بأغلبية تجاوزت ال70% من الأعضاء اتخذ مجلس تشريعي ولاية النيل الازرق -الاثنين الماضي- قراراً بسحب الثقة من المتمرد عقار كوالي للولاية. رئيس لجنة التشريع والقانون بالمجلس عبد المنعم عيسي قال ان المجلس استخدم حقه الأصيل المنصوص عليه فى المادة (26-1- د) من الدستور الانتقالي الذى يكفل له سحب الثقة من الوالي للأسباب التى تشير إليها المادة المذكورة بفقراتها المحددة. عيسي قال ان الوالي المسحوب عنه الثقة ارتكب جريمة الخيانة العظمي بتمرده وحملِه السلاح ضد الدولة. كما ان عقار تخلي عن مسئولياته التنفيذية والأمنية بالولاية ومَنَحه المجلس التشريعي مهلة كافية – بحسب القانون – لكي يعتذر عما فعله او يتراجع عنه ولكنه لم يفعل؛ ومن ثم لم يعد ممكناً التعامل مع الوضع بغير هذا الإجراء لمصلحة الولاية وأهلها. وتأتي هذه الخطوة لتستكمل الجانب الدستوري والقانوني بشأن وضعية المتمرد عقار. فعند وقوع الأحداث مطلع سبتمبر الجاري اضطرت الحكومة السودانية ممثلة فى الرئاسة ونظراً لخطورة الأوضاع لإصدار أمر طوارئ عاجل أعلنت بموجبه حالة الطوارئ فى أنحاء الولاية وأقيل بموجب أمر الطوارئ الوالي عقار من منصبه وعَيَّن الأَمرُ حاكماً عسكرياً للولاية . حينها انتقد البعض قرار الإعفاء على اعتبار ان الوالي المقال منتخب بواسطة أهل الولاية وليس معيناً بواسطة الرئيس، ومن ثم ليس من حق الرئيس إقالته. ولكن كان الرد على هذا الانتقاد بسيطاً للغاية وهو ان قرار الإقالة استند الى أمر الطوارئ وهو حق كفله الدستور الانتقالي سنة 2005 للرئيس ويجد سنده ايضاً فى (قانون الطوارئ والسلامة العامة 1997م) ومع ذلك فحتى لو لم يكن قرار الإقالة ذاك صحيحاً فان الجهة المخول لها سحب الثقة بموجب دستور الولاية هاهي الآن قد مارست حقها فى إقالة الوالي رسمياً وكانت قبل قرار الإقالة قد أمهلته فترة كافية للاعتذار او التراجع لكنه لم يفعل! الذى يُلاحظ على مجريات الأمور فى النيل الازرق وفق هذا التسلسل فى الازمة، أولاً أنَّ عقار واتته العديد من الفرص والسوانح للتراجع عن تمرده - دون ان يمسه هو أو قواته سوء - ولكنه لم ينتهزها ولم يتعامل معها بأدني حد من الجدية، فقد طلب منه مدير مكتب النائب الأول للرئيس -فى بداية- الازمة إدانة سلوك أفراد قوته وإيقاف أنشطتهم العسكرية ومن ثم الانخراط فى حوار مع المركز ولكنه لم يفعل. تحادث معه القيادي دانيال كودي وحاول إثناؤه عن ما يعتزمه ولكنه أغلق الهاتف وتهرَّب منه. وعقب إصدار الرئيس البشير أمر الطوارئ كان بوسع عقار ايضاً فتح حوار مع المركز والإقرار بخطأ ما بادرت به قواته، ولكنه لم يفعل مع أنه ظل يردد أنه لا يزال حاكماً شرعياً للولاية وهو بعيد عنها، وتخلي عن واجباته حيالها حانثاً بقسمه على حمايتها ومراعاة مصالح أهلها. أتيحت لعقار ايضاً فرصة ثمينة منحها له مجلس تشريعي الولاية – رغم أمر الطوارئ الصادر من الرئاسة – ولكنه لم يعد ويعتذر -كما قال السيد رئيس لجنة التشريع والقانون- إذ لو كان عقار واعياً بدستور الولاية ومجلسها التشريعي لوجد منفذاً لنفسه للتحلل من الورطة التى أقدم عليها . لقد أنسدَّ الباب إذن الآن وعلى نحو مُحكَم أمام عقار قاطعاً عليه اى طريق للعودة الى مقعد الحكم فى الولاية على افتراض – نسوقه جدلاً – ان المركز أجري معه محادثات أو حوار أفضي الي سلام . فقد قطعت الحكومة السودانية وعلى نحو قاطع بأنها لن تحاور عقار او الحلو قبل تسريح قواتهم، وهذا يعني الأمرَّين؛ فقدان القوة او تحمُّل الهزيمة، ومن جانب ثان، فقدان المزايا السياسية المتمثلة فى الشراكة او تَسنُّم المناصب، وفى كل الأحوال خسر عقار كما لم يخسر متمرد آخر قط !