في خريف عمره الذي ينبغي أن يعيشه بعيداً عن جدل عقيم حول الحدود في الشريعة الإسلامية، ليتفرغ بحثاً عن مثوبة وحسن مآب، كتب المحامي أمين مكي مدني، مقالاً في صحيفة «الصحافة» أمس، بعنوان «هل عادت أيام العدالة الناجزة؟!» مستغرباً ومصقوعاً كما أبان من خبر نشرته بعض الصحف عن تطبيق حد الحرابة في إحدى الولاياتالغربية على أحد المواطنين بالقطع من خلاف.. في إحدى مناطق النزاع المسلح كما قال في مقاله، واستنكر تطبيق هذا الحد وسرد في استطراد تجربة نظام جعفر نميري في تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية الصادرة في 1983م. ونفخ في بوق التحذير من عودة تلك الأيام ومن تطبيقات الحدود الإسلامية، وربط ذلك بدعوة جبهة الدستور الإسلامي الصاعدة هذه الأيام والمنادية بالإسراع في إصدار دستور إسلامي يقي البلاد شر الفتن والانحراف والانزلاق إلى مهاوي الضلال.. وعاب أمين مكي مدني الدعوة للدستور الإسلامي، وردد حججاً واهية ومبررات ضعيفة تقف على سيقان من قش، واستنكر من الحكومة صدور حكم قضائي وتنفيذ حد الحرابة على أحد مرتكبي الجرم والجريرة التي تقابلها العقوبة، مدعياً أن التطبيقات وإصدار الأحكام الحدية قد تم تجميدها قبل فترة طويلة دون إعلان، وغضت الحكومة الطرف عن ذلك تماماً، وتراجعت عن تطبيقات الأحكام الإسلامية رغم وجودها في القانون الجنائي.. وطالب الهيئة القضائية بالرد على التساؤلات التي أثارها في مقاله حول عدم تطبيق الأحكام الحدية طيلة السنوات الماضية التي قاربت الثلاثين، وتجميد العمل بها وتوقف المحاكم عن إصدار أحكام بتطبيق حدي القطع والقطع من خلاف، وهل تم ذلك في سياق سياسي مخالف للقانون أم تعطيل لأصول الدين؟ محاولاً الوصول إلى استخلاصات من عنده أن الدولة كانت في رشد سياسي وقانوني حين تغاضت عن تطبيقات الأحكام الحدية.. لكنها تتقهقر الآن تحت ضغط من سماهم المتشددين. وكرر تلك الدعاوى الباطلة والنعيق القديم بأن الأحكام الحدية هي ردة ورجوع لقوانين القطع والصلب!! وليت الجدال الذي يثيره جدلاً في الفقه والقانون وسد الذرائع وتقدير المصالح ومحاولة لتوضيح ما يتوجب فيه درء الحدود بالشبهات، إنما نهج نهجاً مضللاً أفرغ فيه شعارات سياسية بائسة للتدليل على رأي تلجلج فيه وارتعب وانتفض كما العصفور بلله القطر. والغرض من هذا المقال هو الخوف من أوبة الدولة لأمر ارتعدت له فرائص الدكتور أمين، والعودة حتى وإن كانت متأخرة إلى تطبيق حد من حدود الله في منطقة تنازع مسلح ونشاط عصابات السلب والنهب والقتل وقطع الطرق لا ينفع معها إلا تطبيق صارم للقانون وعقوبةرادعة تقطع دابر هذه الجريمة ولا يفل الحديد إلا الحديد. وظل تيار العلمانيين واليساريين وربائب الاستعمار الحديث والمخابرات، يتوجس خيفةً لفترة طويلة، وكان يعتقد أن السودان تحت الضغوط والعداء الخارجي سيتنازل وتتراجع الحكومة شيئاً فشيئاً عن التزاماتها وتتغافل عن تطبيق الشريعة الإسلامية التي كانت كما قال الرئيس قبل أكثر من عام في القضارف «مدغمسة».. ولم يعد هناك ما يمنع اليوم من التأكيد على حاكميتها وإنفاذها. فحالة الفزع هذه تجتاح هذا التيار الذي غربت شمسه وبات رموزه على حافة العمر يعيشون خريف العمر المقلق، يحسبون كل صيحة عليهم، فصراخهم وعويلهم لا يقطع بهم أرضاً ولا يبقي لهم ظهراً.