منذ العقد الأخير من نهاية النصف الأول من القرن الماضي، وتحديداً منذ العام 1943 ولغاية العام 1978 نشأت في السودان مكتبات محدودة تابعة للمجالس البلدية والمساجد والأندية والمراكز الثقافية في بعض المدن السودانية مثل أم درمان وود مدني والأبيض وعطبرة وبورتسودان والدويم ودنقلا وعطبرة والفاشر والدمازين. وبعدها توقف إنشاء المكتبات إلى أن أنشأت ولاية الخرطوم مكتبة القبة الخضراء العامة عام 1993م «أُهديت مجموعاتها لمكتبة الشهيد التابعة لمجمع الشهداء بالمقرن التي اُفتتحت عام «2001» ومنذ العام «1993» توالى ظهور مكتبات عامة تكفلت بها منظمات خيرية مثل «منظمة سلسبيل الخيرية» كما أن هناك مكتبات أنشأها أفراد وتقوم بوظائف المكتبات العامة وهي: مكتبة البشير الريح العامة، ومكتبة مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، ومكتبة آل مدثر الحجاز وجميعها بأم درمان. وفي الخرطوم بحري نجد مكتبة المركز الثقافي الوطني، وفي محلية شرق النيل يجري الإعداد لإنشاء مكتبة عامة في شارع الوحدة بالحاج يوسف. وهناك أيضاً مكتبة عامة ملحقة بمركز تدريب خاص بحلة كوكو. وأخيراً وفي العام الماضي «2012» أنشأت محلية أم درمان مركزاً ثقافياً ألحقت به مكتبة عامة بمسمى «مكتبة حافظ الشيخ الزاكي العامة» كما أُعدت دراسة لإحياء مكتبة أم درمان المركزية العريقة التي أنشئت عام 1950م. أما حال المكتبات العامة في الولايات الأُخرى غير ولاية الخرطوم فيمكن أن نقول إنه يُبشر بخير. فولاية نهر النيل بدأت تنتشر فيها المكتبات العامة، وكذلك ولاية البحر الأحمر وأخيراً أنشأت ولاية شمال كردفان مكتبة عامة ضمن قصر الثقافة. ومناسبة كتابة هذا المقال هو أنني شاركت في فعاليات معرض الكتاب الثقافي والأكاديمي الأول الذي نظمته ولاية شمال كردفان بالتعاون مع الجمعية السودانية للمكتبات والمعلومات والدار العالمية للنشر من جمهورية مصر العربية في الفترة من «17/ 2» حتى «27/ 2/ 2013» وصاحبته فعاليات ثقافية وفكرية وفنية. وافتتحه الأخ/ معتصم ميرغني زاكي الدين والي الولاية، ومن بعد قدمت وزميلي أ. عادل إسماعيل حمزة من جامعة الإمام المهدي محاضرة بعنوان «أهمية القراءة ودور المكتبات العامة في تنمية المجتمعات المحلية» تناولت فيها المفهوم الشامل للمكتبة، وارتباط أهدافها بخدمة المجتمع وفقاً لاحتياجات أفراده واهتماماتهم القرائية. ومن ثم ركزت على دور الدولة في نشر خدمات المكتبات العامة، وضرورة أن تكون في كل مدن الولاية وأحيائها ومربعاتها وحاراتها مكتبة عامة. ومعلوم أن خدمات المكتبات العامة هي مسؤولية وزارات الثقافة والمحليات في كل ولاية. ومعلوم أن ذلك يرتبط بتخصيص مواقع ورصد ميزانيات للمباني والأثاث والتجهيزات والمعدات، وبناء المجموعات الورقية والإلكترونية، والأهم من ذلك كله توظيف القوى البشرية المؤهلة في نظام مكتبي يتكون من مكتبات مركزية ومكتبات فرعية تابعة ومشبكة بها ضمن نظام ولائي للمعلومات. وحتى يتحقق ذلك رأيت أن نبدأ بإعداد صالات قراءة في المساجد. وأن