يومان، قضاهما الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، والأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني، ووفد كبير رافقهما، في أحضان وأعماق ولاية شمال كردفان، وما أدراك ما هذه الولاية التي تعبر فيها من حال إلى حال ومن مرحلة إلى أفق جديد تودع فيه ماضياً بكل ما ثقل وظن بعض الناس أن ساعة الانتقال هذه لن تأتي أبداً، ولن تخرج شمال كردفان من مشكلاتها المزمنة أعطاب خدماتها وتنميتها التي لا يعتدل معها ميزان الشمس. بدأت الزيارة الثلاثاء وانتهت أمس الأربعاء، طاف فيها النائب الأول ورئيس المجلس الوطني مدناً مهمة وبلدات عريقة وأصقاعاً نائية ظلت منسية كأنها طريدة دهر لا يعرفها أحد، في أعمق أعماق الريف تعيش في قاع النسيان، ووطأت الأقدام تراب مناطق لم يصلها مسؤول قط ومواطنون ظلوا كل حياتهم يعيشون على حافة الإهمال وبعيدًا عن راصدات الأعين ومساقط الأضواء. من هنا اكتسبت الزيارة أهميتها، وحازت جليل مخاضها، إذ تكلأ الدولة جراح الماضي وتوفي بعهد قطعته وتصمم على التغيير لحياة إنسان الريف والبوادي والقرى في إطار رؤية جديدة لبناء وطن أقوى وأكثر تماسكاً وأعز نفراً. تم افتتاح مشاريع خدمية وتنموية عديدة كانت حلماً في الأبيض ومحلية غرب بارا في المرة وأم كريدم والمزروب، ومحلية الرهد ومحلية النهود في الكبرة وفوجا، وطرحت فيها أفكار كبيرة في اللقاءات السياسية الجماهيرية والندوة الكبرى التي أمّها جمع لم تشهده مدينة الأبيض في السنوات الأخيرة كما يقول شهود الندوة. شملت الزيارة الولاية من أقاصيها البعيدة في الشمال النائي وشرقها وغربها المسحوق ومدنها الرئيسة وحاضرتها الأرأس، تفقد فيها النائب الأول أحوال المواطنين عن كثب، شرب من ماء رهودهم الممزوجة بالطين، غاص في رمالهم الظامئة، وقف على معاناة نسائهم ومكابدتهن مع الحياة، رأى التلاميذ في فصول القش الذي تكاد شمسه تغرب، رأى الحفائر والآبار التي طالت أشطان دلائها وغار ماؤها، وشاهد البادية التي لا تمل من رحلات الخريف والصيف كأنما كتب على الرُّحّل العيش على ظهور ركائبهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتحسس أوضاع المناطق التي أعياها من عقود طويلة البحث عن الماء والتعليم والصحة والكهرباء واللحاق ببعضٍ يسير من وجه الحياة المدنية. زرنا في هذه الرحلة الطويلة الممتعة رغم مشقتها في معية النائب الأول، منذ صباح الثلاثاء الباكر حتى مساء الأربعاء، قرى ومناطق عديدة، ظلت صابرة وقادرة على كتم شكواها، وشهدنا تحولاً حقيقياً يجري في الريف السوداني الذي بدأ يجد قسطاً قليلاً من تطلعاته المشروعة وشرع يحسُّ بما يتوجَّب عليه التفاعل معه في سبيل تحقيق طموحاته وآماله، وهذه روح جديدة تسري في أوصال الريف في شمال كردفان، غير أن الولاية هي نفسها تتقدم خطوات واثقة لبناء ذاتها وتفجير طاقاتها. الملاحظ أن السيد النائب الأول، كان حريصاً على الوقوف بنفسه على الأحوال أمامه في المدارس والخلاوى والمستشفيات والمراكز الصحية ومحطات الكهرباء ومشاريع حصاد المياه والمخيمات الصحية ومباني المحليات ، ويعد بكل ما هو ممكن ومتاح ويفتح المجال للمخيال الشعبي والأهلي ليبدع بنفسه في تنويع وترتيب أولوياته للنهضة وطموحاته في الحياة. تتكامل الصورة أمامنا في شمال كردفان بهذه الزيارة التي سنكتب عنها وعن تفاصيل هذه الزيارة المهمة في الأيام المقبلة، فهذه مجرد توطئة عابرة وسريعة « والغريق قدام».. انتظرونا