«الانفتاح الحوار والشراكة»، عبارات وُضعت بشكل بارز على غلاف مبادرة السائحون «نداء الإصلاح والنهضة» التي يتم تداولها هذه الأيام في نطاق عريض بين كل المكوِّنات السودانيَّة لا سيما المهتمون بقضايا الإصلاح والتغيير، ومن المتوقع أن تثير الكثير من التساؤلات والجدل حول طرقها لقضايا مصيرية تقف عقبة كؤود أمام حركة النماء والتطور المنشود بطرق يلاحظ فيها النزوح بعيدًا عن التجريم وتحميل المسؤولية لأيٍّ من الأطراف السياسية التي شاركت في الحكم منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم في محاولة للوصول بالمبادرة إلى بر الأمان بعيدًا عن مجاري السياسة الزلقة وحفاظًا على قوميتها لتكون محطة أولى يلتقي حولها من وضعوا أنفسهم في موقع الخدمة والمصلحة العامة، ومع أن تلك المبادئ العامة التي وضعها النداء تبدو في نظر البعض عصيَّة على أطراف الحكم والمعارضة في العمل بها لأنها لا تقبل التجزئة في ميزان العدالة لحساسيتها المفرطة ضد التغبيش والانتقاص من قيمتها، إلا أن قبولها بشكل مبدئي بين الأطراف المتنافرة على السواء يدفع إلى التفاؤل بوضع النقاط فوق الحروف لحوار جاد وشفَّاف يؤسِّس لوحدة وطنية بعيدًا عن لاءات التشرذم و«المكابرة»، وخلال زيارتهم إلى مباني «الإنتباهة» الأسبوع الماضي أشار ممثلو مجموعة «السائحون» إلى أن اتصالاتهم ما تزال مستمرة مع قيادات وشباب الأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فضلاً عن النافذين في الحكم والإسلاميين في مختلف المواقع التنظيمية وصولاً إلى الأمين العام للحركة الإسلامية، الزبير أحمد الحسن الذي أبدى استعداده التام لإنزال المبادرة إلى أرض الواقع بحسب علي عثمان القيادي بالمجموعة، ولقائهم الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، حسن عبد الله الترابي، إلى جانب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وأشاروا إلى حوارات متواصلة مع عدد من الشخصيات الفكرية والتيارات الإصلاحية داخل المؤسسات الحزبية والمدنية الفاعلة داخل السودان وخارجه. ولما كان «الإصلاح» على أساس إرساء دعائم الفكر وثقافة الحوار والتواصل واستلهام فقه المناصحة والنقد الذاتي والمراجعات لضمان ضرورة تصويب مسيرة الوطن هو هدف المبادرة، فقد وضعت على حافة غلافها عبارات تتحدث عن الطور الذي تعيش فيه وهوالنقاش والحوار حول بنودها وقابليتها للتعديل بما يتفق والمبادئ التي تنشدها، الأمر الذي يجعل إمكانية رفضها من أكثر المكوِّنات الناقمة على تجربة الإسلاميين في الحكم أمرًا غير وارد حتى هذه اللحظة، حيث أشارت في مقدمتها إلى أن الإنجازات التي حققتها الحقب والحكومات الوطنية منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم على مختلف الأصعدة الوطنية أمر واجب التسليم إلا أنها أوضحت أن تلك المنجزات لا تتناسب وإمكانات السودان البشرية وموارده الطبيعية، مما جعل مواقع الخلل والقصور في الحياة العامة تبدو ظاهرة للعيان الأمر الذي دفعهم إلى تبني نهج إصلاحي شامل يتجاوز منقصات الحوار إلى مكمِّلاته، وبحسب الشرح المفصل الذي تقدم به المتحدث باسم المجموعة أبوبكر محمد يوسف، حول مسيرة «السائحون» وتجميعهم على ضرورة الإصلاح المطلوب أشار إلى أن سر الاهتمام الذي وجدته مبادرتهم يكمن في التيار العريض «المجاهدين» الذي يحميها باعتبارها تنبع من القاعدة، وأوضح خلال لقائه أسرة التحرير، أن هدفهم ليس تجميل وجه الحكومة أو التماهي مع المعارضة ليشكلوا أحد أذرعها، وفي ذلك أشار إلى حزب المؤتمر الشعبي، وأكد حرصهم على النأي عن البصق على تاريخهم الجهادي في الحركة الإسلامية بوقوفهم إلى جانب المطالب التي تنادي بعلمانية الدولة على حساب الشريعة الإسلامية، موضحًا أن الهدف يكمن في الجلوس في المنطقة الوسطى التي تتراضى عليها الأغلبية مع الاعتراف بحق الأقليات، ومضى إلى القول بأن الاستعداد للحوار مع عدد من المكوِّنات الشبابية دفعت البعض إلى الالتزام بالتخلي عن انتمائهم الفكري والسياسي لصالح المصلحة الوطنية، وأشار إلى أن الحرص على توحيد أهل القبلة هو الأهم لديهم في هذه المرحلة. وبالاطّلاع على محتوى المبادرة الذي نشرته الصحيفة يومي الجمعة والسبت الماضيين وفكرتها العامة في الإصلاح الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والامني والسياسي وغيره من القضايا التي تقوم على أساسها الدولة وتمسك بزمام الحكم، تظل أجواء التغيير المرتقب مهيأة أكثر مما مضى لجهة أن الطريق إلى الحل الشامل للقضايا الكبرى أصبح واضحًا أمام الجميع لإحداث النقلة النوعية في مسيرة الوطن نظرًا لتعدد المبادرات وكثرة المذكرات مع تزايد الملل من الركون خلف المسكِّنات اللحظية لتجاوز المطبَّات السياسيَّة التي تظهر بشكل أكبر مما كانت عليه حال محاولة علاجها على هذا النحو، وفي المقابل تبدوالمهمة التي يراهن أولئك الشباب على العمل على إنجاحها، أكثر بأسًا من القتال الذي عرفوه في ساحات الجهاد الأصغر، لأن الأمر بحجم «وطن» اعتاد ساكنوه على سياسة الأمر الواقع والتعايش مع شتى المواقف الصعبة على أمل التوصل إلى إرادة سياسية صادقة تشبع الرغبة في الأمان والاستقرار والتنمية المستدامة.