتكاليف الأمة الخيرية مهما كان ثقل التكاليف وما يصاحبها من تعب ونصب ورهق وسيسيرون في الطريق رغم الأشواك والمشاق ورغم العناء والابتلاء واحتمال هذه التكاليف الشاقة مهما كان عنفوان الطواغيت فمن يسير في هذا الطريق سيلاقي ما لاقاه كل الرسل وأتباعهم الخلص. التربية في حقيقتها معركة ضخمة تعني للحركة البناء الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي والتنظيمي حتى يتحقق وعد الله «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا». الأمر جد وخطير وجلل وعظيم إنه يتعلق بسيادة الأرض والتمكين فيها بشروطه. لقد أعطى مؤسس الحركة الشهيد حسن البنا جل وقته لإعداد الرجال بالتربية «الإعداد والتكوين» وسمى هذه الوسيلة بمصنع الرجال وفي هذا يقول «أعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل والعمل القوي البغيض لديها الشاق عليها وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها» رسالة المؤتمر الخامس. ولتوكيد هذا المعنى يقول في موضع آخر «إن الأخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد الأرواح وتقوية الأخلاق وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تبنى عليه نهضات الأمم والشعوب». ويمكن تلخيص صور التربية من إعداد واختيار وتكوين وتعبئة وفقًا لفكر الإمام الشهيد فيما يلي:- 1- الأسر كمحضن للعلاقات الأخوية. 2- الكتائب كمعهد للتربية الروحية. 3- الرحلات كمحضن للعلاقات الاجتماعية. 4- الدورات كمعهد للتدريب والتأهيل. 5- المخيمات كمعهد للتربية البدنية. 6- المؤتمرات كمعهد للتربية العملية والفكرية. يقول أحد الإخوان في مصر «إن الهدف الأساسي من التربية هو تكوين الأفراد وتعبئتهم وإعداد الرجال الذين يحملون على كاهلهم واجب نشر الفكرة وتبليغها وتمكين مشروع النهضة من أجل استئناف الحياة الكريمة على أسس الإسلام من جديد وأهم مردود نتوقعه من التربية أن تخرج لنا أفراد يتمثلون مجموعة من القيم يعيشون بها ولها». الأستاذ الإمام البنا طرح لبناء دعوته منظومة قيمية ضمنها في أركان البيعة وهي عشرة: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة».ثم وجه للإخوان رسالة خاتمة للأهداف والواجبات بقوله «أيها الأخ الصادق: هذا مجمل لدعوتك وبيان موجز لفكرتك وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن شرعتنا والجهاد سبيلنا والشهادة امنيتنا». وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: «البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم وإلا في صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غاياتك كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة». هذا المنهج العملي القويم للتربية أخرج من رحمه للعالم الإسلامي نخبة وأفذاذًا من العلماء والفقهاء والمفكرين أثرت ساحة الفكر الإسلامي بفكر وسطي معتدل مستنير مؤصل مفهوم شمول الإسلام هم في الحقيقة أساتذة العصر وحكماء الزمان الذي نحن فيه ونذكر هنا على سبيل المثال رجالاً مشهودًا لهم بالعلم والفكر في شتى مجالاته وعلى رأس هؤلاء فقيه العصر الدكتور يوسف القرضاوي أمد الله في عمره وأطال بقاءه والشهيد الرائد صاحب الظلال سيد قطب والقانوني الضليع الشهيد عبد القادر عودة والعالم الفذ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق وعالم الفقه الدستوري توفيق الشاوي وآخرون كثر من مصر والعالم الإسلامي صعب حصرهم في هذا الحيز هم الذين أثروا المكتبة الإسلامية بآلاف الكتب في مختلف ميادين الفكر والثقافة الإسلامية وهم الذين أنشأوا المؤسسات الإسلامية المختلفة دعوية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم علمية أم إدارية. البرنامج التربوي الذي تبنته جماعة الإخوان جعل كل أخ تقيًا ورعًا زاهدًا بطلاً مجاهدًا فقيهًا مجتهدًا قاضيًا فهمًا سياسيًا محنكًا صابرًا محتسبًا فقد تعرضت الجماعة إلى محن قاسية وحرب ضروس من الفراعين والطواغيت وقمع غليظ دائم ومستمر منذ عهد الملك الفاسد إلى عهد الرئيس المخلوع الفاسق، ولولا التربية الصارمة لما صمدت الجماعة هذا الصمود الذي أدهش حتى الأعداء. وبعد هذا الصبر الجميل جاءهم الفتح المبين حيث استخلفهم الله ومكَّن لهم دينهم وبدَّلهم من بعد خوف أمنًا تحقيقًا لوعد الله. وهم الآن يواجهون مكر وكيد الصليبية والصهيونية العالمية وخدمهم في الداخل ورغم هذا الكيد والمكر والحرب الخفية والجاهرة فإن الجماعة ما زالت تحيا وتنتشر وتقوى في كل بقاع العالم الإسلامي وما نراه من البعث الإسلامي ما هو إلا حاصل التربية المتأنية.