لا تزال قضية أبيي عصية على الحل، فهي قضية مرهقة وشابها كثير من التعتيم وبها جدل سياسي كبير إذ أن البعض سمّاها تسميات مختلفة بأنها ستكون كشمير السودان أو القنبلة الموقوتة فضلاً عن أنها فلسطين إفريقيا، فقد مثلت قضية أبيي نموذجاً لفشل السياسيين الذين تبنوا القضية وأصبحت تجارة يتصارعون حولها تنتهي بمن هو الكاسب والخاسر فيها، ومن هنا يتهم بعض السياسيين بلبس قناع خفي بستار المسيرية ودينكا نقوك لتحقيق مصلحة كليهما. وجه الشبه بين أبيي وكشمير: كشمير هي المنطقة الجغرافية الواقعة ما بين الهند وباكستان والصين في شمال شرق آسيا. وتاريخيًا، تُعرف كشمير بأنها المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية احتُلت من طرف الصين والباكستان والهند. لقد بدأ النزاع منذ عام «1947م» لم يتوقف حتى الآن، وقد قام مجلس الأمن بإصدار قرارات عالجت العديد من القضايا إلا أن البند الأهم وهو بند الاستفتاء لم يتم حتى الآن؛ بسبب عدم رغبة البعض في إجرائه وهكذا تزايد تعقيد المشكلة، أما أبيي «فهي مثلث غني بالنفط والغاز الطبيعي والمعادن والمياه، يتبع إدارياً لجنوب كردفان، ولكنه يمتد جغرافياً إلى داخل ولاية بحر الغزال في الجنوب، وسمي «مثلث أبيي» لأن المنطقة أشبه بمثلث يلمس ثلاث ولايات حيث تحد هذه المنطقة من الناحية الشرقية «ولاية الوحدة» وجنوباً «ولاية شمال بحر الغزال»، وغرباً «ولاية جنوب دارفور»، ويرى كثير من المراقبين أن أبيي لن تكون كشمير السودان نسبة إلى أن العجز الذي أظهره المجتمع الدولي لعدم جديته وعجزه عن حل معظم القضايا الدولية، فضلاً عن أن كشمير لا تزال قضية لم يُحسم أمرها بعد لعدم إجراء الاستفتاء. صراعات قبلية: شهدت منطقة أبيي صراعات قبلية بين المسيرية ودينكا نقوك في فترات سابقة بسبب الأرض والمياه، وهذا أمر طبيعي غير أن الصراع أخذ طابعًا مختلفًا حينما تحول لصراع سياسي بعد أن كان قبليًا أو رعويًا وأخذت المنطقة وضعية خاصة ضمن برتكول مشاكوس، وتفاقمت القضية بين الشمال والجنوب بسبب الحدود التي لم تُحسم بعد، فالقاعدة الذهبية بحسب القانون الدولي والمتعلقة بالقوانين الموروثة تقول إنه بمجرد نيل الدول استقلالها تتحول الحدود الإدارية إلى حدود دولية، ومن ثم فإن أمر أبيي كان محسومًا بأن الحدود الداخلية التي تركها الاستعمار تتحول إلى حدود دولية بعد الانفصال إلا إذا تم الاتفاق بين الطرفين على خلاف ذلك، غير أن أبيي من خلال محادثات نيفاشا كانت كبش فداء الدولتين، وبحسب نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء فضل الله برمة ناصر فإن برتكول أبيي نص على أن الحدود هي حدود 1/1/1956 عدا أبيي ومن هنا ضاعت القضية بأكملها مشيرًا إلى اتفاق الطرفين على برتكول ما سمي بأبيي وتنكرهم لاتفاق مشاكوس، وهذا ما أدى إلى خروج الفضية تمامًا عن القانون الدولي، ويمضي برمة إلى أن برتكول أبيي عرَّف المنطقة بأنها منطقة دينكا نقوك ال«9» الذين يحق لهم الاستفتاء دون ذكر للمسيرية في المنطقة، وهنا تبرز المعضلة الأساسية للمنطقة، هذا إلى جانب تقرير الخبراء الذي جاء فيه أن أبيي هي منطقة مشيخات دينكا نقوك ال«9» التي تحولت إلى جنوب كردفان «1905» ويرى برمة أن الخبراء قدموا تقريرهم في ثلاثة أشهر بخلاف المدة المحددة لهم بسنتين، وهذا تجاوزمخالف للقانون، ويعيب برمة خلال حديثه في ندوة أبيي ما بين القرارات الدولية والمقترحات الإقليمية لجوء طرفي القضية إلى محكمة التحكيم الدولي مشيرًا إلى أن هذه المحكمة قراراتها نهائية ولا تُستأنف على الإطلاق، وقال إن قرارها جاء مجحفًا وبه ظلم وقع على المسيرية، هذا إضافة إلى المقترح الذي قدمه الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي بإجراء الاستفتاء في شهر أكتوبر مبينًا أن المقترح لم يراعِ عامل الزمن لحركة المسيرية في هذا التوقيت، ويقول إن القرارات الدولية والمقترحات الإقليمية لم تحقِّق الاستقرار المنشود أسوة بالقرارات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي نحو كشمير إذ أنه لم يصل لحل حتى الآن، ويمضي برمة إلى أنه ينبغي ألّا نعوِّل على تلك القرارات الإقليمية والدولية إذ ليس من مصلحة الدولتين الدخول في أي حرب بسبب أبيي، فالروابط التاريخية التي تربط بين المسيرية ودينكا نقوك كافية للتوصل لحل للقضية وينبغي للقبيلتين ألّا يكونا صمام أمان لأي تحرش من قبل الشمال والجنوب. توضيح الحقائق: وفقًا للقرار «1990» فإن أبيي تقع تحت الوصاية الدولية وعلى الدولتين تمليك الحقائق للرأي العام، هكذا قال الخبير في شؤون السلم والنزاعات الدكتور أبو القاسم قور، ويؤكد أن بعثة اليونسفا هي بعثة دولية لأبيي وفقًا للقرار السابق، وعندما توجد بعثة لحفظ السلام بقرار من مجلس الأمن وتحت البند السابع يعني ذلك أن تكون مهمة الدولتين الآن المراقبة «لجنة أبيي المشتركة للمراقبة»، فهذا هو لب الموضوع، ويمضي قور إلى أن أبيي المنظور لها ليس وطنيًا وإنما نظرة إقليمية دولية بحتة، ومن ثم فإن القضية برمتها محتاجة لفهم تاريخي وينبغي أن ننظر إليها برؤية منطقية ولا بد من الاعتراف بأن القضية تبناها السياسيون من الطرفين ولا بد من إقامة معافاة حقيقية عبر ما يسمى العدالة الحقيقية محذرًا من إحداث تمزُّق باعتبار أنها مهدِّد وحجر عثرة يقف بين الدولتين.