شهدت إفريقيا فى الآونة الأخيرة تطوراً خطيراً تمثل فى عودة نشاط المرتزقة الأجانب، وقد بدأ هذا التطور بوضوح سافر فى المحاولة التى قامت بها مجموعة مسلحة من المرتزقة البيض القادمين من جنوب إفريقيا لقلب نظام الحكم القائم فى سيشيل فى 25 نوفمبر الماضي «1981»، وفى كشف حكومة مدغشقر فى 25 يناير 1982 عن مؤامرة انقلابية كان يعتزم تنفيذها مرتزقة أجانب قادمون من جنوب إفريقيا كذلك. وهاتان المحاولتان الانقلابيتان اللتان قام بهما المرتزقة للإحاطة بنظامين إفريقيين معاديان لتزايد نفوذ الدول الكبرى فى القارة، قد أثارتا مخاوف القوى الوطنية الإفريقية من أن تلجأ هذه الدول إلى استخدام المرتزقة فى إفريقيا كأداة غير مباشرة من أدوات التدخل فى شؤون بعض بلاد القارة، وصولاً إلى تغيير النظم السياسية المناوئة لأهداف سياستها الخارجية. ويتضح هذا المعنى من خلال استخدام حكومة جنوب السودان للمرتزقة منذ فجر التمرد الأول في جنوب السودان. أما الآن ومع احتدام الاشتباكات الدائرة بين الجيش السوداني والجيش الشعبى بولاية النيل الأزرق، حيث أقر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بفقدان «مفو» الأربعاء بعد هجوم لمتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال وجيش جنوب السودان ومرتزقة بيض يرتدون سترات واقية من الرصاص. وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد في بيان صحفي، إن قوة تتبع لجيش جنوب السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال مدعومين بعناصر يُرجح أنها أجنبية تقود الدبابات «مرتزقة بيض» وترتدي هذه العناصر الأجنبية سترات واقية من الرصاص، هجمت صباح الأربعاء على «مفو». حيث أفاد البيان أن قوات الجيش قاتلت لثلاث ساعات متواصلة خسرت القوات المعتدية خلالها أعداداً كبيرة من القتلى، مشيراً إلى أن القوات السودانية صدت الهجوم ثلاث مرات متتالية، إلا أن الأعداد الكبيرة للقوات المهاجمة ونقص الذخيرة أديا لانسحاب قوات الجيش للخلف عند «ديم منصور الكرمك» وأضاف: لا صحة للزعم بأن القتال يدور على مشارف الكرمك، أو أن أياً من المتمردين والقوات التي تساندهم اقترب منها. هذا يعود حسب ما يراه مراقبون من ظهور المرتزقة أنه ليس جديداً فى جنوب السودان، وأن شتاينر عاد إلى الظهور فى جنوب السودان حيث اشترك فى مساندة نشاط حركة الأنيانيا الانفصالية بعد عام 1969، وكانت هذه الحركة تستهدف فصل جنوب السودان عن شماله منذ تفجر نشاطها عام 1955، وكان يساند هذه الحركة بعض عملاء أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، كما كان لإسرائيل دور فى دعم المتمردين فى جنوب السودان، ورغم ذلك فقد تمكنت حكومة الرئيس السودانى جعفر نميري من تسوية مشكلة الجنوب والقضاء على هذه الحركة الانفصالية، وبعد هذا عاد المرتزقة الأجانب إلى الظهور على مسرح الأحداث الإفريقية أثناء الحرب الأهلية فى أنجولا عام 1975 والصومال، والآن فى مالي والسودان. وفي هذا الخصوص، يرى الخبير العسكري الفريق أول ركن محمد محمود جامع في حديثه ل «الإنتباهة» عن أن وجود المرتزقة البيض فى الجنوب أمر طبيعي، وأشار إلى أنهم من العقليات القديمة فى الجنوب منذ العميل إستايلى، وهو عميل إسرائيلي بجنسية ألمانية. والمؤكد أن هناك علاقات وطيدة بينهم بصورة مكثفة. وحتى سلفا كير وضباط جنوبيون تم تدريبهم فى إسرائيل وكوبا وبعض الدول الغربية، كما هناك انتشار واضح للمرتزقة فى الجنوب. وقبل الانفصال صرح الجنوبيون باستخدامهم فى حربهم ضد الشمال، نجد هناك اتفاقاً واضحاً أيضاً من جانب الخبير العسكري اللواء إبراهيم نايل إيدام ل«الإنتباهة» أن أي شخص غير سوداني جاء للحرب مع مجموعة معينة يُسمى مرتزقة. وهناك مرتزقة بيض استخدمهم جوزيف لاقو فى التمرد الأول «أنانيا ون» ضد السودان. أما عن التصريح الذى أدلى به الناطق الرسمي للقوات المسلحة، عن وجود مرتزقة بيض يقاتلون فى صفوف الجيش الشعبي، هذا الحديث غير مؤكد إلا فى حالة القبض على فرد من أفراد تلك المرتزقة لتأكد أنه بالفعل من المرتزقة البيض، أما خلاف ذلك، فلا يجوز أن نطلق عليهم مسمى مرتزقة بيض .