اذا نظرنا الى حاج الماحي وهو يتحدث عن تنزيه الذات وهى ذات ترى وتسمع، وكيفية السمع والبصر وغيرها من القضايا التي أثارت الكثير من الجدل بين الكلاميين القدامى ولعل بعضهم لا يزال يجادل في أمر هذه القضية الفلسفية الشائكة، ثم يمضي ليفسر ا سماء الله الحسنى وصفاته جل شأنه بكلمات ثنائية تحمل كل منهما نقيض معنى الأخرى فسبحانه تعالي باسط ولكنه (يعطي ويمنع)، وهو قاهر ولكنه (يذل ويرفع)، ومن المؤكد انه يورد الكلمة الثانية المناقضة في معناها ليؤكد على قدرة الله المطلقة، ومع ذلك فان هذه الكلمات ذوات المعاني العميقة تصل إلى المتلقي سلسلة سهلة الفهم والاستيعاب ولا يحتاج في ذلك إلى لجاجة المتكلمين، وهاك أيها القارئ الكريم مثالاً آخر من قصيدة ذائعة الصيت لشيخنا وهى قصيدة (شوقي لمدينة العلم - مركز الفصاح والعجم)، وما يهمنا منها هنا قوله: ببدأ بى عظيم الاسم هو الغني ولا بصطرم ذاتو لا عرض ولا جرم ولعل نباهة القارئ الكريم ساقته مباشرة إلى ذلك الحديث الشريف المروي عنه صلى الله عليه وسلم« أنا مدينة العلم وعلي بابها» ، وانظر إلى قول شيخنا « ذاتو لا عرض ولا جرم» أفلا يقودنا ذلك إلى الجدل الكلامي الذي احتدم بين القدامى حول كيفية الاستواء على العرش وهل كانت بالملامسة أم بغير ذلك حتى حسم الإمام مالك رضى الله عنه الجدل العقيم بقوله " الاستواء معلوم والكيفية مجهولة" وتأمل كيف وصل هذا الشخص الأمي إلى مثل هذا الأمر ليقرر فيه برأى ثاقب، بل ويوصل هذا الرأى للمتلقي البسيط دون عوائق. وأمية شيخنا لم تكن من البدع في مجتمع ذلك الزمان بل كانت هي الأصل ولعلها كذلك حتى الآن رغم تقدم التعليم في عصرنا الراهن، وقد شك كثيرون في الأمر واعتقدوا انه غير أمي استناداً إلى إيراده حروف الهجاء في بعض أبيات قصيدته الشهيرة (سمح الوصوفو) حيث يقول: بالألف ربي اللطوفو بالباء بهلو الأسرار في جوفو بالتاء تواني مسكو العسوفو ولكن شيخنا يؤكد على أميته بكلمات واضحات في قصيدته (صلوا يا حبور على النبي المنصور) حيث يقول: ضاع شبابي راح ** في هوى الطمبور ما قريت سواد ** قلبي كيف محسور ما جريت قلم ** وما كتبت سطور ونعود لنقول إن تراث حاج الماحي في فن المديح النبوي من الضخامة بحيث يستوجب الجمع بعد إن تطورت أدوات التوثيق في عصرنا هذا، وذلك ليس خدمة للأجيال القادمة وحسب وإنما خدمة للثقافة السودانية نفسها ومما يحمد لأسرته الكريمة إنها قد حفظت تراث شيخنا من عوادي الدهر بشتى الطرق المتاحة فلها منا التحية وعاطر الثناء.