نشرت «سودان تربيون» تقريراً بعنوان «مازالت فكرة السودان الجديد تشكل تهديداً للخرطوم» جاء فيه أنه بعد حصول الجنوب على الانفصال مازالت هناك نخب سياسية فى الشمال تدين بأفكار السودان الجديد، وتدعو لتطبيقها باعتبارها السبيل الوحيد لتحويل السودان الى دولة ديمقراطية متعددة الاديان والاعراق، وهي ذات الحرب الجديدة المفروضة على شمال السودان التي نفخ بوقها عبد العزيز الحلو في جبال النوبة ليسمع صداه حلفاؤه من العدل والمساواة ومالك عقار، فبعد الانفصال قال ياسر عرمان في جوبا إن مشروع السودان الجديد الحل الوحيد لمشكلات السودان وأبقاء شمال وجنوب السودان على علاقة أفضل، لذلك لا بد من تغيير نظام الخرطوم، كما أكد مالك عقار في نفس المناسبة أن الحرب على الخرطوم سيتم تنسيقها من النيل الأزرق لتنتظم كلاً من دارفور وجنوب كردفان، مما يعني أن الحرب في السودان لم تنتهِ بعد، الأمر الذي دفع الكثير من النخب السياسية الجنوبية إلى انتقاد مشروع السودان الجديد ومؤسسه قرنق من ناحية أنه قام بزرعه وسط أبناء المناطق المهمشة في الشمال ليجعل منهم غصة في حلق العلاقة السوية بين دولة الجنوب وجارتها الاستراتيجية الشمال، كما أنها لم تركز على انفصال الجنوب وحسب، الأمر الذي جر الجنوب إلى مستنقعات صراع لا قدم له فيها ولا ساق مع الخرطوم. وبالرغم من أن قرنق لم يكن وحدويا إلا أنه كان سياسياً بارعاً سعى لحماية أهل الجنوب من خلال تدثره برداء الوحدة، إذ خاطب أهل الجنوب قائلاً: لقد جلبت لكم اتفاق السلام الشامل على طبق من ذهب، وسيكون عليكم التصويت لصالح الوحدة إذا أردتم ان تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية فى بلدكم، وبذلك عكس قرنق رؤية انفصالية كامنة منذ الاستقلال وحتى بداية الصراع. فعندما حشدت الحركة قواعدها العسكرية في إثيوبيا لبدء شن الهجوم المسلح ضد الخرطوم من منطقة بور في مايو 1983م، طلبت إثيوبيا التي كانت تدعم التمرد لوجستيا آنذاك بياناً يوضح أن الحركة تنظيم غير انفصالي، ولذلك سارع الجنرال الراحل أكوت أتيم الذي كان يتمتع بدعم كبير من قبل اللاجئين الجنوبين بإثيوبيا، إلى تشكيل قيادة الحركة، حيث نصب نفسه رئيساً لها وقرنق رئيساً للتنظيم قبل أن تقابل المجموعة وزير الدفاع الإثيوبي، وعندما التقت به قدم أكوت ميثاقاً ينص على النضال من أجل استقلال جنوب السودان، إلا أن الوزير الإثيوبي أخبر رئيس الحركة أن حكومته لن تدعم صراعاً مسلحاً يسعى إلى تقسيم البلاد، لالتزامهم بقرارات الاتحاد الإفريقي القاضية بعدم السماح لمزيد من الكيانات الانفصالية بالقارة، ومن ثم طلبت الحكومة الإثيوبية إعادة صياغة الدستور، فكتب قرنق دستوراً جديداً أوضح فيه أن الحركة تسعى إلى خلق سودان ديمقراطي متعدد الأديان والأعراق، الأمر الذي لاقى قبولاً وارتياحاً من قبل إثيوبيا، فوعدت بدعم لا متناهٍ للحركة، إلا أن هذه الخطوة أسفرت عن انفصال كل من أكوت أتيم وقاي توت، وأجبرت إثيوبيا على تسمية قرنق رئيساً للحركة. وفي تسعينيات القرن الماضي رأى عدد من أعضاء الحركة أن فكرة السودان الجديد حلم مستحيل يصعب تحقيقة على المدى القريب، فلجأوا إلى اختصارات بديلة مثل اتفاق الخرطوم واتفاق أبوجا وفشودة وغيرها، ولكنها فشلت في تحقيق الانفصال، الشيء الذي أقنع كثيراً من الأحزاب بتبني فكرة السودان الجديد ذات النفس الطويل لتحقيق الانفصال، فكان قرنق بحاجة إلى رياك مشار قائد انفصال الناصر في تلك المرحلة ليكون جزءاً من نيفاشا، حيث دعا رياك مباشرة إلى انفصال الجنوب من خلال مبدأ إقرار حق تقرير المصير الذي أسفر عنه الانفصال، ليزرع مشروع السودان الجديد مخالبه باعتباره بقايا ورم سرطانى تنخر أطراف البلاد في كل من جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان، تهديداً لحكومة الخرطوم وتدميراً لاستقرار وتنمية الشمال.