تتطور إلى مكتبات ملحقة بالمساجد. تتوفر فيها أماكن للمذاكرة وقاعات للقراءة والبحث، وأن تزود المكتبة بوسائط إلكترونية ومنافذ للإنترنت، وتتوفر ما أمكن خدمات التصوير والاستنساخ وكل أغراض الطباعة وتغليف البحوث. وعدَّدت الأسباب الداعمة لذلك ومن أهمها أن الأخيار الذين قاموا في الأصل ببناء هذه المساجد لن يبخلوا بمواصلة الإسهام في بناء وتأثيث مكتبات المساجد العامة. كما يمكن توجيه الوقف غير المشروط لذات الغرض. وهذا يخفف عن كاهل السلطات هم الميزانيات في ظل الظروف الحالية. ومعلوم أن البيوت السودانية غير مهيأة أصلاً كمكان للقراءة لا من حيث المكان أو الأثاث. فيندر أن نجد في البيت مكتبة خاصة أو غرفة مهيأة للقراءة ناهيك عن طاولة القراءة «التربيزة» والمقعد المناسب «الكرسي»؛ فبالتالي يفقد الطفل منذ الصغر تعلم عادات القراءة السليمة. ونعلم جميعاً أن البيت السوداني يكون على مدار العام قبلة للزوار بلا مواعيد مسبقة، وكذلك للضيوف وطالبي العلاج خاصة في المدن التي تحظى بقدر معقول من خدمات العلاج. أضف إلى ذلك طبيعة الأسرة السودانية الممتدة والعلاقات الاجتماعية الواسعة والمجاملات المفتوحة التي تؤثر سلباً على صحة الإنسان وماله ووقته. وكلنا يعلم أن الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن العادي لا تمكِّنه من توفير ما ذكرت، ناهيك عن شراء الكتب ووسائط التعليم المختلفة وبخاصة الحواسيب ومطلوبات النفاذ للإنترنت وتوظيفه لأغراض التعليم والبحث. نضيف إلى ذلك أن فوائد جمة وعديدة تتحقق من خلال توفر المكتبات في المساجد أقول ذلك وأمامي تجربة مكتبة الشهيد العامة الملحقة بمسجد الشهيد بالخرطوم ومن أهمها البيئة المرتبطة بحرمة المسجد، وتلازم السلوك المنضبط، واللباس المحتشم، والاحترام المتبادل بين الأولاد والبنات، وحتى حينما يدخلون الانترنت الذي توفره المكتبة الملحقة بالمسجد؛ سيوظفونه قطعاً لأغراض التعليم والبحث، ولا يفكرون البتة في الدخول للمواقع الإباحية. والمسجد خير معين لهم لأداء الصلوات بالمسجد، وحضور المحاضرات وحلقات الذكر والتلاوة. وأن أولياء الأمور سيكونون مطمئنين أن فلذات أكبادهم على مقربة من المنزل وإن تأخروا حتى من بعد صلاة العشاء. وبهذا نقول بكل اطمئنان إن المسجد والمكتبة سيكونان من أهم المحاضن التي يحتاج إليها الناشئة في المجتمع المسلم. وقطعاً ستختفي الصور السالبة للشباب الذي لا يجد ملاذاً غير التسكع في الطرقات، وضياع الزمن في اليوتيوب والفيسبوك ومتابعة الفضائيات والهيام حتى الجنون بالطرب والمطربين. أختتم حديثي بما كان سبباً للبشريات؛ أن ما تناولناه في المحاضرة وما تبعها من مداخلات كان له مردود طيِّب في أوساط دوائر اتخاذ القرار في الولاية. ونتوقع خطوات عملية لإنفاذ ما تم تداوله. ونتوقع بعون الله خلال سنوات قليلة أن نرى المكتبات العامة تنتشر في كل أرجاء ولاية شمال كردفان و حواضرها ومحلياتها وبواديها. وما ذلك عند الله ببعيد وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.