تحليل سياسي رئيسي عقب الأحداث التى شهدتها مدينة الدمازين بولاية النيل الازرق- الخميس الماضي- أصدر الرئيس السوداني المشير البشير قراراً أعفي بموجبه مالك عقار والي ولاية النيل الازرق من منصبه كوالي ، كما أصدر فى ذات الوقت قراراً بفرض حالة الطوارئ وتعيين حاكم عسكري لإدارة الولاية. ولعل السؤال الى يفرض نفسه فى هذه العجالة هو أولاً: هل يملك الرئيس السوداني صلاحية إعفاء والي منتخب ؟ ثانياً: هل صدر عن عقار ما يدعو الى إعفاءه؟ الواقع ان الإجابة على هذين السؤالين تبدو شديدة الأهمية ليس فقط لأنها تتصل بشأن دستوري وقانوني شديد الحساسية والأهمية ولكن لأن الامر يتصل ايضاً بطبيعة العلاقة بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية. فيما يتصل بالسؤال الخاص بصلاحية رئيس الجمهورية فى إعفاء والي الولاية ، فان الدستور الانتقالي 2005 الساري حالياً فى السودان كفل للرئيس اتخاذ كافة القرارات والتدابير التى تقتضيها الأمور فى حالة نشوء حالة معينة تستدعي إعلان حالة الطوارئ، المادة 210 والمواد الاخري المنظمة لهذا الامر من الدستور . وقد اصدر الرئيس بالفعل بموجب نص المادة (210) من الدستور الانتقالي أمراً بإعلان حالة الطوارئ فى الولاية ولهذا فان السؤال الى يتفرع تلقائياً من هذه النقطة هو هل يوجد ما يدعو لفرض حالة الطوارئ؟ الإجابة لا تحتاج لكثير عناء، فالذي حدث هو أن والي الولاية قام بعمل مخالف للدستور والقانون بالهجوم على الجيش السوداني، والقانون الجنائي السوداني 1991 يجرم أى فعل مادي مباشر او غير مباشر الى إثارة الحرب ضد الدولة فما بالك إذا كان الشخص الجاني والي الولاية. وإذا كان والي الولاية المسئول التنفيذي والسياسي والأمني الأول عن أمنها واستقرارها استهدف الولاية نفسها التى يقودها لا يمكن ان يقال ان الامر فى هذه الحالة الشاذة لا يمكن معالجته بقرار من الرئيس لأن الرئيس هو الآخر منتخب من جموع شعب السودان ومن ثم فهو الأعلى شأناً فى الحفاظ على أمن البلاد ومن ثم فهو بهذه الصفة يملك صلاحية فرض حالة الطوارئ و إعفاء الوالي . الامر الثاني ان والي الولاية مالك عقار لديه تصريحات سابقة واضحة ملؤها تهديدات مباشرة باجتياح الخرطوم نفسها والوصول الى قصر الرئاسة، وهي تصريحات موثقة لدي الصحف السودانية وأجهزة الإعلام المختلفة بما يجعله غير جدير بحال من الأحوال بثقة أهل الولاية طالما انه غير قادر على الالتزام بالقانون والدستور و بات أحد مهددات الاستقرار فى البلاد. إذن يمكن ان نخلص الى ان صلاحية الرئيس بإقالة عقار مستمدة من الدستور السوداني ومن نصوصه وعلى وجه الخصوص النصوص الخاصة بإعلان الطوارئ. وعلى وجه الإجمال يمكن القول انه حتى ولو إدعي البعض ان الوالي المنتخب لا تجوز إقالته بقرار من الرئيس وحتى ولو لم يوجد نص فى الدستور فان من الصعب ان لم يكن من المستحيل التعامل مع والي يملك مليشيا خاصة يلوح بها فى وجه المواطنين الذين انتخبوه ؛ بل وتقوم هذه المليشيا بالفعل بإطلاق الرصاص داخل أحياء الولاية !