حكى لي شاعرنا الكبير سيف الدين الدسوقي أطال الله عمره وأمده بالصحة والعافية إنه وفي بدايات مرحلة الكتاتيب طلب منهم أستاذهم أن يقرأو عليه شيئًا مما يحفظون، وأخذ كل واحد من التلامذة يخرج ويقرأ شيئًا ثم يأتي غيره وهكذا.. ولم يبدُ أن الأستاذ أُعجب بما كان يسمع؛ فقد طلب منهم واجبًا منزليًا أن يحفظوا شيئًا (يستحق السمع)! وليستعينوا بأهلهم؛ وقد كان.. يقول شاعرنا إنه طلب من والده ما أمرهم به أستاذهم وبدوره طلب منه أبوه إحضار كتاب معين وصفه له وكان ضمن مجموعة كتب على طاولة؛ وأنه أحضر الكتاب الذي كان يحوي ألفية ابن مالك أخذه والده وفتح صفحة عشوائيًا وطلب منه أن يقوم بحفظها.. وقد كان حفظ القصيدة لإلقائها في حضرة الأستاذ والتلاميذ في اليوم التالي، وجاء دوره وأخذ يقرأ وبصوته القوي الذي عُرف به.. وبعد بيتين أو ثلاثة أوقفه الأستاذ أن انزل.. انزل.. دي أنا يا دوب أفهمها فما بالك..!! نسأل الله العافية لأستاذنا سيف الدين الدسوقي الذي زاره الأستاذ بابكر هاشم من إدارة الأفراد بالصحيفة ووجده يعاني قليلاً وبرفقته أهل بيته نكرر الدعاء للأستاذ الكبير ونتساءل هل تفقّده أحد مسؤولي الثقافة مؤخراً؟ ... وتستدعى إلينا قصة أستاذنا تساؤلاتنا عن مناهجنا اليوم ونقرأ عن زمن قررت إدارة التعليم والمناهج في فلسطين وضع منهج جديد لمادة الأدب العربي واللغة العربية للسنة الثانية الثانوية العلمية، وكان الكتاب يتألف من أربعة محاور أولها يتناول الإنسان والحب وهناك محاور أخرى عن الإنسان والفن والعلم والتفاعل الثقافي بين الشعوب؛ اختار المؤلفون في محور الإنسان والحب ثلاثة نصوص.. للشاعر سعيد عقل نص وآخر لنزار قباني، والثالث لغسان كنفاني.. الأديب والمناضل الفلسطيني كتب القصة والرواية وناضل بقلمه كثيرًا لأجل القضية الفلسطينية وعمل صحفيًا ورئيسًا لتحرير صحف عدة وكان عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. استشهد في (1972) إثر انفجار عبوات ناسفة وضعت في سيارته وتناثرت على إثرها اشلاؤه هو وابنة أخته التي كانت برفقته. ما نود قوله إن النص الذي اختير لكنفاني كان إحدى رسائله الشهيرة للأديبة والكاتبة الصحفية غادة السمان!! الأمر الذي أثار تساؤلات المهتمين وقتها إنه إذا توافقت نصوص عقل وقباني مع شخصياتهما وحضورهما الشعري لماذا لم يختار لكنفاني شيء أكثر ملاءمة لروحه ومسيرة نضاله! ومهما بلغت درجة إحساسه وقربه من غادة التي صرح في كتاباته لها (إنه يحبها؛ وهذا شيء لا يستطيع أن ينساه أو ينكره أو حتى يغفره لنفسه!) إلا أن لديه ما يستحق أن يدرس ويضمن المناهج الدراسية. ويشتكي الأكاديميون من أهل اللغة والشعر من فقر المنهج السوداني من شعراء سودانيين وقد نجد في كتاب العربي والمحفوظات قصيدة واحدة لشاعر سوداني ضمن عشر قصائد لشعراء عرب..!!