في سياق حديثنا عن صمد ساقية المديح النبوي السوداني. ما نزال وفي إشارات عابرة نقف مع ظاهرة العصامية في الأدب السوداني وحاج الماحي أحد أبرز نماذجها الفذة في بلادنا وهو الأُمي الذي هزج بألطف الأمداح التي تبنَّت مضامين الدعوة إلى الله والتي كان قوامها الأخذ بحقائق الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في احتكام صادق لمدلولات (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقوام ذلك لدى حاج الماحي ورفاق دربه في هذا السياق الإبداعي الدعوي، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ويحضرني هنا قول مولانا أحمد المجذوب حاج الماحي في إحدى محاوراتي الإذاعية له وكان ذلك عن سعة الإلمام وثراء الإلهام لدى حاج الماحي وغيره من هؤلاء الدعاة الحداة الشداة بهذه المحبة وبهاتيك الشمائل فردّنا للأستاذ أحمد المجذوب حاج الماحي إلى ما قلنا آنفاً (واتقوا الله ويعلمكم الله). فقال: هذا يردنا إلى رحابة هذا المعنى.. إذ التقوى ونظافة الماعون الذي هو القلب. هما بيت القصيد في هذا.. من ذلك نخلص إلى أن ذلك هو بعض ما يورث العلم وهذا ما حدث لمعظم الدعاة والمشائخ وحاج الماحي واحد من مداح رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين أدهشوا الناس بشمول وجمال عطائهم وما يزالون كذلك بما توافر لهم من الإلمام الواسع بعلوم ليس سهلاً إطاحتها حتى للمتعلِّم! ولنا أن نتابع ذلك في طرقهم للتوحيد والسيرة والشمائل المحمدية حيث يأتي كل ذلك وبتفاصيل هي غاية في الدقة. ذلك من حيث غزارة إنتاجه الإبداعي فهي كثرة مقرونة بالإجادة مع افتنان في المباني وثراء في المعاني وتنوع في البحور ومما يحمد لأولاد حاج الماحي على مختلف أجيالهم منذ وفاته حوالى «1869م» تقريباً وحتى الآن، يحمد لهم حفظهم لهذا التراث لعميدهم الفذ حاج الماحي فلهجت الألسن بهذه الروائع الحسان في مدح النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام منذ أن كان للمديح صولته وجولته حيث تفتتح به المناسبات ويكرم بأهازيجه الحُجاج ومن يعودون من كل سفر وحتى الآن ما تزال هذه الأمداح لحاج الماحي ولغيره من شعراء المديح النبوي ما تزال حيّة عميقة تنم عن صدق شعوري غامر مع سعة إلمام كبير حيث يتفرّد حاج الماحي بأنه كان قد عاش أمياً لا يعرف القراءة والكتابة كما أثبت ذلك في العديد من أمداحه ولكنك تجده في تناوله للسيرة في مصاف أهل الإلمام الواسع بها وهو في نظر أستاذنا الراحل المقيم قرشي محمد حسن (أمي اختط طرقاً للمتعلمين). حيا الله الأستاذ قرشي رائد البحث في هذا المجال في أدب المدائح الإذاعي وفي دراساته مع شعراء المديح النبوي السوداني لقد صدق وأبر سيما وأن حاج الماحي بمواصفاته تلك يُعد ظاهرة استثنائية في حال أمي قد حباه الله بعصامية فذة وبإلهام لُدني فوقف على مسرح الدعوة وعلى منابرها يُعلّم الناس بحكمة الشعر وبسحر البيان كواحد من أمهر أساتذة السيرة النبوية المشرفة على منوال سودنة مضامينها لذا فإنا نجد حاج الماحي ووفق ما تقدم وبكثير من الشواهد في شعره، هو حقيقة أمي!! ولكن المعاني التي وقف عندها وأوقف الناس عليها، لعلها تكون مدعاة للاندهاش ولما سلف ذكره عن اعتقاد بعض الناس بأنه ليس بأمي!! ومن أبرز ملامح تجربة حاج الماحي إنه تميّز وبإسهاب في باب التوحيد وإكثار الصلاة في مختتم أمداحه ونجد ذلك كشاهد حي على ما تقدم: قوله في مدحته (شوقي لي مدينة العلم) حيث يبدأها بقوله: يبدأ بي عظيم الاسم هو الغني ولا بِصْطرِمْ ذاتو لا عرض لا جرم جانا في الدليل والعلم وتلك معاني متعلقة بوحدانية الله تعالى فنجده في ذلك قد حشد من لطائف المعاني ما يصعب على بعض المتعلمين حشده وجمعه!! فهو على أميته تلك، قد توافر عليها وجمعها وبثها بين أبيات مديحه وبصورة جذابة وبأسلوب سهل وشائق وللحديث بقية بإذن الله تعالى.