بت حي الرديف «بت الذين» وهي تبدي لوعتها وتوجعها القلبي من فراق الأفندي أبو قجيجة الذي كان يعمل في الوابورات عندما تم نقله إلى كوستي تغنَّت في حرقة قائلة: الكوبري قفلوه وأنا قلبي فتحوهو عشان حبيبي أب قجيجة لي كوستي نقلوه أموت أنا... الليمون سقايتو عشية .. يا حاج أنا. في زمن من الأزمان كانت الوابورات تتحرك من النقل النهري بالخرطوم بحري وكان الأمر يتطلب قفل كبري النيل الأبيض وتحريك إحدى ضلفتيه ليسمح بمرور الوابورات المتجهة للجنوب. منظر كنا نشاهده بالكثير من الدهشة والإعجاب. على أن ما يخصنا هنا ادعاء بت الرديف «بت الذين» أن قلبها فتحوه.. ويعلم الله لو كانت تدرك كيف يُفتح القلب وما يتبعه من توابع لما تغنَّت بما تغنَّت به. تلك عملية كبيرة لا يقوم بها إلا جراحون أفذاذ من شاكلة البروفيسور نزار البشير الحسن وثلة من زملائه في التخدير والجراحة والاستطباب وطاقم مؤهل من رأسه لأخمص قدميه من السسترات والممرضات والذين هم حافظون «لألواحهم» كلمة كلمة وخطوة خطوة. وأنا أكتب هذه الكلمات وقد هاتفني أخي وصديقي البروفيسور شمس الدين عابدين أن أخاه وأخانا البروفيسور الطيب زين العابدين قد أُخرج من غرفة العمليات إلى غرفة العناية المركزة بمركز القلب بعد أن أُجريت له عملية القلب المفتوح وزُرعت الشرايين في قلبه كما زُرعت في قلبي من قبل فلله الحمد والشكر والمنَّة من قبل البروفيسور واختصاصي جراحة القلب الدكتور نزار وفريقه الميمون. فأية مفخرة ننشد بعد هذا ونحن نرى توطين العلاج في أصعب مراحله قد أصبح حقيقة واقعة. في بلادنا وليس في بلاد تُضرب لها أكباد البوينق والآير باص والمرافقون ودولارات نحن أولى بها وفي أشد الحاجة لها.. البروف الطيب كان من الممكن أن يُجري هذه العملية الكبيرة في أي مكان.. وأنا فإن بنتي الدكتورة سامية التي تعمل في مستشفى الأنصار بالمدينة المنورة كان يمكن أن تهيء لي إجراء العملية هناك ولكنها وزملاءها الأطباء والاختصاصيين قالوا بأننا لن نجد في أي مكان من هو أكفأ من فريق القلب الموجود في السودان. وها أنا أدخل أسبوعي الثاني بعد أن أجريت العملية هنا في مركز القلب أتماثل للشفاء بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ولا أظن أنني كنت سألاقي من المهنية والعناية الفائقة والرصد المستمر على مدار الساعة أكثر من هنا. ما أكتبه في هذا المقال لا يسلب أي شخص حقه في العلاج خارج السودان إن أراد ذلك طالما أنه يملك من الدريهمات ما يقمن صلبه ويصلحن عطب قلبه. ولكني أتحدث بلسان الغالبية الغالبة التي يصعب عليها أن تبحث عن العلاج خارج السودان.. ومن حق هؤلاء أن نؤهل لهم مستشفياتنا بالمستوى الذي يمكِّنهم من العلاج داخلياً وسنناقش هذا الأمر نقاشاً مستفيضاً في مقبل الأيام القادمة. لقد تصاعدت حالات مشكلات القلب بصورة تدعو للقلق لأسباب كثيرة بعضها عضوية وبعضها نفسية. فقد فطن أهلنا الجعليون وهم يتغنون في اليوم الأبيض بغناء اليوم الأسود قائلين: الليلة الليلة وأزاي الليلة حرق بنار الكباين ديلا ولو تمعَّنت يا أخا العرب في غناء اليوم الأبيض لوجدت أنه يعني: «حرق بنار» الغباين «ديلا».. ونار الغباين ديلا هي التي جعلت شراييننا تضيق على سعاتها.. فأنت مغبون منذ أن تشرق الشمس إلى مغربها.. وليس كما قال السيد وزير المالية إن كل شيء عال العال وإن السلع متوفرة وإن الشعب ينام ملء بطنه عن شواردها... بينما قبل كم سنة بشرنا بأن الحكومة مفلسة وأننا خيرٌ لنا أن نأكل الكسرة.. إن استطعنا لها سبيلاً أو شيء من هذا القبيل.. مثل هذا التصريح وهو يصدر عن السيد وزير المالية «خازندار أموال السودان» وليس له داع يدخل في خانة الغباين ديلا التي تغلق المسارات داخل الشرايين. وهناك شيء آخر تعلمناه من الشاعر المرحوم الطيب ود ضحوية وهو يحفزنا قائلاً: أمانة عليك يا دريب كم شقيناك فوق عاليب ندهن بالهمريب ومقوتنا القطعة أم شيب والقضية كلها تكمن في القطعة أم شيب هذه. فالقطعة أم شيب هي قطعة اللحم التي يحيط بها الشحم مثل الشيب. وهي التي تحمل معها من الدقداق ما يسد المساريب. وغداً لي معكم حديث القلب المفتوح للقلوب المفتوحة التي احتوتني حباً وعطفاً ودعاءً كان زادي في رحلة السرير الأبيض.