ويُخاطبنا وزيرُ الخارجيّة علي كرتي كأننا أموات بين يدي غاسلهم يفعل بهم ما يشاء!! كرتي نفى في برنامج (مؤتمر إذاعي) وجود أي تهديدات لدولتي السودان وجنوب السودان لنقل ملفي أبيي والحدود إلى مجلس الأمن الدولي وقال إن هذه القضايا ستُحل في الإطار الإفريقي بل إن الرجل سخر من الدول الغربيَّة (التي تريد أن تشمت في السودان وتراه منقاداً إلى مجلس الأمن)، وقال: (عادوا كاسفي البال)!! لستُ أدري والله ما السر أو السبب الذي يجعل كرتي (يملا ايدو) هكذا ويطمئن أن ملفَّات الخلاف مع جنوب السودان لن تذهب إلى مجلس الأمن؟! يا سبحان الله!! ألم ينظر مجلس الأمن عشرات المرات في قضايا السودان بل ألم يُصدر قراره (2046) في مايو الماضي ليورِّطنا في الدوامة التي نمور في أمواجها المتلاطمة حتى الآن؟! كرتي يتحدث بثقة مفرطة عن (الإطار الإفريقي) بالرغم من أنَّ هذا الإطار العدواني المتحالف مع دولة الجنوب بعد الانفصال والمؤازر للجنوب قبل الانفصال هو الذي ظلَّ على الدوام يُلجئنا إلى الحائط ويتحرَّش بنا ويُصدر قراراته لمصلحة جنوب السودان على حسابنا. حتى القمَّة الأخيرة التي حضرها الرئيسان البشير وسلفا كير ألم تكن مُصمَّمة لإيذائنا وإلحاق الضرر بنا؟! ألم يُصدر مجلس السلم والأمن الإفريقي قرارات معادية أحدها (يوجِّهنا) بأن نتفاوض مع قطاع الشمال العميل حاشراً أنفَه في شؤوننا الداخليَّة ومتدخِّلاً في أمرٍ يتعلَّق بسيادتنا الوطنيَّة على أرضنا وترابنا الوطني؟ مجلس السلم الإفريقي الذي ينفِّذ تعليمات سوزان رايس مندوبة أمريكا في مجلس الأمن يعلم يقيناً علاقة قطاع الشمال بدولة الجنوب ويكفي أن اسمه يحمل اعترافاً بالتبعيَّة والعمالة للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا ويعلم كذلك أن الفرقتين التاسعة والعاشرة المقيمتين في جنوب كردفان والنيل الأزرق تابعتان من قديم ولا تزالان للجيش الشعبي بجنوب السودان وبالرغم من ذلك يأمرنا وكأننا عبيد أو مُستعمَرون بأن نتفاوض مع قطاع الشمال الذي يعلم يقيناً أنه تابع لدولة أخرى معادية ولكن بالرغم من كل ذلك يتحدَّث كرتي بهذه اللغة المخدِّرة المستسلمة التي لا تُشبه كرتي القديم حين كان مُمسكاً بعنان فرسه يقودُ كتائب المجاهدين ليس في جنوب كردفان والنيل الأزرق إنما في أحراش الجنوب ولكن... سبحان مغيِّر الأحوال فالأيام دول والليالي من الزمان حُبالى مثقلات يلدن كل عجيب!! كرتي يعلم أنَّ مجلس السلم الإفريقي في دورته الأخيرة (قرّعنا) رافضاً ربطنا بين الترتيبات الأمنية وبقيَّة الاتفاقيات بما في ذلك تمرير بترول الجنوب عبر الأراضي السودانيَّة إلى موانئ التصدير وبالطبع فإن كرتي يعلم أنَّ مجلس السلم يعمل في تناغم تام مع سفيره في عاصمة جنوب السودان (جوبا) والذي يرفض على غرار أصدقائه الأفارقة بل على غرار أصدقائه في دولة جنوب السودان.. يرفض الربط بين تصدير نفط الجنوب وفكّ الارتباط بقطاع الشمال كما يطالب بالعودة إلى اتفاق نافع عقار الذي يمثل إحدى الكوارث والأخطاء التاريخية الكبرى ولكنه بدلاً من أن يطرد سفيره هذا المتواطئ مع الأعداء ضد دولته يُدافع عن الأفارقة الذين ورَّطونا ولا يزالون في كل البلاوى التي نتلظَّى في رمضائها حتى اليوم!! ثم يقول كرتي الذي لم يعد كما كان ذات يوم: (سنتمكَّن من فتح الباب مرة أخرى مع دولة الجنوب لجعل البلدين منطقة سياسيَّة واقتصاديَّة في القريب العاجل)!! إنه الحب من طرف واحد... [سنتمكَّن من فتح الباب (وكمان) في القريب العاجل]!! وكيف تفتح الباب وتُعيد التواصل مع من يحتل أرضك ويتحرش بك ويدعم المتمردين على سلطانك؟! كيف تصادق من يعاديك وكيف تفرض ذلك على دولة تُضمر لك الشر وتسعى إلى (تحريرك من دينك وأرضك)؟. ليس صحيحاً قول كرتي (عدم وجود رؤية واضحة لدولة الجنوب لحل القضايا الخلافيَّة مع السودان).. إن كرتي يتجاهل حقيقة أن اسم الحزب الذي يحكم جنوب السودان وكل ما يصدر عنه من تصرُّفات هو جزء من مشروع السودان الجديد الذي لم يكتفوا بالتصريح عنه وإصداره في منشوراتهم ودستورهم وخطبهم ولقاءاتهم الصحفيَّة إنما ظلُّوا يعملون على إنفاذه بالليل والنهار وذلك ما دعانا لمطالبة الحكومة بتغيير إستراتيجية التعامل مع دولة جنوب السودان وأقسم بالله إن من أكثر ما يُحزن بحق أن قبيلة النعام عندنا لا تدرك أبعاد مؤامرة الجنوب ومن يقفون خلفه وللأسف فإنها لا تريد أن تدرك أو تفهم فالجنوب لديه رؤية استعمارية واضحة تجاه الشمال لكن المشكلة تكمن في كثيرٍ من مسؤولي الشمال!!