جنون الأسعار عندما ينطلق دون كابح غالبًا ما تشير أصابع الاتهام إلى فئة معينة باعتبار أنها المستفيد الأول من فرق الأسعار.. هم ظاهرة تجدها أمام كل سلعة بها تجمهر بدءاً من المواد الغذائية ونهاية بالعقارات فأصبحوا إحدى الآليات المسؤولة عن الارتفاع المتصاعد في الأسعار واشتعالها، فهل هم من صنعوا الأزمة الاقتصادية الطاحنة استنادًا إلى شماعة الدولار أو على الأقل ساهموا فيها إلى حد كبير أم أنهم فئة تؤدي عملها وسط ضغوطات هائلة تجعلها في المدفع سؤال طرحه «الملف الاجتماعي» على فئات مختلفة من الجماهير والسماسرة وخرج باتهامات متبادلة؟ المواطن البسيط يلوم السمسار على رفعه سعر السلعة لأربعة أضعاف السعر الأساسي والدليل على ذلك تباين أسعار السلع الغذائية أسواق الخضار أو في البقالات وخصوصًا اللحوم التي يصل الفرق عند بعض الجهات لأكثر من عشر جنيهات في بعض «المولات» و تصل أسعار الضأن ل«60» في حين أنه في الأسواق الشعبية يكون ب «50» وفي الولايات ترتفع أيضًا، وأسعار الخضروات أيضًا تتباين.. تقول الحاجة سعدية بائعة خضار أمام جزارة الحي إنها تشتري الخضار كل يوم بسعر مختلف بسبب السمسار الذي «يتلقف» اللوري أمام الباب ويزيد السعر وعندما لا يظهر سمسار تكون الأسعار عادية. ويشتكي صاحب جزارة من جزار يشتري اللحم ويبيعه في الحي المجاور بسعر مرتفع بواسطة سمسار الحي الذي يعمل في كل المجالات بما فيه اللحم! «محمد» مورد يحكي عن جشع السماسرة الذين «يتلقفون» البضاعة أمام السوق ويبيعونها بضعف السعر بالداخل وبالتالي تتفرع الزيادات كلما خرجت البضاعة من الحي فتجدهم فجأة يهتفون والله الليلة الطماطم الصفيحه ب «50» وتكون هي ب«20» أو أقل من ذلك! في الوقت الذي يلوم فيه المواطن السمسار هو بدوره يقول إن جشع التجار هو العامل الأساسي لأنه يشتري بضائع ويقوم بتخزينها ويرفع سعرها بارتفاع الدولار.. يحكي عبدالعاطي «سمسار» عن تجار الإجمالي الذين يطلبون منه رفع سعر المواد التي هي أصلاً مخزنة في مخازنهم على ذمة ارتفاع الدولار. ولا يقتصر دور السمسار على المواد الغذائية بل يصنف العامل الأول في رفع أسعار العقارات حتى أصبح السودان من أكثر دول العالم مغالاة في أسعار العقار سواء أكان شراء أم بيعًا أم إيجارًا لأن السمسار يستفيد من هذه العملية في عمولته التي يتقاضاها، وينطبق حال العقارات على حال السيارات وقطع الغيار، وأشار خبراء إلى أن ارتفاعاً جنونياً أصاب سوق السيارات ويعزى السبب الأساسي فيه إلى سماسرة السوق، وفي نفس الوقت ينفي السماسرة عن أنفسهم هذه التهمة باعتبار أن الوضع الاقتصادي هو الذي أسهم في كل هذه البلبلة. يعترض المواطنون بشدة على دخول السمسار في بيع أو شراء عقار لأنه يتسبب في الضرر للبائع والمشتري بسبب السعر الذي ينفِّر المشتري ويضيع فرصة على البائع وفي نفس الوقت يرى مواطنون أن دور السمسار فعَّال لأنه يرفع الأراضي من خمسة آلاف إلى «20» و«50» ألفًا مما يجعل العقار مفيداً لمالكه في حالة بيعه. ومعظم السماسرة أصحاب عقارات وتحدَّث مواطنون بغضب عن ارتفاع إيجار الشقق المفروشة فكثيراً ما يفاجأ المواطن بصاحب العقار يطالب بأجر سمسار أيضًا وينتهي الحال باتفاق مسبق بينهم على رفع الأسعار والمضطر سيقبل بهذه المغالاة. ويشتكي المواطن بشدة من الأسعار الخرافية التي يفرضها السمسار على تذاكر السفر في المواسم والأعياد وتصبح سوقًا أسود بسعر خرافي. ويلقى خبراء باللائمة على السماسرة في ارتفاع سعر الدولار باعتبار أن تحرير سعر الدولار جاء نتاجًا لرفعهم الدولار في السوق الأسود حتى اضطرت الدولة لتعويمه. وما بين لائم وملام تظل القضية بين السماسرة وارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل المواطن البسيط رهن المداولة عسى أن ينجلي غبار الأزمة عن حالة ثبات يكبح غول الأسعار.