لا شك أن الشعبية الكبيرة التي حُظي بها الوالي السابق لجنوب دارفور عبد الحميد موسى كاشا في ولايته، جعلت إعلان حماد إسماعيل حماد والياً خلفاً له في وضع لا يحسد عليه. فرغم ضعف المشروعات التنموية في عهد كاشا إلا أن فترته تميزت بالاستقرار الأمني الذي شكل كلمة السر التي ينشدها الجميع. وربما كان الأمن نفسه هو السبب الذي دفع المركز للإعلان على لسان رئيس قطاع الاتصال التنظيمي حامد صديق عن أن الحزب طلب التقارير الخاصة بتقييم أداء حماد، وبالعودة للوراء نجد أن ارتباك الأوضاع الأمنية هي السمة الغالبة للولاية في عهد الوالي الحالي، أما شرارة الاضطراب الأولى فقد كانت لدى مقدمه لاستلام موقعه في الرابع والعشرين من يناير 2012م إذ شهدت نيالا آنذاك فوضى عارمة، واستمرت المظاهرات لثلاثة أيام متصلة، وتناثرت الاتهامات وقتها بأن بعض قيادات الحزب بالولاية كانت ضالعة في صناعة المظاهرات، باعتبار أن كاشا الذي جاء بالانتخاب أولى بإكمال فترته بالولاية. على إثر ذلك فسر الكثيرون عمليات الإحلال التي تعرض لها أنصار كاشا في الحكومة في هذا السياق، ومنهم نائب رئيس الحزب محمد عبد الرحمن مدلل الذي أُبعد من منصبه، ووزير التعليم حسن جامع الذي لم يكمل ثلاثة أشهر في وزارته، ومن حينها تتابعت التوترات الأمنية بالولاية، ومنها أن يوليو من العام الماضي شهد تظاهرات عنيفة قادها طلاب الثانوي والأساس على خلفية الاحتجاجات بزيادة تعرفة المواصلات لجنيه، لتواكب الارتفاع في أسعار الوقود، وسقط فيها عدد من القتلى وأعداد من الجرحى، وأغلقت على إثرها المؤسسات والبنوك والأسواق، وصدر قرار بتعليق الدراسة في المرحلتين في محليتي نيالا شمالاً وبلدية نيالا، ومن قبل في يونيو من العام نفسه اعتدى مسلحون عبر سيارتين لاندكروزر على مبالغ مالية تتبع لبنك الخرطوم تقدرب «400» ألف دولار بجانب «43» ألف جنيه أخرى كانت في طريقها لمقر بعثة اليونميد بحي النهضة بنيالا. أما الحادثة الأكثر غرابة فهي الوقائع التي شهدتها محاكمة المتهمين في الحادثة السابقة التي جرت في ديسمبر الماضي عندما تمكن مسلحون من اختطاف المتهمين من داخل المحكمة بنيالا بعد إطلاق النار على شرطة المحكمة، وفي مطلع الشهر الجاري تمكن مجهولون من سرقة مرتبات العاملين بوزارة الثروة الحيوانية فرع نيالا التي كانت في طريقها من بنك الثروة الحيوانية للوزارة وقدرها «300» ألف جنيه. ووفقاً لتقارير صحفية فإن أحداث السطو التي تقع في نيالا على نحو متكرر، صارت تؤرق المواطنين، خاصة بعد ارتفاع نسبة الجرائم المتعلقة بسرقة المواتر وعمليات السطو الليلية، أضف لذلك ازدياد نشاط الحركات المسلحة بالولاية، وعلى إثر تلك الاضطرابات الأمنية المتزايدة ألقت الخرطوم بثقلها الأمني عبر وفد رفيع زار الولاية في العاشر من الشهر الماضي ضم وزيري الداخلية إبراهيم محمود حامد والدفاع عبد الرحيم محمد حسين ومدير جهاز الأمن محمد عطا المولى عباس. وتخللت الزيارة وقوع أربعة حوادث نهب وقطع طرق وفق تصريحات صحفية لحماد الذي فسرها بأنها تهدف لتشتيت جهود الدولة، ورغم تلك الأحداث التي هزت الولاية إلا أن حماد لم يكل من الترويج عن مشروعاته التنموية الطموحة للولاية من بينها سفلتة الطرق وإنشاء مصنع سكر ومحطة كهرباء وترتيبات لإنشاء سوق حر وميناء، بجانب إنشاء بحيرة صناعية. بيد أن أوضاع الولاية الأمنية لم تحظ برضا المركز الذي ينتظر تقارير الولاية الخاصة بالوالي ليفتي في أمره. وتشير الخطوط العريضة للتقرير الذي تحصلت «الإنتباهة» على أبرز تفاصيله نقلاً عن مصدر أوصى بحجب هويته، أن الحزب بالولاية تسيطر عليه إثنيات محددة، تداولت قيادة الأمانات فيما بينها، وتجاهل حماد للمكتب القيادي للحزب، واعتماده على مجلس شورى قبلي، مما أدى لشيوع عدم الرضا في أوساط الحزب، وأدى لانشقاقه داخلياً، لينعكس ذلك سلباً على أداء الحزب. وفي الإطار نفسه حمل عدد من أعضاء الوطني بنيالا مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية بالولاية للخلافات بالحزب، كما جاء في لقاء تنويري عن الراهن السياسي بدار الحزب بنيالا أشارت له الزميلة «الصحافة» بحضور رئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية مهدي إبراهيم الذي يقوم بجولة واسعة في الولايات، تخللته مداخلات ومناقشات حادة عما جرى بنيالا خلال الأيام الماضية. ومن النقاط التي تؤخذ على الوالي وفقاً للتقرير أعلاه، نزوعه لإقصاء المكون السكاني للولاية واعتماده على إثنيات محددة، ومن ذلك أن قبيلة الفلاتا أبدت احتجاجاً كبيراً على ما وصفته إقصاءها من حكومة الولاية، حتى أنها عبرت عن ذلك في إعلانات مدفوعة القيمة بالصحف، ومن الاستدراكات التي لجأ إليها المركز في هذا الشأن، تعيين أحد أبناء القبيلة محمود موسى كمستشار للوالي. ومن المؤشرات اللافتة التي تطرق لها التقرير بحسب المصدر إبعاد حماد للأجهزة الأمنية الرسمية واستناده إلى جهاز قبلي فيما يختص بالشؤون الأمنية، ويعود ذلك لعلاقته المتوترة مع قادة تلك الأجهزة، ومنهم مدير جهاز الأمن العقيد النيل على خلفية اتهامه للجهاز في التسبب في أزمة الوقود بالولاية، نظراً لإدارتهم لتوزيع الوقود، أما حرس الحدود وقائده محمد عبد الرحمن الشهير ب«حميدتي» فالعلاقة بينه وحماد متوترة جداً، خاصة أن الأول يرى أن الوالي يسعى لتصفيتهم، لا سيما وأن حماد قد أقال حميدتي من موقعه كمستشار للوالي للشؤون الأمنية. وبينما يشير مسؤول الاتصال التنظيمي صديق إلى أن أجهزة الحزب لم تجلس بعد للبت في أمر تغيير والي جنوب دارفور، يذهب المصدر أعلاه إلى أن قضية إعفائه رهينة بإيجاد البديل، وبالرغم من ذلك يبقى أن إعفاء حماد أو إبقاءه يخضع للعديد من التقديرات الحزبية، فمن الحيثيات التي تدعم اتجاه الإعفاء الانتخابات التي بدأ الحزب في الاستعداد لها مبكراً بابتعاث نواب رؤساء الأحزاب لدورة تدريبية خاصة بالانتخابات في تركيا، كما أن الانتخابات نفسها تحتاج لتماسك ووحدة الوطني كل في ولايته، الشيء الذي لا يتوفر بجنوب دارفور، كما أن الولاية التي تحادد ولايتين في دولة الجنوب هما شمال وغرب بحر الغزال، تحتاج في المقام الأول لهدوء الأحوال الأمنية، لتنصرف القوات النظامية لمواجهة الحركات المسلحة، أما القرائن التي قد ترجح الإبقاء على حماد أن الوطني ينزع لمخالفة البدهيات المتعلقة بالوقائع، ومن ذلك أن كاشا الذي رشحه الحزب لولاية جنوب دارفور لم يكن ترتيبه الأول في التصويت من بين الخمسة قيادات التي اختارها الحزب بالولاية، فضلاً عن أن الحزب تغاضى عن الاحتجاج الذي أبداه طلحة باكاش في النيل الأزرق لتجاوزه في ترشيحه لمنصب الوالي، مما دفعه للترشح مستقلاً ليحصد قرابة العشرين ألف صوت، لتكون النتيجة هزيمة الوطني وفوز مالك عقار، وبالنظر إلى أن إعفاء حماد قد يشير إلى أن قرار المركز بتعيينه لم يكن صائباً، قد يدفع المركز للتمسك بقراره والعمل على دعم حماد في موقعه، كما أن قدوم الأخير للوطني من المؤتمر الشعبي برفقة نائب الرئيس الحاج آدم يوسف قد يُعلي من حظوظ بقائه في منصبه.