لفت نظري خبرٌ ورد في صحيفة (آخر لحظة) المتيَّمة بأخبار حزب البعث العربي الاشتراكي وهو بالمناسبة واحد من أربعة أحزاب تحمل اسم حزب البعث كان شهيد الصحافة محمد طه محمد أحمد قد كتب مرة معلقاً على زواج رجل وامرأة من عضوية ذلك الحزب وسفرهما في شهر عسل.. كتب قائلاً إن نصف عضوية حزب البعث غادرت إلى القاهرة لقضاء شهر العسل في عاصمة المعز!! ما لفت نظري أن الناطق الرسمي باسم أحد أحزاب البعث صرَّح بأنهم يشترطون لعقد قمَّة رباعيَّة بين الرئيس البشير وقادة المعارضة تهيئة المناخ للعمل السياسي الحُر والديمقراطي إلخ إلخ. هل تعلمون ممَّن تتكوَّن القمَّة الرباعيَّة التي ستجمع البشير وقيادات المعارضة؟! الجواب أنها تتكوَّن من البشير والصادق المهدي والترابي بالإضافة إلى أمين سر حزب البعث!! ضحكتُ وأنا أقرأ هذا الخبر حين وضع الرجل حزب البعث بل أحد أحزاب البعث في مقام الأحزاب الكبرى بالرغم من أن عضوية جميع تلك الأحزاب لا تملأ حافلة وفي رواية أخرى لا تملأ رقشة!! أحزاب البعث التي لم تفز بدائرة جغرافية واحدة في أي انتخابات جرت في السودان منذ فجر الاستقلال هي التي تسوم قيادتها الأمميَّة الشعب السوري سوء العذاب تقتل أبناءه وتستحيي نساءه وتدمِّر منشآته وبنياته الأساسيَّة ولو كانت تلك القيادة الهوجاء تستخدم مِعْشار ما صرفته على حربها ضد الشعب السوري في مواجهة دولة الكيان الصهيوني التي لا تزال تحتل الجولان السوريَّة لحررت أرضها بل لفتكت بتلك الدولة المحتلة ورمتها في البحر الأبيض المتوسط ولكن!! ماذا يريد البعثيون في السودان وهل كانوا في يوم من الأيام حريصين على نصرة (العروبة) التي يضمُّها اسمهم أم أنَّهم كانوا حرباً على العروبة من خلال مناصرتهم لقرنق وحركته الشعبيَّة التي ما قامت إلا للحرب على الإسلام واللغة والثقافة العربية بدليل ما فعلوه ولا يزالون باللغة العربيَّة في جنوب السودان بالرغم من أنها لغة التفاهم بين جميع القبائل الجنوبيَّة من خلال (عربي جوبا)؟! حقَّ للسيِّد الصادق المهدي أن يصف الأحزاب الهزيلة التي يضمُّها تحالف قوى الإجماع الوطني بالطرور والعجيب أن حزب البعث فهم أنه المقصود بما وصفه به المهدي بدليل أنه انفجر غاضباً وأرغى وأزبد وهاجم المهدي وطالب بمحاسبة حزب الأمَّة على تصريحات زعيمه!! عجيب والله أن يُحاسَب حزبُ الأمَّة بكل تاريخه عشان حزب لا تملأ عضويتُه رقشة!! السؤال المهم هو لماذا تهتم بعض الصحف بحزب الرقشة هذا؟! اقرأوا بربِّكم هذه الزفرة من معلِّم موجوع فإن لم تبكوا فتباكوا: إلى من يهمهم الأمر!! أستحلفكم جميعاً بحق الأمانة، أمانة المسؤوليَّة أو النيابة التي في أعناقكم عنا أهذا معاش يعيش حماراً!!! (عشرة جنيهات) بكل ما أُضيف إليها من زيادات وتحسينات وهبات (عشرة جنيهات)؟! ألسنا مواطنين سودانيين، أو ليست لنا عوائل وأسر تأكل وتشرب وتلبس وتتعلم وتتعالج وتتواصل وتحلم؟!. ألا تخافون الله ربكم فينا، أأمنتم سؤاله لكم عنا! ألا يستفزكم ولا أقول يستعطفكم منظر هؤلاء الشيوخ هم يزحفون جاهدين أول كل شهر إلى مراكز صرف (المعاشات)؟! ليصرف كل منهم ما يساوي (عشرة جنيهات) في اليوم! ألا يستحق هؤلاء الرعايا الذين أفنَوا زهرة شبابهم في خدمة هذا البلد شيئاً من الإنصاف، ولا أقول التكريم أواخر أيامهم! وإلا فأي خير يُرجى لنظام لا يطبِّق أسوأ نظريات الاقتصاد علمياً، وأسوأ خبرات الترشيد والتوفير عملياً، وأسوأ أساليب الإجحاف والتقتير حرفيّاً إلا على (فتات) أضعف حلقات رعاياه واقعياً، فأي، أي خير وأي فلاح يُرجى لمثل هذا النظام؟! بينما الملايين، وملايين الملايين تُهدر هنا وهناك صباح مساء، والفساد، الفساد يضرب بجرانه كلَّ مفاصل الدولة، حتى المنظمات ذات الصيغة الرساليَّة لم تسلم من هذه الآفة الماحقة، والدماء، الدماء تُسفك في كل ركن من أركان البلد، والسُّودان الوطن العظيم يتأكَّل من أطرافه شيئاً فشيئاً، حتى طمع فينا من لم يكن يجرؤ بالأمس القريب على رفع عينيه ليطلب حقَّه المشروع! ولكن.... (من يهُن يسهلُ الهوانُ عليه). ولكم ساءلت نفسي عمَّا إذا كانت عيون الملائكة الكرام على السودان، عندما أخبرهم ربُّهم في ذلك الزمان السحيق بأنه جاعل في الأرض خليفة فقالوا قولتهم المدوِّية: (أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء). قد لا يحق لنا نحن المسحوقين أن نتساءل عن مخصَّصاتكم الماليَّة أو مخصَّصات عرباتكم أو امتيازاتكم الأخرى أو مستحقاتكم (الدستوريَّة) عند نهاية الخدمة! ولا مرتباتكم حتى؟!! ولكن من منكم يعرف اليوم بكم رطل اللبن وبكم كيلو السكر، بل وبكم (البصلة) الواحدة، أي والله الواحدة وباختصار كم تكلف حلَّة (الملاح) الفقيرة جداً، ولا أقول (الطبيخ) لأن المدعو اللحم قد هجر (موائدنا) منذ زمن... زمن بعيد. لا أشك قط أن مبلغ المائة جنيه الذي أُضيف للمرتبات والمعاشات كان من توجيه السيد الرئيس شخصياً، ولكن لا أصدِّق أبداً أنه هو نفسه صاحب هذه التسمية (منحة)؛ لأن معنى المنحة أو مفهوم المنحة أو الهبة أو الصدقة أو الهديَّة أو الحسنة أو العطيَّة أو الإكراميَّة أو الحافز أو... أو... وبكل مسمَّياتها، فإنَّ مفهومها لا يخرج عن كونه قيمة إضافية زائدة فوق (الأصل) المُستحَق، خاصَّة إذا ما صدر أو ارتبط العطاء باسم رأس الدولة فهل هي كذلك؟! أو بعبارة أخرى هل استوفى المعاشيُّون حقَّهم في الحد الأدنى من حقهم كاملاً، لتكون (المنحة) بعد ذلك منحة فعلاً!! والسؤال الأهم ما هو الغرض أو الهدف أصلاً من فكرة المعاش!! ومن مفارقات الدنيا ونحن نعيش منذ ثلاث وعشرين سنة في ظل المشروع الحضاري الرائد! أن نجد أنفسنا أخيراً حيث نحن الآن. والشيءُ بالشيءِ يُذكر. فقد كنتُ أعمل أول عهدي بالتدريس معلماً في جنوب كردفان أواخر الستينات وأوائل السبعينات، وصادف أن شاركتُ وقتها في الانتخابات الأولى لرئاسة الجمهورية على عهد الرئيس الراحل نميري رحمه الله وكنا نحن المعلمين كما هو الحال دائماً على رأس العمليَّة إعداداً وإشرافاً وتنفيذاً، وأذكرُ أنَّ الوقت كان خريفاً وما أدراك ما الخريف هناك فكنا نتنقل بأوراقنا وصناديقنا ومعداتنا بين الجبال والوهاد والغابات والأودية على ظهر الحمير المُستأجَرة لتعذُّر حركة السيارات في الخريف، ومن ثم نتقاضى أجراً متساوياً نحن وحميرنا، خمسين قرشاً للحمار عن كل يوم، ومثلها للأستاذ (أيضاً كذلك) ولا فخر!!. ولو كان في هذا الزمان من يؤجِّر حماره بعشرة جنيهات في اليوم، لقلت لنفسي ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن! حتى تلكم المعادلة (غير العادلة) قد سقطت الآن بلا شك، وبلا أسف كذلك لمصلحة الحمار، فهنيئاً لمعشر الحمير... ولا نامت أعين الحاسدين! وأما المعاشيون، فليموتوا في صمت، وصمت مهيب، لتنتهي (القضيَّة) بانتهاء مراسم الدفن. ألا هل بلَّغت... اللهمَّ فاشهد عبد الرحيم علي فضل السيد